الحكومة الانتقالية السورية الجديدة بين الطموح والتحديات

مقدمة:
جاء الإعلان عن الحكومة السورية الانتقالية لتكون المكوّن الثاني بعد الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية، وأعلن تشكيلها يوم السبت 29 آذار/ مارس 2025، في القصر الجمهوري، ضمن تنظيم احتفالي نُقلت وقائعه مباشرة عبر التلفزيون، وتعدّ الحكومة “السلطة التنفيذية”، وهي المكوّن الثاني في ثلاثي السلطة، حيث يُنتظر تشكيل مجلس تشريعي مؤقت ليكون السلطة التشريعية، كما ينتظر تشكيل مجلس القضاء الأعلى ليكون السلطة القضائية.
في حفل الإعلان عن الحكومة، ألقى الرئيس أحمد الشرع خطابًا افتتح به اللقاء، ووضّح فيه أهداف حكومته في المرحلة المقبلة، وتلا الخطابَ كلمات ألقاها كلُّ وزير على حدة، وضّح فيها أهداف وزراته في المرحلة المقبلة، وقد كانت أهدافهم طموحة جدًا، ولم تتضمن التشكيلة منصبَ رئيس مجلس الوزراء، نظرًا لاعتماد النظام الرئاسي من النمط الأميركي، وفقًا للإعلان الدستوري، حيث يُشرف رئيس الجمهورية مباشرة على عمل الوزراء، لكن ما زال هناك حاجة إلى تعيين نائب لرئيس الجمهورية، يدير عمل مجلس الوزراء في حال غيابه.
جاء تشكيل الحكومة في فترةٍ تتسم بالترقّب الشديد لما ستكون عليه التشكيلة الوزارية التي وعد الشرع أن تكون شاملة ممثلة للجميع، وأنها ستكون وزارة كفاءات، وجاء الإعلان عن تشكيلها ضمن اهتمام داخلي واسع واهتمام إقليمي ودولي كبير، مع أن سورية ما زالت في واقع الحال مقسّمة عمليًا إلى عدة مناطق سيطرة، حيث تسيطر (قسد) في الشمال الشرقي وتضع شروطها رغم الوصول إلى اتفاق إطاري أبرمه كل من الرئيس الشرع ومظلوم عبدي، وترفض قوًى في السويداء أن تمتدّ سلطة دمشق إليها، وتضع شروطها، ومن جانب آخر، تتدخل إسرائيل في الجنوب السوري، وتقوم قواتها بعمليات قصف بين حين وآخر وتتقدم قواتها في تلك المنطقة، ويستمر التوتر في منطقة الساحل وفي مدينة حمص، وقد أثارت الأحداث التي جرت في الساحل ردة فعل دولية واسعة، انعكست سلبًا على سمعة السلطة الانتقالية. ومن ناحية أخرى هناك احتكاكات مجتمعية، بين عناصر متشددة والمجتمعات السورية المحلية، ممّا يخلق حالة خوف في أوساط مجتمعية واسعة.
ضمن هذه الظروف، جاء إعلان تشكيل الوزارة الجديدة، وكان له دور كبير في التأثير في المناخ العام وفي اتجاه تطور الأحداث، سلبًا أو إيجابًا.
يُسجّل للحكومة الجديدة أنها أُعلنت بطريقة غير مألوفة في تجارب الحكومات السابقة، حيث جرى تنظيم جلسة عامة حضرها عدد كبير من الضيوف (نحو 300 شخصية، بينهم عدد قليل من السيدات)، ونُقلت الجلسة على الهواء مباشرة، وقدّم خلالها كل وزير رؤيته الأولية وبرنامجه المتوقع، وكانت برامج الوزراء طموحة جدًا. وإذا عُدّت هذه البرامج وعودًا، فسيكون من الصعب تحقيقها في ظلّ التحديات التي تواجهها سورية، داخليًا وخارجيًا، في ظل واقع سوري معقّد يتسم باستمرار الانقسام الجغرافي والسياسي. وربما أرادت الحكومة الجديدة توجيه رسائل إلى الداخل، مفادها الرغبة في المكاشفة والانفتاح، وأخرى إلى الخارج مفادها الاستعداد للدخول في مرحلة جديدة أكثر شفافية، وإن لوحظ عدم استخدام مصطلح “الحكومة الانتقالية” خلال تلك الجلسة.
حول بنية الوزارة
تألّفت الحكومة من 23 وزارة، وكان عدد الوزارات فيها أقلَّ من عددها في حكومات النظام السابق (كان عددها في آخر حكومة 29 وزارة)، حيث جرى دمج بعض الوزارات، وألغيت وزارتا الموارد المائية، ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، واستُحدثت وزارة جديدة للشباب والرياضة، وأخرى للطوارئ والكوارث، ويُلاحظ أن تقليص عدد الوزارات، من 29 إلى 23، عبر عمليات دمج، لا يعكس فقط توجّهًا تنظيميًا، بل قد يكون أيضًا استجابة واقعية لشحّ الموارد وتحديات التمويل، إذ يُعدّ ضغط النفقات الحكومية أحد الضرورات في ظلّ ضعف الموازنة العامة وصعوبة الحصول على دعم خارجي في حال عدم رفع العقوبات، ومن المرجّح أن هذا الدمج يعكس محاولة لتقليل الكلفة التشغيلية وزيادة الكفاءة، إلا أنّه قد يفرض تحديات إضافية على الوزراء الذين باتوا يتولّون حقائب مزدوجة، في ظل طواقم إدارية محدودة وبيروقراطية معقدة، لكن كان من الممكن أن تكون وزارة الطوارئ والكوارث هيئةً، بدلًا من وزارة، وهناك حاجة إلى توضيح مصير الوزارات التي أُلغيت، كالري والتجارة الداخلية، وإلى تحديد تبعيتها لأي وزارة ستكون.
ويُلاحظ أن هناك حضورًا قويًا لفئة الشباب في وزراء الحكومة، حيث راوحت أعمار الوزراء بين مواليد 1956 و1992. وقد غلب على الحكومة خريجو الجامعات الغربية، ومعظم الوزراء من خلفيات أكاديمية أو مهنية تقنية (أطباء، مهندسون، اقتصاديون)، ويشير التوزيع الجغرافي للوزراء إلى تركيز التمثيل في محافظات دمشق وريفها (5 وزراء)، وإدلب (4 وزراء)، وحلب ودير الزور (3 وزراء)، وحماة (وزيران)، ووزير من كلّ من القنيطرة، طرطوس، اللاذقية، حمص، الحسكة، مقابل غياب أي وزير من درعا والرقة. وقد غلب الطابع العربي السنّي على الحكومة، مع وجود وزيرَين من الأكراد، ووزير واحد لكل من الدروز، والمسيحيين، والعلويين، وغاب تمامًا التمثيل التركماني والإسماعيلي، ومعظم الوزراء محسوبون على التوجه الإسلامي، خاصة أولئك القادمين من هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ (9 من أصل 23، وتشمل أهم الوزارات “الوزارات السيادية”. إضافة إلى دمج وزارات النفط والكهرباء والماء في وزارة واحدة “وزارة الطاقة”، ووضع على رأسها محمد البشير. وضمت التشكيلة الغالبية (17 وزيرًا) من المعارضين المعروفين، و6 وزراء لم يكن لهم مواقف واضحة. وهناك وزيران شغلا مناصب وزارية في حكومات النظام السابق قبل الثورة، وعدة وزراء عملوا في حكومة الإنقاذ في إدلب سابقًا، أو في حكومة تصريف الأعمال التي تلت سقوط النظام، حيث احتفظ عدة وزراء بمناصبهم. واقتصرت مشاركة النساء على وزيرة واحدة، وهو ما عُدّ خطوة محدودة للغاية، في ظل ارتفاع المطالب النسوية بالمشاركة السياسية الفاعلة.
المواقف المحلية
عمومًا، ساد في الشارع السوري موجة من التفاؤل بوجوه جديدة وشابة، لكن بعض المواقف عبّرت عن خيبة أملها من ضعف التشاركية، وتهميش المرأة وغيرها. وعلى الرغم من حضور شخصيات تنتمي إلى خلفيات قومية ودينية متباينة داخل التشكيلة الوزارية، فلا يمكن اعتبار الحكومة ممثلة فعلًا لكلّ مكونات الشعب السوري، فالتعدد الشكلي لا يُغني عن التمثيل الحقيقي الذي لا يتحقق إلا من خلال صناديق الاقتراع، وهو أمرٌ غير ممكن في الظروف الراهنة. ومع ذلك، كان من الممكن إجراء نوع من المشاورات المجتمعية أو النخبوية قبل إعلان التشكيلة، مما ينمّي الشعور بمستوى تمثيل الحكومة، ويخفف حدة الرفض الذي ظهر من بعض الشخصيات والجهات لها، إلا أن ذلك لم يحدث، ما أثار تساؤلات حول أسلوب اختيار أعضائها، وقد غابت رموز المعارضة التقليدية (الائتلاف، الحكومة المؤقتة، هيئة التفاوض)، وعُدّ ذلك إشارةً إلى رغبة في القطيعة مع تلك التجارب، ولكن في المقابل لم يُستكمل ذلك بانفتاح كبير على قوى مدنية أو مجتمعية جديدة.
وبالنسبة إلى (قسد)، فقد أصدرت بيانًا حادّ اللهجة، رفضت فيه الحكومة الجديدة، ووصفتها بأنها “إقصائية وأحادية”، مؤكدة أنها لن تعترف بأي قرارات صادرة عنها، واعتبرت التشكيلة “عودة إلى مربع الاستئثار والهيمنة”. وكذلك الأمر بالنسبة للقوى الرئيسة في السويداء ولمجلس السويداء العسكري، ويهدد هذا الرفض بتوسيع فجوة الانقسام الوطني، ويقوّض فرص بناء شراكة وطنية شاملة، وإن استمرار الانقسام الجغرافي والسياسي، وتعثر حلّ ملفي قسد والسويداء، يظل التحدّي الأبرز الذي يقف أمام الحكومة في سعيها لإعادة بناء وحدة البلاد.
المواقف الدولية:
رحّبت العديد من الدول بإعلان تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة، وعلى رأسها قطر وتركيا والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، والنروج، والأردن، والكويت، وفرنسا، وإيطاليا، وغيرها.
وبالنسبة للموقف الأميركي، فقد أُعلن أن الولايات المتحدة ستواصل تقييم سلوك السلطات المؤقتة وتحديد الخطوات التالية بناءً على تلك الإجراءات فيما يتعلق بالعقوبات، أي أن تعديل سياسة الولايات المتحدة سيكون مشروطًا باتخاذ مجموعة من الخطوات، منها نبذ الإرهاب وقمعه بالكامل، واستبعاد المقاتلين الأجانب من أي مناصب رسمية، ومنع إيران ووكلائها من استغلال أراضيها، واتخاذ خطوات جادة لتدمير أسلحة الأسد الكيميائية بشكل يمكن التحقق منه، والمساعدة في استعادة المواطنين الأميركيين وغيرهم من المختفين في سورية، وضمان أمن وحريات الأقليات الدينية والعرقية في سورية.
أما الاتحاد الأوروبي، فقد أبدى استعداده لدعم الحكومة الجديدة، ولم يتضمن بيان الاتحاد أي اشتراطات، على عكس البيانات السابقة، ما يعني أن دول الاتحاد مستعدة للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة، بغض النظر عن سياسة أميركا تجاهها.
التحديات الموضوعية التي ستواجه الحكومة
تواجه الحكومة الجديدة مهمات وتحديات كبيرة، من إعادة الإعمار، إلى تأمين عودة اللاجئين، وصولًا إلى المهمة الأكثر صعوبة، وهي إعادة بناء اللحمة الوطنية في مجتمع ممزق ومنهك. ولا يمكن تحقيق ذلك دون استعادة وحدة البلاد، وإنهاء الانقسامات السياسية والمجتمعية، وهو ما يتطلب جهودًا تتجاوز مجرد الإدارة اليومية إلى مستوى بناء الثقة الوطنية.
- العدالة الانتقالية والسلم المجتمعي: ما زالت قضايا العدالة الانتقالية غائبةً عن أجندة العمل الحكومي، مع أنها ضرورية لإعادة بناء الثقة المجتمعية بعد سنوات الانقسامات، فضلًا عن أن جهود تحقيق السلم الأهلي والمجتمعي لم تُفعّل بعد بالشكل الكافي، ما يُبقي على حالة التوتر بين المكونات المختلفة. ويعدّ هذا التحدي العقبةَ الأكبر أمام السلطة السورية الجديدة، فهو يشمل التوافقات الوطنية الرئيسة حول طبيعة النظام السياسي وطبيعة العقد الاجتماعي الجديد، وطبيعة السلطة السياسية القادمة في سورية، والمشاركة في السلطة، والموقف من الحريات العامة ومن الإدارة اللامركزية، والتغلب على الرغبة في الانتقام التي برزت خلال الشهور الماضية لدى بعض المجموعات.
- تعدد مناطق السيطرة: حيث ما تزال بعض المناطق خاضعة لسيطرة فصائل مسلحة، مثل (قسد) في شرق الفرات، التي أبرمت مع دمشق اتفاقًا إطاريًا يحتاج إلى تفاصيل كثيرة هي موضع خلاف، ومثل السويداء التي لها وضع خاص، إذ ترفض أن تسيطر دمشق على السويداء وتقدّم مطالب تتعلق بشكل السلطة والحكم، وتبقى إسرائيل تعلن صراحة أنها تعمل على عدم امتداد سيطرة دمشق على جنوب سورية، وتقوم بغارات وضربات بين حين وآخر، وهناك أيضًا محافظة درعا وفصائلها، وخاصة قوات أحمد العودة التي لم تصل إلى اتفاق مع دمشق.
- الأوضاع الأمنية: يعاني السكان حالة فوضى أمنية وسوء إدارة، ما يشكّل عائقًا مباشرًا أمام الحكومة في فرض القانون وهيبة المؤسسات، وإن غياب جهاز أمني مهني وموحّد يعقّد مهمة استعادة الاستقرار، وتنعكس الفوضى الأمنية في الأحداث التي جرت وما زالت تجري في الساحل وحمص، وكذلك في تعسف قوات الأمن تجاه المواطنين، حيث يتم اعتقال العديدين بطرق غير شرعية وبدون اتهامات محددة موثقة تستوجب الاعتقال، وبأمر من القاضي، ويُودع المعتقلون في السجون دون محاكمة، ولا يتمكّن ذووهم من الاستفسار عنهم. وبدأت حوادث العنف والاعتداءات والسرقات تتزايد نتيجة للأوضاع المادية المزرية ولغياب جسم شرطي كاف.
- الدمار والبنية التحتية المنهارة: تواجه الحكومة تحديًا هائلًا في ظل الدمار واسع النطاق الذي شمل معظم البنى التحتية، ومن دون خطة متكاملة لإعادة الإعمار، ستبقى الخدمات الأساسية محدودة، وهو ما سينعكس مباشرة على مشروعية الحكومة في عيون المواطنين.
- اللاجئون والنازحون: وتبلغ أعدادهم قرابة 12 مليون لاجئ، منهم أكثر من 5 ملايين نازح داخلي، وأكثر من 6 ملايين لاجئ، وخاصة في تركيا ولبنان والأردن ثم أوروبا، وهم عبء كبير يتطلب برامج عريضة وعملية تعاون إقليمي ودولي، ولا تبدو الأوضاع الحالية بعيون اللاجئين مشجعة للعودة إلى الوطن.
- الاعتراف الخارجي: على الرغم من الترحيب الإقليمي والدولي بالإعلان عن الحكومة، فإن الاعتراف السياسي الكامل لا يزال غائبًا، فمعظم الدول تتعامل مع الحكومة بوصفها كيانًا “وظيفيًا”، وليس كبديل شرعي معترف به، وهذا التردد في الموقف الدولي يحدّ من قدرة الحكومة على الوصول إلى الدعم المالي والسياسي الضروري لاستقرارها.
- التهديدات الخارجية: حيث تواجه الحكومة تهديدات مستمرة من قبل قوى إقليمية معادية أو غير متقبلة للتغيير السياسي في سورية، فضلًا عن أن استمرار الوجود العسكري الأجنبي، سواء النظامي أو غير النظامي، يضعف من قدرة الحكومة على التحكم في السيادة الوطنية.
- موقع سورية الجيوسياسي: تُعدّ سورية ساحة تقاطع نفوذ إقليمي ودولي، ما يجعل أي حكومة عرضة لضغوطات متضاربة، والحكومة الجديدة مطالبة بصياغة سياسة خارجية متزنة، تحافظ على هوية البلاد، وتمنع الانزلاق في محاور إقليمية، مع تأمين الانفتاح على القوى الدولية الداعمة لإعادة الاستقرار.
تحديات شح الموارد:
إن التحديات الجسام التي تواجه الحكومة الانتقالية تتطلب موارد مادية وبشرية وصلاحيات واسعة، في حين إنها تعاني نقصًا شديدًا للموارد.
- شحّ الموارد المادية: حيثتعاني الحكومة غيابًا شبه تام للموارد، في ظلّ العقوبات الدولية، وشح التمويل الخارجي، وسيجد الوزراء أنفسهم أمام واقع لا ينسجم مع الطموحات التي طُرحت خلال جلسة أداء القسم، وتحتاج سورية خلال سنواتها الأولى إلى مساعدات خارجية، إلى جانب تنمية الاستثمار الداخلي وإعادة إطلاق الاقتصاد المحلي، غير أن هذين المصدرين الداخلي والخارجي رهن برفع العقوبات التي فرضت على سورية منذ 2011، وتضم عقوبات عربية وأوروبية وأميركية وأممية، وهي تفرض على سورية قيودًا ثقيلة تمنع عنها المساعدات وتعوق الاستثمارات. لذا فإن أي نجاح حكومي سيبقى رهينًا بقدرة الحكومة على تنمية الموارد المحلية، وتفعيل آليات تمويل بديلة، والسعي للحصول على مساعدات خارجية، وهو ما يتطلب مرونة سياسية وانفتاحًا عقلانيًا على الواقعين الداخلي والخارجي.
- شح الموارد البشرية: اعتمدت حكومة تصريف الأعمال على التوظيف السياسي بدل الكفاءة، ما أدى إلى فصل آلاف الكوادر الأساسية التي كانت تدير مؤسسات الدولة، وأحلّت محلّها كوادر شابة قليلة الخبرة، مما ترك أثره السلبي على أداء مختلف مؤسسات الدولة. وتحتاج الحكومة إلى إعادة الاعتبار للمؤسسات، واستدعاء الكفاءات، ووقف التعيينات على أساس الولاء، وهي مهمة صعبة تتطلب إرادة سياسية حقيقية.
- الصلاحيات: التحدي الأبرز ليس في القدرات، بل في حدود السلطة الممنوحة للحكومة، والسؤال الجوهري في هذا الشأن هو: هل تمتلك الحكومة الجديدة سلطة القرار على الأرض؟ وهل تستطيع ضبط الفصائل المسلحة التي ما زالت تسيطر على بعض المناطق؟ وهل لها الكلمة الفصل في القرارات السيادية؟ وإذا لم تُحسم هذه الأسئلة لصالح الحكومة، فإن تحقيق الاستقرار سيبقى حبرًا على ورق.
- التباين داخل التشكيلة: قد يُعدّ تنوّع الحكومة نقطة قوة، إلا أنه يمثل تحديًا أيضًا في ظل اختلاف الخلفيات الأيديولوجية والمهنية للوزراء، ويبقى السؤال: هل ستستطيع الحكومة العمل بروح الفريق؟ وما مدى قدرة الرئيس الشرع على ضبط مسار العمل كفريق وطني جامع؟
كلّ هذه التحديات تؤكد على ضرورة أن تصدر الحكومة بيانًا عن برنامجها خلال المرحلة الانتقالية، وهي خمس سنوات، حسب الإعلان الدستوري، يتضمن الخطوط العامة للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تبغيه، وطبيعة العقد الاجتماعي الذي تنشده، وأن تحدد المراحل الزمنية لإنجاز برنامجها، وأن يتضمن آليات المتابعة ومعايير القياس، وليس هذا بالأمر البسيط لأن كل برنامج يعكس رؤية محددة ومصالح محددة.
خاتمة:
على الرغم من الملاحظات السابقة، فإن من السابق لأوانه إصدار حكم نهائي على الحكومة الجديدة، فالتجربة لا تزال في بدايتها، والأمل -وإن كان حذرًا- لا يزال قائمًا في أن تتمكن هذه الحكومة من تحقيق بعض الإنجازات الملموسة، لا سيّما في الملفات الخدمية والمعيشية، والسوريون سيمنحون الحكومة مهلة غير معلنة، ولكنها ستكون حاسمة، ربما تصل إلى 6 أشهر، قبل أن تبدأ المحاسبة الشعبية، وخلال هذه الفترة، ستتم مراقبة الأداء في كل وزارة، ومتابعة مدى تنفيذ البرامج المعلنة خلال حفل الإعلان.
ويبقى السوريون، رغم كل الخيبات، شعبًا يراقب بعين مفتوحة وعقل يقظ، ينتظرون أي بارقة أمل تنقذهم من واقع الانقسام والحرمان، وهم يدركون أن الوقت لم يعد يحتمل التجريب أو التلاعب بالشعارات، فالنجاح هذه المرة ليس خيارًا إضافيًا، بل ضرورة وطنية لا تقبل التأجيل.





