مال و أعمال

السعودية تعيد الحسابات.. شركات الاستشارات في مأزق!

Reading Time: 1 minute

اعتمدت المملكة العربية السعودية على شركات الاستشارات لدفع عملية إعادة هيكلة مكلفة لاقتصادها، لعدة سنوات. لكن شهية المملكة تجاه المستشارين الأجانب بدأت بالتراجع، مما يشكل تحدياً إضافياً لقطاع يواجه ضغوطاً عالمية متزايدة.

ورغم استمرار السعودية كأحد أكبر الأسواق لخدمات الاستشارات، فإن وتيرة منح العقود بدأت في التباطؤ، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. وأدى ذلك إلى انتقال بعض الشركات بنشاطها إلى أماكن أخرى، مثل الدوحة، وفقاً لأحد الأشخاص طلب عدم الكشف عن هويته كون هذه المعلومات سرية.

شمل هذا التأثير شركات كبرى، مثل “بوسطن كونسالتينغ غروب” (Boston Consulting Group)، التي توسعت في التوظيف بالمنطقة خلال السنوات الأخيرة، حتى تجاوز عدد موظفيها الألف. ومع ذلك، قال المطلعون إن العشرات من مستشاري الشركة في السعودية ودول الخليج الأخرى لا يعملون حالياً في مشاريع، وهو ما يُعرف في القطاع بمصطلح “على الشاطئ”، الذي يشير إلى المستشارين غير المكلفين بمهام محددة.

كما انعكس هذا التباطؤ على خفض الوظائف في شركات استشارية أخرى، مثل وحدة “استراتيجي آند” التابعة لشركة “برايس ووترهاوس كوبرز” (PwC) و”رونالد بيرغر” (Roland Berger) على مدار العام الماضي، وفقاً لبعض الأشخاص.

ضربة موجعة لـ”برايس ووترهاوس كوبرز”

“برايس ووترهاوس كوبرز”، التي حققت إيرادات سنوية 2.5 مليار دولار من الشرق الأوسط العام الماضي، تلقت ضربة موجعة قبل أسابيع بعد أن حظر صندوق الاستثمارات العامة منحها عقود استشارات لمدة عام. ولم تصدر الشركة تعليقاً رسمياً حول أسباب القرار، لكنها أشارت في مذكرة داخلية لموظفيها إلى أن الأمر يتعلق بـ”مشكلة في التعامل مع العملاء”، وفقاً لأشخاص مطلعين أكدوا أن شركات استشارية منافسة لا تزال تبرم صفقات مع الصندوق.

وقالت رنا ماريستاني، الرئيسة التنفيذية في “آر كونسالتنسي غروب” (R Consultancy Group)، ومقرها المملكة المتحدة، والتي تُساعد الأعمال على التوسع في السعودية والإمارات: “لسنوات، هيمنت شركات الاستشارات الكبرى على الشرق الأوسط، وحصلت على عقود رئيسية من الحكومات والكيانات السيادية. لكن الوضع بدأ يتغير”.

لم ترد كل من “بوسطن كونسالتينغ غروب”، و”رولاند بيرغر”، و”استراتيجي آند” على طلبات التعليق.

ضغوط مالية

يشكل أي تغيير جوهري في اعتماد السعودية التقليدي على شركات الاستشارات تحدياً كبيراً للقطاع، حيث لطالما استعانت إدارات حكومية في الرياض بمستشارين برواتب مرتفعة للمساهمة في صياغة السياسات الوطنية. كما أن العقود التي أبرمها صندوق الاستثمارات العامة وشركاته التابعة وحدها وفّرت على الأرجح إيرادات استشارية بمئات الملايين من الدولارات.

ورغم احتمال تقليص المملكة إنفاقها على بعض المشاريع الضخمة، إلا أن نشاطها الاستثماري المكثف في مجالات أخرى وحجم نفقاتها الإجمالية سيظل كبيراً. وبالنسبة لبعض الشركات، قد يُمثّل الحظر المؤقت على “برايس ووترهاوس كوبرز” فرصةً لعزيز حضورها في السوق.

وتعتمد الحكومة السعودية على الشبكات العالمية والخبرات الواسعة للشركات الاستشارية الكبرى لدعم تنفيذ مشاريع استراتيجية ضمن “رؤية 2030″، وفقاً لشركة “أكسيس كيه إس إيه” (Access KSA)، التي تقدم خدمات استشارية للأعمال وتسعى إلى جذب الشركات والاستثمارات الأجنبية إلى المملكة.

وفي هذا السياق، قال سعيد السعدي، الرئيس التنفيذي لـ”أكسيس كيه إس إيه”: “(السعودية) بحاجة ماسة إليهم، وستظل بحاجة إليهم، ولكن هذا بمثابة جرس إنذار”. وأضاف: “المملكة لا توزع الأموال، بل تدفع سعراً مرتفعاً مقابل قيمة عالية، وتتوقع الحصول على أفضل جودة وأعلى مستوى من التنفيذ”.

ما سبب التحول؟

يرتبط هذا التحول جزئياً بتراجع أسعار النفط الخام وارتفاع العجز المالي، مما أثر على التوقعات الاقتصادية وجعل البيئة الاستثمارية أكثر تنافسية.

وتواجه شركات الاستشارات تحدياً إضافياً يتمثل في تغير الرأي العام. فقد أظهر التفاعل مع قرار حظر “برايس ووترهاوس كوبرز” (PwC) مؤشرات على تبدل وجهات النظر المحلية، حيث انتقد سعوديون على وسائل التواصل الاجتماعي الإنفاق الكبير على المستشارين الدوليين، بينما طالب آخرون بزيادة التوظيف المحلي.

وترى رنا ماريستاني، الرئيسة التنفيذية لـ “آر كونسالتنسي غروب” (R Consultancy Group)، أن الشركات العالمية كثيراً ما ترسل مستشارين مبتدئين لديهم معرفة محدودة بالمنطقة، ويطبقون نماذج أعمال غربية على أسواق تعمل وفق آليات مختلفة تماماً.

وأضافت: “وهناك أيضاً عامل التكلفة. الشركات والجهات الحكومية بدأت تتساءل عن جدوى دفع ملايين الدولارات مقابل استشارات يمكن للذكاء الاصطناعي والفرق الداخلية تقديمها بسرعة وكفاءة أكبر، وبتكلفة أقل”.

تراجع عالمي

يمر قطاع الاستشارات بمرحلة دقيقة، حيث يأتي التباطؤ في السوق السعودية وسط تحديات تمتد عبر أسواق رئيسية، من الصين وأستراليا إلى أفريقيا وبريطانيا.

تواجه شركات الاستشارات انتقادات أحياناً بسبب تعاونها مع جهات سعودية، فيما خضع بعض التنفيذيين لتدقيق الكونغرس سابقاً. كما حذّرت السعودية مصرفيين ومستشارين من إجراءات قانونية محتملة إذا تعاونوا مع تحقيقات أميركية بشأن أنشطتهم في المملكة.

في نوفمبر 2023، رفع صندوق الاستثمارات العامة السعودي دعوى قضائية ضد مستشاريه في محكمة سعودية، لمنعهم من تقديم معلومات إلى لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية في مجلس الشيوخ الأميركي. وخلال جلسة استماع أمام اللجنة، أشار مايكل كلاين، المصرفي وأحد أبرز مستشاري الصندوق، إلى أن انتهاك الأمر القضائي قد يؤدي إلى السجن 20 عاماً.

وتعليقاً على المشهد العام للقطاع، قال توم رودنهاوزر، الشريك الإداري في “كينيدي إنتليجنس” (Kennedy Intelligence)، التي تراقب نشاط شركات الاستشارات: “هناك العديد من التحديات، ليس أقلها تباطؤ الصين كسوق نمو، إضافة إلى انسحاب السعودية واحتمالية تراجع الحكومة الفيدرالية الأميركية عن الاستعانة بالخدمات الاستشارية، وهو ما يشكل ضغوطاً إضافية على القطاع”.

نوعية جديدة من المستشارين

رغم أنه من غير المرجح أن تتوقف السعودية كلياً عن الاعتماد على هذا القطاع، يتوقع المحللون تغيراً في نوعية الشركات التي ستسعى المملكة للتعاون معها. ويرى السعدي، من شركة “أكسيس كيه إس إيه”، تزايد الاعتماد على وحدات الاستشارات الداخلية بدلاً من بعض الشركات الكبرى، إلى جانب توجه متنامٍ لتوظيف مستشارين سعوديين قادرين على تقديم الخدمات نفسها، ولكن بتكلفة أقل بكثير.

ومن بين التغييرات المحتملة، تزايد الطلب على المستشارين التنفيذيين. فقبل نحو عقد من الزمن، عندما كانت المملكة تضع أسس “رؤية 2030″، كان التركيز منصباً على مستشاري إعداد الاستراتيجيات، الذين تقاضوا أعلى الرسوم وساهموا في تطوير الرؤية وصياغة خططها الشاملة.

لكن مع انتقال المشاريع من مرحلة التصورات والعروض التقديمية إلى التنفيذ الفعلي على الأرض، أصبح نوع الخبرة المطلوبة مختلفاً. فالاستشاريون في المملكة يواجهون الآن ضغوطاً متزايدة لتقديم أعمال تنفيذية تضمن إنجاز المشاريع بفعالية.

وبحسب الأشخاص، فإن الشركات التي لا تتكيف مع هذا التحول الجذري قد تجد صعوبة في الحصول على عقود جديدة.

وفي هذا السياق، قال بهافين شاه، المدير الإداري في “سكرتاريت” (Secretariat)، المتخصصة في الخدمات الاستشارية: “يمر قطاع الاستشارات بمرحلة فاصلة عالمياً”، متسائلاً: “هل لا يزال النموذج التقليدي للاستشارات، القائم على تجنيد أعداد كبيرة من الموظفين لحل المشكلات، قابلاً للاستمرار؟”.


Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى