أعمال كلاسيكية بحلّة كرتونية… بين الابتكار والمجازفة – S A N A

دمشق-سانا
تأسرنا الذكريات وكل ما يتعلق بها، ولربما كان هذا أحد الأسباب خلف الانتشار الواسع لظاهرة تحويل الصور الملتقطة بالعدسة الرقمية إلى رسوم كرتونية خلال الأسابيع الماضية.
هذه الظاهرة بدأت عندما أتاحت شركة “أوبن إي آي” لأي شخص في العالم إمكانية تحويل الصور إلى “رسم كرتوني”، كما لو كانت رُسمت بيد فنان محترف، لم تقتصر الظاهرة على صور الأفراد، بل امتدت إلى عالم السينما، كفيلم “بنت الحارس” أو مسلسل “الفصول الأربعة” بصيغة الرسوم المتحركة، فكلا العملين لم يتجاوزا الدقيقة وبضع ثوانٍ، أعيد فيهما تجسيد المشاهد في صيغتي الرسوم المتحركة والدمى المتحركة، مقدمةً لمحة سريعة عن العملين بلغة مرئية مستوحاة من أدوات العصر الرقمي.
طبيعة التلقي بين الكلاسيكي والرسوم المتحركة
هذه المحاولة في تحويل مسلسل “الفصول الأربعة” وفيلم “بنت الحارس” إلى نسخة متحرّكة يفتح النقاش حول مدى قدرة تقنيات التحريك الحديثة على نقل روح الأعمال الواقعية، فبين الأداء الحي وكاريزما الشخصيات الأصلية وحضور روح المكان والزمان، يصعب أحياناً على الصورة الرقمية محاكاة العمق التعبيري ذاته، كما يشير الباحث الكوري وون تشان سون (2013) إلى أن الرسوم المتحركة رغم تطورها لا تزال عاجزة عن إيصال التفاعل الإنساني بذات الصدق، إذ لا يُتوقّع من شخصياتها أن تتأذى مما يُغيّر طبيعة التلقي، وهكذا، يبقى نجاح هذه التحويلات رهيناً بذائقة الجمهور، لا بقيمتها الفنية وحدها.
تحويل الكلاسيكيات إلى رسوم متحركة: بين الإحياء والمخاطرة
لطالما كانت إعادة إحياء الأفلام الكلاسيكية أو تحويلها من أو إلى صيغ مختلفة (كالرسوم المتحركة أو الأعمال الحيّة) موضعاً يثير الجدل، ما بين القبول والرفض والقبول المشروط، وفي هذا السياق يرى الأستاذ محي الدين فليون المحاضر بكلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق ومدير قسم التصميم في شركة “سبيستون إيفنت”، أن هذه الظاهرة تُعد فرصة حقيقية لإنعاش الروايات والأفلام الكلاسيكية.
ويجد فليون أن الكثير من الأعمال لم تقتصر على إعادة إحيائها فقط، بل أضيفت إليها لمسات إبداعية جعلت من النسخ الجديدة تُجاري النسخة الأصلية من حيث القيمة الفنية والتقنية ضمن سياقها الزمني، ومن الأمثلة البارزة فيلم “الحسناء والوحش”، الذي استخدمت فيه تقنيات حديثة تمزج بين المشاهد الحية والرسوم ثلاثية الأبعاد، ما أضفى على العمل بُعداً جديداً وجاذبية بصرية دون أن يفرّط بجوهر العمل الأصلي، ما أضاف إلى رصيد نجاحه السابق رصيداً جديداً.
وعليه يؤكد فليون ضرورة أن تكون جودة النسخة الجديدة بمستوى العمل الأصلي أو تضاهيها، حتى لا تشوّه الصورة المحفورة في ذاكرة الجمهور عن هذه الأعمال الكلاسيكية.
ربما لا ينبغي النظر إلى إعادة إنتاج الكلاسيكيات إلى رسوم متحركة بدائل للأصل، بل يمكن اعتبارها إشارات على تحوّلات الذائقة التي يفرضها العصر الرقمي، فاستدعاء الذكريات والأفلام الكلاسيكية بصيغ بصرية جديدة ليس بالضرورة تفريطاً فيها، بل قد يكون امتداداً لها بلغة مرئية يفهمها جيل اليوم، وهكذا نحن نستمر برواية حكاياتنا عبر الزمن.
تابعوا أخبار سانا على التلغرام والواتساب
Source link