المقالات

 سورية الجديدة والامتحان الإسرائيلي: من التجاهل إلى دبلوماسية التناظر الإقليمي

Reading Time: 3 minutes

مقدمة:

يمرّ الصراع السوري الإسرائيلي عقب سقوط نظام الأسد بمنعطف مهمّ، حيث عاصر نظام الأسد ثلثي عمر دولة الاحتلال، وتغيّر شكل السلطة في دمشق، وتبدّلت تحالفاتها السياسية في الإقليم، وظهرت فواعل جديدة في المنطقة جعلت إسرائيل في موقفٍ يميل تجاه التصعيد العسكري على سورية، حيث شنّت مئات الغارات الجويّة والضربات الصاروخية، وأقدمت على احتلال مناطق جديدة في سورية جنوب البلاد، عقب انسحاب قوات الفصل الدولية.

تهدف هذه الورقة إلى البحث عن الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى توسيع احتلالها الأراضي السورية، وتجاوز الاتفاقات الدولية، وتحاول فهم السياسات الإسرائيلية الجديدة تجاه سورية، وتعمل على قراءة خيارات الحكومة السورية الجديدة في التعامل مع التصعيد الإسرائيلي.

أولًا. سياقات الصراع السوري الإسرائيلي:

الموقف السوري من إسرائيل قديم، حتى إنه سبق إعلان قيامها، فقد رفضت المملكة السورية عام 1920 مشروع ما يسمّى “الهجرة الصهيونية”، ومن ثمّ دعمت الحركة الوطنية السورية قضيةَ فلسطين، وشاركت سورية في حرب 1948، واستطاع الجيش السوري حينها السيطرة على شمال فلسطين، قبل حدوث النكبة وانهزام الجيوش العربية. ومنذ ذلك الحين، حافظت سورية على الموقف المعادي والرافض لقيام “دولة إسرائيل”، وأصبحت فلسطين جزءًا من الأمن القومي السوري.

ثم جاءت حرب 1967، وكان من نتائجها خسارة سورية هضبة الجولان، مع ذلك، يشكّك السوريون برواية الحرب، لا سيما مع وجود شهادات عديدة تُفيد بانسحاب الجيش السوري من القنيطرة، بأوامر من قيادة دمشق[1].

حاول نظام الأسد الأب استعادة المناطق السوريّة التي احتلتها إسرائيل، خلال ما يسمّى “حرب أكتوبر” عام 1973، ووقّعت سورية بعد عام اتفاقية فضّ الاشتباك برعاية الأمم المتحدة، وهي التي أسّست لمنطقة منزوعة السلاح بين الطرفين، عام 1974، ولم تكن هذه اتفاقية “سلام”، وإنما كانت اتفاقًا لـ “وقف إطلاق النار”.

وبدأت مفاوضات ضمن مسار السلام المتعثر، بين الطرفين، عام 1991، في العاصمة الإسبانية مدريد، لكنها لم تفض إلى أي اتفاق، وفي عام 2008، سعت تركيا للتوسط من أجل إعادة إحياء مسار التفاوض عبر وساطة غير مباشرة بين سورية وإسرائيل، لكن الاتفاق لم يتحقق لأسباب عديدة، منها رفض إسرائيل الانسحاب من الجولان، وحرب غزة، وعدم وجود ضمانات واضحة ضمن مسار بناء الثقة، وتزايد انخراط نظام الأسد ضمن معسكر إيران.

وبعد اندلاع الثورة السورية، عزّز التحكّم الإيراني الكبير في بنية نظام الأسد الابن اتخاذ إسرائيل موقفًا رماديًا تجاه الأسد؛ لكنه غير داعم للثورة السورية، وأخذ هذا الموقف يتطور حتى وصل إلى تنفيذ طلعات جوية وعمليات قصف داخل الأراضي السورية، بسبب تزايد الهيمنة الإيرانية، مع التنسيق المباشر مع الجانب الروسي عبر تدخل موسكو عام 2015 لدعم نظام الأسد، ولضبط الإيقاع الإقليمي.

أدّت عملية طوفان الأقصى، في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى تغير قواعد الإقليم بشكل كامل، حيث قامت إسرائيل باستهداف كبير ضدّ القوى الداعمة لمحور إيران؛ الحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان وسورية، وأخيرًا داخل الأراضي السورية ضدّ إيران وترسانة جيش النظام السابق، مما جعل إسرائيل القوة الأكبر في المنطقة، بعدما استطاعت استئصال خصومها وإضعافهم. لكن سقوط الأسد كان التغيير الأكبر الذي مهّد لطرح سؤال جيوأمني وجيواستراتجي.

ثانيًا. سورية الجديدة وإسرائيل: التأرجح بين الدبلوماسية والتصعيد

عمدت إسرائيل، خلال توجّه الإنظار الدولية والإقليمية في لحظة مهمة، إلى تجاوز خطوط التماس والاشتباك العسكري، وتوغلت جنوب البلاد لتوسيع مساحة الأراضي التي تحتلها في سورية، في حين كانت الأنظار متوجهة نحو حدث سيطرة قوات إدارة العمليات العسكرية على دمشق وإسقاط نظام الأسد، وكان التحرّك الإسرائيلي بمنزلة خطوة استباقية تشير إلى سياسات إسرائيل الجديدة تجاه سورية، مما يشي بتعامل مختلف تمامًا عمّا ساد خلال الحقبة الأسدية في سورية، ولم يقتصر التحرك الأولي على الجانب السياسي، من خلال التصعيد في الخطاب والتصريحات السياسية فحسب، بل توغلت إسرائيل داخل الأراضي السورية، منذ عام 1974، بالتزامن مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الانهيار الكامل للتوافقات السورية-الإسرائيلية، ضمن اتفاقية فض الاشتباك “”Syrian-Israeli Disengagement Agreement، كونها لم تعد مفيدة للسياق السوري الجديد، وفق المصالح الجيوأمنية لإسرائيل[2].

وفي لحظة الفوضى الأمنية، سعى الرئيس أحمد الشرع وفريقه إلى إدارة الخلافات مع إسرائيل، من خلال توجيه تصريحات ترنو نحو التهدئة أكثر من الحرب، مع محاولة الموازنة بين إدانة التوغل داخل الأراضي السورية، وبين مستقبل العلاقة، ولا سيما ضمن التوجه السوري الجديد الذي ينطلق من سياسة اللاحرب والبناء”، وقد كانت تصريحات الرئيس السوري، بخصوص عدم رغبة سورية في الانخراط بأي حرب جديدة والتركيز على البناء الداخلي فقط، من أبرز الإشارات لدول المنطقة، وعلى رأسها إسرائيل، بأن سورية لن تكون مصدر تهديد لأحد أو قاعدة لشن هجمات ضد إسرائيل، لكنه دعا في الوقت نفسه إلى انسحاب إسرائيل من المنقطة العازلة التي استولت عليها، وتبلغ مساحتها نحو 450 كيلومترًا مربعًا[3].

مع ذلك، لم تكن هذه التصريحات كافية لدولة الاحتلال، من أجل إعادة النظر بالسياسات التي اتبعتها عقب سقوط الأسد، بل على العكس ارتفعت موجة الانخراط والتهديد العسكري للأراضي السورية، من خلال استمرار سياسة استهداف المواقع الاستراتيجية للجيش السوري، من أجل تفكيك ما تبقى من الترسانة العسكرية، بجانب التوغل العسكري الذي وصل إلى درجة الحدود الإدارية لمحافظة درعا، ونجم عن هذا التوغل استحداث مواقع عسكرية تزيد على 8، ما عدا القدرة على المراقبة النارية التي باتت على بعد 23 كيلومترًا من العاصمة السورية دمشق. وقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية عدم السماح لقوات الحكومة السورية بالانتشار جنوب سورية، مع المطالبة بأن تكون المنطقة الجنوبية منطقة منزوعة السلاح بشكل كامل[4].

وفي ظلّ ارتفاع مؤشرات تحوّل الفعل الإسرائيلي من تهديدات وتوغل مؤقت، إلى احتلال عسكري يغيّر خارطة التموضع داخل سورية، توجّهت الإدارة السورية لإعادة النظر بالفعل السياسي، ومن ضمن ذلك الخطاب العام، وقد جاء في البيان النهائي للمؤتمر الوطني في دمشق، ضمن البند الثاني، إدانة صريحة للاحتلال، ورفض للتنازل عن أي شبر من الأراضي السورية، بعدما توضح أن المطامع الإسرائيلية تتجاوز التعامل مع حالة الفراغ، وتصل إلى الاستثمار بفرصة سقوط الأسد، من أجل زيادة الأراضي التي تسيطر عليها، ليكون العامل الأمني مسوغًا واقعيًا لتجاوز التوافقات الدولية والأممية.

شكّلت ردات الفعل والمواقف الدولية والإقليمية حافزًا إضافيًا للحكومة السورية الجديدة، من أجل زيادة مستوى فعالية الخطاب والتدرج من الدبلوماسية المرنة نحو “الدبلوماسية القسرية”، وكانت نقطة التحوّل زيارة الرئيس الشرع لتركيا ولقاء نظيره التركي رجب طيب أردوغان، مع ازياد تخوّف إسرائيل من بدء مسار تنسيق من أجل توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين[5].

في السياق ذاته، وجدت الحكومة السورية في التفاعل الإقليمي والدولي، وفي تفعيل القنوات الدبلوماسية في العلاقات الدولية، فرصة مهمة من أجل ردع العدوان الإسرائيلي على سورية. وتستغل إسرائيل تلك التناقضات ضمن المجتمع الدولي تجاه دمشق، من أجل زيادة حجم نفوذها داخل سورية.

مع ذلك، ساعد الوضع الإقليمي والدولي الحكومة السورية في تدعيم موقفها، وذلك في أثناء تمييز الدول بين الموقف من الحكومة السورية الجديدة، والموقف من القصف الإسرائيلي وانتهاك السيادة السورية، حيث اتسم التفاعل الدولي والإقليمي بالفعالية، وتشكل نوع من الموقف الدولي الرافض، حيث تنقسم المواقف بين الإدانة الصريحة لإسرائيل، وإدانة الفعل من دون تحديد المسؤول، كما جاء في التصريحات الأميركية والألمانية والأوروبية. ومن الملاحظ أنه لا يوجد تغيير في المواقف التقليدية من سورية، من قبل بعض الدول التي ما زال موقفها مترددًا أو رافضًا للحكومة السورية الجديدة وكانت على وفاق مع نظام الأسد سابقًا، كالعراق وإيران وروسيا الذين أدانوا الاستهداف الإسرائيلي لسورية.

تؤدي الاعتراضات المستمرّة ضد حكومة نتنياهو داخل إسرائيل إلى الحد من قدرتها على استمرار سياسة التصعيد، كخيار مستمر، مما يؤدي إلى اقتصارها على سياق زمني ومرحلي محدد، في ظل عودة الاحتجاجات داخل إسرائيل، بسبب سياسات نتنياهو الداخلية التي تزيد من استياء المعارضة[6]، لا سيما في ظل التخوف من أن تؤثر تلك السياسات في تعريض ما يسمّى “مسار السلام الإبراهيمي” للخطر، بسبب السياسات القائمة على الحرب بدلًا من السلام، أو فقدان فرصة التهدئة في المنطقة عقب إضعاف إيران، ولا سيما في ظل تزايد الحديث الأميركي عن وجود فرصة لسلام مع سورية ولبنان، كما جاء على لسان المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف[7].

ثالثًا. المطامع والتخوفات الإسرائيلية والسياسيات المتبعة:

ترتّب على إسقاط الشعب السوري لنظام الأسد تغيّر كبير في قواعد الاشتباك الإقليمية، ولطالما اتسم الملف السوري ببعده الدولي فضلًا عن البعد الإقليمي، ولعلّ تعقّد الملفّ السوري جعله من أولويات الدول الفاعلة به، وجعله يحوز اهتمامًا يصل إلى الصراع على المكتسبات[8]. ويشير الواقع الجديد، من حيث التوازن وتموضع القوى، إلى أنّ الملف السوري سيكون ملفًا استقطابيًا لكل من إسرائيل وتركيا، عوضًا عن روسيا وإيران وتركيا، حيث وضع الواقع السوري الجديد إسرائيل وتركيا في خط التقاء بريّ، لأول مرّة منذ الحرب العالمية الأولى.

ساعد تشكّل السلطة السورية الجديدة في إعادة بناء منظومة التحالفات غير التقليدية التي اعتادتها إسرائيل، مما يشكل حالة قلق وتهديد غير عادي بالنسبة لإسرائيل ومصالحها في سورية، لا سيما في ظل نمو الدور التركي واتساعه وتطوره من مجرد فاعل في شمال سورية إلى حليف استراتيجي للحكومة السوريّة. وقد شكل هذا الأمر الدافعَ الأساسي لإسرائيل، من أجل التقدّم جنوب البلاد على حساب القوات التركية شمال سورية، فمجرد نمو الدور التركي يجعل إسرائيل في حالة من التوجس، أي أن تكون سورية مدعومة من دولة حليفة وعضو في الناتو. وعلى الرغم من وجود مؤشرات أمنية وسياسية عديدة يمكن أن تشكّل تهديدًا على إسرائيل، يبقى الخوف هو الدافع الأول للارتباك[9].

عززت توجهات الحكومة السورية الجديدة، من حيث عزمها توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع أنقرة، من القلق الإسرائيلي، وهذا يعني أن هناك حالة يقين لدى تل أبيب بوجود علاقة خاصة غير معتادة بين دمشق وأنقرة، ومما يُغذي التخوفات الإسرائيلية، التوجهاتُ التركية الأخيرة، عقب حرب أكتوبر، تجاه المنطقة وتوتر العلاقات بين الجانبين. أمّا التخوف الأبرز فيدور في فلك تشكيل سورية الجديدة، بما يتناسب مع المصالح السورية مع تقاطعها مع المصالح التركية، وليس وفق مصالح الإقليم أو الرؤية الإسرائيلية تجاه المنطقة[10].

هذا التغير في تحالفات دمشق دفع إسرائيل إلى استخدام كل الأوراق المتاحة، بهدف ضبط الإيقاع واستعادة زمام المبادرة بما يحقق المصلحة الإسرائيلية، وينطلق هذا التغير من تعزيز الفوضى وعدم الاستقرار أو “الفوضى المدروسة“، من خلال خلق تحديات أمنية جنوب البلاد، ومنع عودة الجيش السوري الجديد للسيطرة على الجنوب، ضمن مساعيه لتكون منطقة “خالية السلاح”. وزادت تل أبيب من أدواتها عبر استخدام الكرت الطائفي، في ملفي مدينة جرمانا ومحافظة السويداء، عبر تأليب الرأي العام على دمشق، حيث كان هذا النوع من التدخل على مستوى الخطاب الإسرائيلي غائبًا، خلال فترة حكم نظام الأسد، وقد عبّر نتنياهو عن استعداد إسرائيل للتدخل في حال المساس بالمكون الدرزي في سورية، معولًا على الخلافات البينية داخل الطائفة الدرزية حول طبيعة العلاقة مع دمشق، وقد وصلت التطورات إلى زيارة وفد من دروز سورية للجولان لأول مرة منذ عقود، وهي مؤشرات تعكس حجم الاستقطاب والاستمالة[11].

وهذا يعني أنّ إسرائيل تحاول تفكيك المكونات السورية “الأقليات” واستغلالها، باستخدام سياسة استمالة الطوائف كأداة لتبرير النفوذ، ولعلّ ظهور تيارات وطنية داعمة للتوافق مع الحكومة السورية في السويداء قد عرقل المطامع الإسرائيلية، إذ إن ذلك يعرقل استخدام كرت الأقليات من حيث النجاعة، لكنّه يفتح المجال لاستخدام كرت الأقليات داخل الأقليات السورية، في ظل وجود أطراف عديدة، وعدم وجود تعاقد اجتماعي سوري-سوري، حتى الآن.

ولعلّ ما هو أكثر خطورةً في هذا الجانب شعور المكونات السورية بأنّها بموضع تبرير دائم، بسبب الإحراج الإسرائيلي المستمر. وقد وظّفت إسرائيل كرت الأقليات من أجل تنفيذ عملية عسكرية تحت غطاء “حماية الأقليات السورية”، كسبب وتبرير يضاف إلى العامل الأمني، مما يجعل سورية مفتتة وضعيفة وغير موحدة، ما دامت تحالفات الحكومة السورية لا تصبّ في مصلحة الرؤية الإسرائيلية في المنطقة.

فمن الخيارات التي تحاول إسرائيل اللجوء إليها، عودة الدور الروسي في سورية، كضامن يحقق التوازن داخل الملف السوري، مما لا يصنع تهديدًا على حكومة تل أبيب، وبالتالي، تقل احتمالية وقوع مواجهة مع الجانب التركي والحكومة السورية. وترى إسرائيل أن عودة الانخراط الروسي تقلّص من الدور التركي في سورية، إلا أنّ الاشتباك التركي- الإسرائيلي سيكون تطورًا خطيرًا، يخشاه الجانبان ويحاولان تجنبه، في ظل المحاولات الإسرائيلية المستمرة خلال السنوات الماضية تجنب خصومة أنقرة.

تتركّز الأهداف الإسرائيلية على الآتي:

– جعل الدولة السورية ضعيفة وهشة، وتدمير ما تبقّى من ترسانة الجيش السوري بشكل كامل، وعدم السماح لتحقيق الاستقرار منعًا لتشكيل دولة سورية قوية.

– فرض طوق أمني جنوب البلاد، وإبعاد الجيش السوري عن الحدود قدر الإمكان، الجيش الذي يتمثل بالجماعات التي تدين بالعقيدة الوطنية لسورية، وليس كما كان سابقًا تابعًا لإيران أو روسيا.

– تقديم إسرائيل نفسها على أنّها حامية للأقليات السورية، وذلك عوضًا عن نظام الأسد، وعبر الاستثمار بمحافظة السويداء والخلافات مع الحكومة السورية، وتجزئة البلاد وتقسيمها إلى دوليات عرقية وطائفية، أو فرزها لمجموعات تدين بالولاء للهويات الفرعية بدلًا من الوطنية.

– الحفاظ على مركزية الإقليم، بوصفها القوة الإقليمية الوحيدة التي تستطيع فرض هيمنتها على الإقليم ككل، مما يقلل من فرص تركيا أو السعودية، ويزيد من حصار الدول العربية، ولا سيما الأردن والعراق ولبنان.

– دعم رؤيتها الاستراتيجية بالسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي العربية، في سورية خاصة، حيث تمثل لحظة الفراغ الأمني فرصةً مهمة لها تتقاطع مع أهدافها.

تسهم إسرائيل في دور المخرّب في سورية، ولا تستهدف دمشق فقط، وإنما يأتي ذلك في سياق استمرار الهيمنة على دول المنطقة، ضمن القواعد المرسومة والتوافقات التي تحقق المصالح الإسرائيلية فحسب، ولعلّ زيادة هذا التوجه لا تضر سورية فقط أو تؤثر في تركيا وحدها، وإنما تجعل لبنان والأردن أيضًا في موقف محرج، فسيناريو سيطرة إسرائيل على جنوب سورية يعني تطويق عمّان جيوسياسيًا، وممارسة مزيد من الضغوط على الإقليم، مما يؤدي إلى زيادة التصعيد وارتفاع فرص الاشتباك السياسي والأمني[12].

رابعًا. الخيارات السورية في المواجهة والضبط:

تواجه الحكومة السورية الجديدة تحديات أمنية عديدة، على مستوى استعادة سيادة سورية، والتعامل مع المخاطر الإقليمية، على رأسها الإسرائيلية التي لطالما فضلت الاستبداد والسلطة المركزية الضعيفة المنصاعة، على وجود دولة سورية مستقرة تمثل إرادة الشعب السوري، وتخشى إسرائيل من أيّ عودة لثنائية الحرية-الأمن، ضمن حدود الدولة السورية الجديدة، لما تشكله من خطر سوري استراتيجي على المدى الطويل، مع ذلك لدى الحكومة السورية خيارات عديدة للتعامل مع التهديدات الإسرائيلية:

تفعيل القدرة الدبلوماسية لاستخدام مبدأ الوساطة الدولية:

من المهمّ أن تستعيد الحكومة السورية علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، من خلال إجراء تقدّم في الملفات الخاصة بالمرحلة الانتقالية، والتدرّج نحو الانتقال إلى حالة محلية وطنية سورية، ونزع تصورات التهديد (Threat Perception) وبعث الاطمئنان بأن سورية لن تكون مصدرًا للتهديد، ونزع ذرائع عدم الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة، حيث تترقب الولايات المتحدة السلوكَ السوري، وقد عبّرت الخارجية الأميركية عن ذلك بالقول إنّها تقوم بالنظر بموقفها الأولي من دمشق. وستساعد القدرة على استعادة الثقة مع واشنطن في استخدام مبدأ “الوساطة”، لكبح إسرائيل عن أي استهداف للأراضي والسيادة السورية، مما يمهّد للاستقرار، ولا سيما أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث عن إيقاف الحروب في الشرق الأوسط، وعن التركيز على الاستقرار الإقليمي، حيث إن التصعيد الإسرائيلي على سورية لا يخدم مقاربة ترامب الجديدة تجاه الشرق الأوسط، بل يجعله أكثر فوضى[13].

توقيع اتفاقيات دفاع مشترك مع أنقرة كخيار للدبلوماسية القسرية:

يزيد التعاون والدعم التركي للحكومة السورية من فرصها في تحقيق التوازن الإقليمي داخل الملف السوري، ولا سيما أن تركيا تعدّ دولةً ذات مركزية إقليمية، ولها حضور أمني مهم في العراق وسورية وقره باغ. بالتالي، يعزز تموضع تركيا في الإقليم، وثقلها على المستوى الدولي من حيث إنها فاعل أساسي في حلف شمال الأطلسي، من قدرة الحكومة السورية على ردع المخاطر الإسرائيلية، ولا سيما في حال توقيع الجانبين السوري والتركي اتفاقية دفاع مشترك، لكن شريطة أن تكون ضمن مساحات عدم الاستفزاز، إلّا في حال بلوغ التهديد الإسرائيلي مستوى الاجتياح. ويساعد الدور التركي في ممارسة تركيا دور الوساطة والتنسيق أو الضغط على تل أبيب، مستفيدةً من حضورها وقنواتها الإقليمية والدولية، ولا يقتصر ذلك على الدعم السياسي، وإنما يمكن أن يمتد عسكريًا لدعم الجيش السوري، وتوسيع قدراته العسكرية، وإعادة بناء الجيش ليكون قوة ردع حقيقية، ويزيد فرص نجاح التحالف السوري-التركي وجودُ خطوط إمداد بريّة على الحدود السورية التركية، مما يجعل تكرار سيناريو غزة في جنوب سورية ضعيفًا ومحفوفًا بالمخاطر؛ ما قد يؤدي إلى تراجع الحماسة الإسرائيلية. وتعتمد العلاقات السورية التركية على نظرية “Win-Win” في العلاقات الدولية التي تحقق الفائدة والمصلحة و “الربح” لكلا الطرفين، ولا يقتصر هذا التعاون على بعده التكتيكي فحسب، وإنما يمتد ليكون استراتيجيًا، إذ يمنح سورية مظلة للحماية الإقليمية في مرحلة استعادة عافيتها، مما يصنع لها مع الوقت خيارات عديدة ضمن سياسة “الصبر الاستراتيجي“.

بناء مسار إقليمي مشترك وإدارة المتناقضات:

تستطيع سورية تحويل التهديد الإسرائيلي على سيادتها لفرصة، من خلال توضيح خطورته على الإقليم ككل، مع توفير علاقات ثنائية وإقليمية مع المملكة العربية السعودية تتسم بالبعد الاستراتيجي ويعيد الثقة بين البلدين انطلاقًا من العداء المشترك لإيران ورغبة سورية في استعادة العلاقات مع واشنطن والانخراط في المعادلة الإقليمية الجديدة، حيث تعتبر الرياض من أهم الدول العربية من حيث الثقل الإقليمي على المستوى العربي إذ يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما في حال تدخل الرياض كوسيط بما تمتلكه من ثقل لإيقاف انتهاك السيادة السورية، وذلك بالاستفادة من تطوير مبدأ الوساطة الإقليمية كما حصل بتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود السورية-اللبنانية بعد توترات أمنية.
كما أنّ بناء سورية، أدوات ثقة مع الجانب المصري وتذليل عقبات العلاقات الثنائية يعزز من القدرة السورية في مواجهة المخاطر الإسرائيلية، وذلك عبر إعادة ربط التهديدات الإسرائيلية على سورية بالإقليم ككل بعدما سعت إسرائيل لتجزئة المخاطر مستخدمة ذرائع ثنائية المحاور والتحالفات بين إيران-إسرائيل، بما في ذلك تجاه الدول الحدودية لسورية على رأسها الأردن، التي ستكون أبرز المتأثرين من التوغل الإسرائيلي داخل الحدود السورية ، كما أنّ تراجع إسرائيل عن اتفاقية فض الاشتباك يهدد بانهيار الإطار القانوني الذي كان يضبط الحدود السورية لعقود طويلة، هذا الانسحاب من الالتزامات الدولية يهدد بانزلاق الإقليم في مجمله نحو تصعيد كبير يخلق الفوضى وعدم الاستقرار، السياق الذي لا تؤيده الإدارة الأمريكية الجديدة أو المملكة العربية السعودية وقطر. ويكمن خطورة التوغل الإسرائيلي في سورية بزيادة تطويق الأردن وتراجع أي فرص لعودة الحياة التجارية بين البلدين لطبيعتها مما يهدد الأمن القومي الأردني. يجعل ذلك، خيار الاستقرار مرتبط بمصالح جيران سورية ولا يقتصر على مصلحة دمشق وحدها. يتيح ذلك الفرصة لسورية أن تطرح مسألة الاستقرار والعودة لاتفاقية “فض الاشتباك” كملف إقليمي وليس سيادي سوري فحسب أي أنّها تمتد لأمن الدول المجاورة، مما يساعد على التعاون الإقليمي لمواجهة الخطر الإسرائيلي ويشكل ضغطاً على تل أبيب، كما أنّ توظيف هذه الورقة يساعد على تشكيل جبهة إقليمية داعمة لسورية.

استغلال مبدأ السيادة والهيمنة في المؤسسات الدولية:

إنّ استعادة سورية لسيادتها وشرعيتها، وعودة انخراطها وتفاعلها ضمن المنظومة الدولية، يعني عودة مكانتها السياسية كدولة ذات سيادة كاملة على أراضيها، وتفعيل أدواتها الدبلوماسية التي تمكنها من تشكيل رأي عام دولي مضاد لانتهاك إسرائيل للسيادة السورية. فعودة الانخراط السوري في المنظومة الدولية يخلق فرصة للحكومة السورية للاعتماد على المؤسسات الدولية والأممية، كالجمعية العمومية ومجلس الأمن، لطرح الاعتداءات على السيادة وتدويل الملف. وكلما استطاعت دمشق تحقيق التوازن في علاقاتها مع القوى المناوئة للغرب أو الداعمة له، ارتفعت فرص تطبيق سياسة الحياد الإيجابي واستمالة المواقف الدولية، والالتفاف حول الموقف السوري من الانتهاكات، ولا سيما في حال استعادة العلاقات الدبلوماسية مع روسيا والصين، لكن مع الحذر ألّا تصل إلى مستوى الانزلاق نحو التدخل في الشؤون الداخلية، وتمنح هذه السياسة مظلة دولية أوسع لسورية، ومساحات أوسع لمواجهة تلك المخاطر والحد منها أو الوصول إلى تسويات بتشكيل مسارات إقليمية مبنية على التفاهمات، بحضور القوى الأساسية، كسورية وتركيا والأردن وروسيا وإسرائيل. (فلوريش).

network visualizationnetwork visualization

توظيف التكنولوجيا في حماية الأمن القومي:

يأتي توظيف التكنولوجيا كعامل ردعي، حيث استطاعت المعارضة السورية خلال فترة الثورة توظيف التكنولوجيا فيما يخدم عملياتها الأمنية والعسكرية مما جعلها متفوقة في التكنولوجيا العسكرية على نظام الأسد، وقد برزت طائرات “الشاهين” خلال تشكيل غرفة العمليات العسكرية 2024، رغم الظروف الصعبة التي كانت تُحيط بالمعارضة حيث استطاعت القوى الثورية الحصول على معلومات حيوية عن تحركات الجيش النظامي، ومع تحوّل تلك القوى لحالة الدولة تزداد فرص القدرة على تطوير أنظمة أمنية وعسكرية متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي أو الطائرات المسيرة مما يعزز القدرة على السيطرة على الحدود وأنظمة دفاع فعّالة، وإنشاء منظومة مراقبة وتطوير تقنيات إنذار مبكّر.

نزع الاستثمار بالهويات الفرعية والكرت الطائفي والتعامل مع التحديات الداخلية:

تعوّل إسرائيل على الاستثمار في تفكك النسيج الاجتماعي السوري، وسط احتياج الحكومة السورية إلى الوقت والدعم من أجل التعامل مع تركة نظام الأسد الثقافية والاجتماعية. وإنّ قدرة الحكومة السورية على تجاوز التحديات الفصائلية مرتبطة بالقدرة على “صهر” قوات أحمد العودة والفصائل المنتشرة في درعا ضمن ترتيبات الجيش السوري، وعدم الاكتفاء بالدمج، وتجاوز تحدي عدم وجود جسر عسكري بين دمشق والجنوب، ولعل الإسراع في هذا الانتقال يقلل من مستوى التحديات الأمنية، ويسهم في الوصول إلى تسوية مع مشايخ العقل في السويداء بخصوص المحافظة، وإن زيادة مستوى التنسيق والحوار والدبلوماسية الوطنية، بالتعاون مع القوى الداعمة للحكومة، تقلل من إمكانية استثمار الكرت الطائفي، وتقلل التدرج نحو تطبيق خارطة طريق إعادة الإعمار المجتمعي عبر ملفات العدالة الانتقالية، والتعاقد الوطني، وتقلل قدرة إسرائيل على توظيف العوامل الاجتماعية السورية لخدمة أجندتها الذاتية.

إدارة النهج والخطاب الوطني السوري:

تسعى إسرائيل لاستخدام ملفات عديدة في إطار الخطاب والنهج السوري، حيث تعاني المنطقة الجنوبية ضعفًا كبيرًا في الخدمات العامة والاقتصادية، كحال معظم المحافظات السورية، مما يسهّل على إسرائيل القدرة على استغلال هذه الثغرة، عبر تقديم وعود اقتصادية وخدمية لسكان المناطق التي تحتلها، من أجل محاولة استمالتهم، حيث تشمل هذه الوعود تحسين الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية، بالتحديد في منطقة “القنيطرة”، وتوظّف إسرائيل العامل الأمني في تعزيز حضورها على مستوى الحاضنة، لا سيما في ظل عدم الحسم في السياسات السورية تجاه التعامل مع الاستهداف الإسرائيلي، بين التصعيد أو الدبلوماسية والإحباط السياسي لدى البنى الاجتماعية في ما يتعلق بالقوة غير المتناظرة، مما يتطلب وضع سياسات حوكمية سريعة، تشمل الأبعاد الاقتصادية والخدمية والأمنية، لأن من شأنها إعطاء مجال أوسع للتركيز على تلك التحديات وعدم ترك ذرائع في الديناميات الداخلية لإسرائيل.

خاتمة:

يشي سلوك إسرائيل بمدى شعورها بالخطر الاستراتيجي من الدولة السورية الجديدة، مع أنّها تدرك المدى الزمني الذي تحتاج إليه سورية حتى تستعيد مكانتها كدولة، وقد يكون هذا الشعور محركًا لما يمكن تسميته “العبث” الإسرائيلي في الأمن القومي السوري الفتيّ، لكنه يبدو غير كاف بالنسبة إلى إسرائيل للتسليم بمعادلة “القوى اللا متنظرة”، أو غير المتكافئة Asymmetric warfare))، في الإقليم وسورية بشكل خاص.

ويمثّل التعدّي الإسرائيلي على السيادة السورية الانتقالَ من القيام بالانتهاك العسكري، ضمن سياسة التصرف المسبق لتهديدات محتملة (Preventive)، إلى محاولة إفشال المسار السياسي والوطني السوري، ضمن المرحلة الانتقالية السورية، أي الاعتماد على نهج “إدارة المخاطر الاستراتيجية”، وفق اعتقادها الذي يفيد بأن سورية “مخطر” قد تشكّل تهديدًا بعد عقود، في حال استطاعت تجاوز مرحلة بناء الدولة.

تحاول إسرائيل إسقاط المشروع السوري الوليد قبل ولادته، أو تحاول على الأقل خلق تحديات تكتيكية له، بغية إبطاء حركته الزمنية. ومن الجليّ أنّ إسرائيل تستخدم كل الكروت المتاحة في المعادلة السورية، حتى الكرت السوري الداخلي “الطائفي”، من أجل تفتيت المجتمع السوري وتعزيز الانقسام، وإبقاء سورية ضعيفة مشتتة غارقة في صراع الهويات الفرعية، بعيدة عن بناء الهوية الوطنية، وهذا ما يجب أن تلفتت إليه الحكومة السورية، عبر نزع كروت الاستثمار، ومعالجة المسائل الداخلية، واستمرار النضال الوطني الإقليمي، كما فعلت قوى الثورة خلال مرحلة الثورة السورية، مع أهمية مراعاة قراءة المرحلة، بأنها مزيج من البناء الذاتي والوطني والدفاع عن الأمن القومي، والاستفادة من السياسيات التي من شأنها تحسين شروط التموضع السوري في الدبلوماسية القسرية.


[1] انظر كتاب سقوط الجولان، لخليل مصطفى، من الصفحة 30 إلى 90.

[2] Netanyahu says Israel will stay in southern Syria ‘for foreseeable future’,Middle east monitor, February 25, 2025, link: https://cutt.ly/OroM4wx1.

[3]مركز حرمون للدراسات المعاصرة، التصعيد الإسرائيلي في سورية مطلع عام 2025: الغارات، الأهداف، والتداعيات، 18 شباط/ فبراير 2025، الرابط: https://cutt.ly/prpsPaDW

[4] مركز حرمون للدراسات المعاصرة، جنوب سورية: التحركات الإسرائيلية والتوازنات الإقليمية، 4 آذار/ مارس 2025، الرابط: https://cutt.ly/3roM0NRq.

[5] SUZAN FRASER AND IBRAHIM HAZBOUN, Turkey and Israel face mounting tensions over future of post-Assad Syria, March 15, 2025, link: https://cutt.ly/5ro1sP20.

[6] In Israel, opposition calls for general strike over security chief dismissal, Le Monde with AFP, 22 Mart 2025, link: https://cutt.ly/droM7pdZ.

[7] Lebanon, Syria could ‘normalise ties with Israel’, US Middle East envoy Witkoff claims, The new Arab, 27 February 2025, link: https://cutt.ly/CroM5nxk.

[8] فاضل خانجي، استحضار صدمة 07 أكتوبر عند التفكير بمستقبل سورية، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 16 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://cutt.ly/Uro1iqgG.

[9] Lucy Kurtzer-Ellenbogen, What Assad’s Fall Means for Israel and Its Regional Relations, Thursday, December 19, 2024, link: https://cutt.ly/dro1s84c.

[10] Carmit Valensi, A New Era in Syria: Winners, Losers, and Implications for Israel, January 12, 2025, link:https://cutt.ly/Kro1de7x.

[11] Ksenia Svetlova, Following Assad’s Fall, Do Syria’s Druze Want Israel to Come to Their Aid?, Haaretz, Mar 3, 2025, link: https://cutt.ly/2ro1woSv.

[12]  المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، سياسة إسرائيل تجاه سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، 9 آذار/ مارس 2025، الرابط: https://cutt.ly/bro1elOZ.

[13] Jo-Ann Mort, Can Trump make a deal for Middle East peace?, The Guardian, 23 Jun 2025, link: https://cutt.ly/Wro1tHBH

[14] Barak Ravid, Scoop: Israel and Jordan held secret talks on Syria, Dec 14, 2024, link: https://cutt.ly/Lro1djEU.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى