مركز حرمون يستضيف ورشة بحثية دولية حول سيرة يوسف العظمة

استضاف مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في يومَي 19 و20 نيسان/ أبريل 2025، ورشة عمل بحثية دولية، لمناقشة مشروع البحث التوثيقي والتاريخي عن القائد يوسف العظمة، وعن الكتاب الذي سيصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة. وتهدف الورشة إلى مناقشة عناصر سيرة ذاتية شاملة عن الشخصية السورية التاريخية التي قادت مقاومة ميسلون، ضدّ الاحتلال الفرنسي عام 1920، وذلك من خلال استعراض مصادرها الأرشيفية، وشهادات متعددة اللغات.
ركّزت الورشة على تحليل مواد أرشيفية، من مصادر عثمانية وفرنسية وبريطانية وألمانية (بالرغم من تدمير جلّ هذه الأخيرة في غارة جوّيّة عام 1945)، بالإضافة إلى مذكرات شخصية وصحف عربية وأجنبية، بهدف النفاذ إلى الوقائع الثاوية خلف الطبقات الرمزية الوطنية السورية والعربية التي غطّت شخصية يوسف العظمة عبر العقود، وتقديم رؤية تاريخية دقيقة لحياته ودوره السياسي والعسكري.
وفق الورقة الخلفيّة للاجتماع، فإن الهدف النهائي هو التوصّل إلى سرد سيرة يوسف العظمة وتحليلها، مع التركيز على مساره المهني وعلاقاته وتحولاته الفكرية ومكانته، في سياق انهيار الإمبراطورية العثمانية ونشوء الدولة السورية الحديثة.


شارك في الورشة 14 باحثًا، من جامعات ومؤسسات أكاديمية في تركيا، قطر، النمسا، الولايات المتحدة، فرنسا، المملكة المتحدة:
– عزيز العظمة (جامعة أوروبا الوسطى، فيينا) ونادية البغدادي (جامعة سنترال إيروبيان، فيينا): تولّيا رئاسة الجلسات تسيير النقاشات.
– نوف خشمان (مديرة المكتبة، معهد الدوحة والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)، وإسلام زهران (أمين مكتبة في معهد الدوحة، ومسؤول المعالجة الفنّيّة لمجموعة الوثائق): عرضا الأرشيف الرقمي الجديد محتوىً وترتيبًا.
– غولسوم بولات، وأوزغور شاهان (جامعة أنقرة حاجي بيرم علي): تناولا مسار يوسف العظمة ونشاطاته وصورته، وفقًا للأرشيفات العثمانية والتقارير الصحفية والمذكرات.
– جمال باروت (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة): تناول السنوات الأولى للعظمة وسياساته وعلاقاته مع تركيا الناشئة، وموقعه من السياسة والتاريخ السوريين في العامَين 1919-1920.
– آدم مشتيان (جامعة ديوك): حلّل نشاطات العظمة وفقًا للأرشيفات الفرنسية للعامين 1919-1920.
– مايكل بروفانس (جامعة كاليفورنيا سان دييغو): قدَّم تحليلًا عسكريًا وسياسيًا لمعركة ميسلون.
– تمارا شير وأليساندرو ليفيو (جامعة فيينا): درسا علاقة العظمة بالجيوش النمساوية والبروسية والبافارية.
– عمرو الملاح (بوردو): قدّم عرضًا مشفوعًا ببليوغرافيا شاملة لصورة العظمة في العالم العربي، وعند عرب المهجر في الأمريكيتين.
وشارك من مركز حرمون للدراسات المعاصرة كلٌّ من:
– سمير سعيفان (مدير مركز حرمون)
– سامر بكور (رئيس قسم الأبحاث في مركز حرمون)
– سمير العبد الله (باحث ورئيس قسم تحليل السياسات في مركز حرمون)
– نبيل مرزوق (باحث في مركز حرمون للدراسات)
– زيد أتاسي (مدير الموارد البشرية)
– أحمد زكريا (قسم الإعلام الرقمي)
– نوار شعبان (باحث مساعد)
– يمان زباد (باحث مساعد)
– محمد السكّري (باحث مساعد)
– إبراهيم خولاني (باحث مساعد)
– أسماء صائب أفندي (مديرة منتدى حرمون الثقافي)


وأكّد المشاركون أن المشروع يعتمد على توثيق رقمي شامل، حيث رُفعت جميع المواد المكتشفة في أرشيفات إسطنبول وباريس ولندن، والمواد الموجودة في عهدة أفراد (أغلبها صور فوتوغرافيّة لدى جلال أتشار، حفيد يوسف العظمة، وعزيز العظمة)، والمواد الصحفية والشهادات الكتبيّة، على منصة معهد الدوحة للعلوم الإنسانية.
ولفت نوف خشمان وإسلام زهران نظرَ الحضور إلى أنّ المواد الرقمية ستكون متاحة للباحثين والجمهور مع نشر الكتاب في المستقبل القريب، ضمن مشروع يجمع بين البحث الأكاديمي والتوعية العامة.
وخلال النقاشات، أشار الباحثون إلى صعوبات استعادة بعض التفاصيل الدقيقة عن يوسف، مثل غموض دوافع استقالته من الجيش العثماني، وعلاقته بالحركة التركية التحررية، وزواجه من ابنة وزير عثماني في تشكيل مساره السياسي.
وشددت الباحثة غولسوم بولات على أن “البحث كشف عن شخصية معقدة، لم تكن بطلًا تقليديًا، بل شخصًا تأثر بتفاعلات سياسية وعسكرية عالمية، بدءًا من الحرب العالمية الأولى وصولًا إلى سقوط الخلافة”.
وستنتهي عملية مراجعة الأبحاث التي قدّمت إلى الورشة خلال الصيف المقبل، استعدادًا لنشرها في كتاب. وأعلنت إدارة المشروع تنظيم مناسبة عامة تترافق مع النشر وإتاحة الولوج إلى المجموعة، يتضمن عرضًا متعدد الوسائط (صور، صوت، وثائق تفاعلية)، ومعرضًا رقميًا يتيح للجمهور التفاعل مع المواد الأرشيفية.
من جانبه، أكد سمير سعيفان، مدير مركز حرمون، أن مشاركة المركز تأتي ضمن اهتمامه “بربط التاريخ السوري الحديث بقضايا اليوم”، مشيرًا إلى أن كتاب يوسف العظمة سيكون “نافذة لفهم التحوّلات السياسية في مرحلة الانتداب”. وأضاف سامر بكور، رئيس قسم تحليل السياسات في المركز، أن دراسة شخصيات مثل العظمة تساعد في “فهم تشكّل الهوية الوطنية السورية في ظل الانقسامات الحالية”.


ولد يوسف العظمة في دمشق عام 1884، وتخرج من الأكاديمية العسكرية العثمانية في إسطنبول وكليّة أركان الحرب قبل استكمال تدريبه في ألمانيا، وشارك في الحرب العالمية الأولى في الدردنيل ورومانيا وغاليسيا، وشارك في مفاوضات القوقاز بعد نهاية الحرب، قبل أن يصبح وزيرًا للحربيّة في المملكة العربية بدمشق عام 1920، وارتقى في معركة ميسلون، في 23 تموز/ يوليو، ليتحول إلى رمز وطني. ويسعى هذا المشروع البحثي لاستعادة “الإنسان خلف الرمز”، عبر ربط مصيره بتحولات جيوسياسية أوسع، مثل تفكك الإمبراطوريات ونشوء الدول القومية في الشرق الأوسط.
ويُعدّ المشروع جزءًا من مبادرات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، لتعزيز البحث التاريخي النقدي، حيث أوضح جمال باروت (باحث في المركز) أن “الهدف ليس إعادة كتابة التاريخ فقط، بل تقديم أدوات لفهم كيفية تشكل الرموز الوطنية، وكيف تتفاعل مع الحاضر والماضي”.
وبهذا العمل البحثي، تفتح الورشة بابًا لقراءة جديدة لشخصية رمزية، تجمع بين الأبعاد الوطنية والتحولات الجيوسياسية، في محاولة لرسم خريطة بحثية تخدم الأكاديميين والجمهور على حدٍّ سواء.
ملخص عن جميع جلسات ورشة عمل يوسف العظمة
اليوم الأول – الجلسة الأولى: الافتتاح عرض الأرشيف الرقمي ليوسف العظمة
افتتح الدكتور عزيز العظمة، مدير المشروع البحثي حول يوسف العظمة، الجلسة بشكر مركز حرمون لاستضافته الورشة، مشيدًا بجهود مركز حرمون للدراسات في توفير بيئة مثالية للمناقشات، وأعرب عن امتنانه للمركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في الدوحة، لدعمه المادي واللوجستي الذي تجاوز الإمكانيات المادية ليشمل التزامًا بالمصلحة العامة.


ورحّب الدكتور عزيز العظمة بحضور جلال بك أتشار، الحفيد الوحيد ليوسف العظمة، والسيدة زوجته، مؤكدًا أهمية حضورهما كرمز للارتباط العائلي والتاريخي بالمشروع.


وألقى سعيفان كلمةً رحّب فيها بالمشاركين، مشيرًا إلى التزام مركز حرمون بالبحث في القضايا السورية، من خلال إنتاج أبحاث شهرية وإصدار مجلة “قلمون”. وأكد أن المشروع يمثل مساهمة كبيرة في تسليط الضوء على يوسف العظمة كبطل وطني، ولا سيّما أن المعلومات المتوفرة عنه محدودة، وأوضح أن المركز، التابع للمركز العربي، يُخطط لفتح فرع في دمشق لتعزيز العمل مع المجتمع والحكومة السورية، مع التأكيد على موقفه الداعم للشعب السوري من دون الانتماء للمعارضة المنظمة.
حدّد عزيز العظمة أهداف الورشة في ثلاثة محاور:
توثيق ما هو معروف عن يوسف العظمة، من خلال جمع المواد الأرشيفية وتبويبها.
تحديد ما يمكن معرفته و ما قد لا تمكن معرفته من خلال البحث في الفجوات المعرفية.
التعرّف على ما سيظلّ تخمينيًا بسبب نقص الوثائق.
وأشار إلى أن سيرة يوسف العظمة تعاني نقصًا في المعلومات الموثقة وكثرة القيل والقال، داعيًا إلى إطار تفسيري للعامين 1919-1920، يضعه في سياق تاريخي دقيق (محلي وموضعي)، كجزء من وجهة تاريخيّة أعرض ومن مشروع وطني أوسع، ربما كمحاكاة لتجربة مصطفى كمال في الأناضول.
وأكد أن دوافعه الشخصية للمشروع تنبع من ارتباط عائلي وشاغل وطني سوري واهتمام مهني تاريخي، وأبدى أسفه لعدم توثيق ذكريات جدّه نبيه العظمة (ابن عزيز وصديق طفولة يوسف)، فضلًا عن كونه ضابطًا عثمانيًا ومساهمًا في مقاومة الفرنسيين في سورية عام 1920، وجدّته ذات الذاكرة الأسريّة والدمشقيّة الحديديّة.
قدّمت الدكتورة نوف خشمان، مديرة مكتبات معهد الدوحة، وإسلام زهران، عضو الفريق، عرضًا شاملًا عن الأرشيف الرقمي ليوسف العظمة، المستضاف على نظام DSpace مفتوح المصدر.
وأوضحا أن الأرشيف يضم 7400 ملف (كتب، صور، فيديوهات، خرائط، وثائق) بحجم 25 جيغابايت، موزعة على 294 ملفًّا، ويستخدم معايير Dublin Core للبيانات الوصفية (العنوان، المؤلف، التاريخ، النوع، الملخص، الكلمات المفتاحية)، لتسهيل عملية البحث والاسترجاع.
هيكلية الأرشيف: تشمل ستة أقسام رئيسية: سجلات النشاط، المعلومات المهنية، الخلفية، الصور، الأحداث، الأرقام المرجعيّة في أرشيف الأصل، مع تصنيفات فرعية توضح محتوى كل ملف.
مصادر المواد: جمعت من أرشيفات عثمانية، فرنسية، و بريطانيّة وألمانية ونمساويّة. وأشار الباحثان إلى صعوبة الحصول على بعض الوثائق الألمانية، بسبب تدمير الأرشيف العسكري البروسي في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية.
التحديات: شملت جودة صور بعض الوثائق (ملتقطة بهواتف)، تكرار بعض الملفات، وصعوبات التعرف الضوئي على النصوص (OCR) بسبب الجودة المنخفضة، ولكنّهما أشارا إلى حلول تقنيّة مبتكرة قيد التجريب. واقترحا إعادة تنظيم مواز للبيانات باستخدام جدول Excel، لتوضيح التسلسل الهرمي للملفّات، مع إمكانية إعادة ترتيبها.
المعرض الرقمي: يُستخدم نظام Omeka لعرض المواد بطريقة تشبه المعارض المتحفية، مع خطط لإضافة أوصاف مختصرة (المناسبة، المكان، المصور) لكل عنصر. وأوضح الباحثان أن المعرض لا يزال قيد التطوير، مع التركيز على تحسين العرض البصري.


تحسين واجهة البحث: اقترح آدم مشتيان إضافة خيار بحث حسب مصدر الأرشيف (مثل الأرشيفات الفرنسية أو الألمانية) في واجهة النظام، ووافقت خشمان على إدراجه كتحسين للبحث والتصفح.
إضافة مواد جديدة: أثار مايكل بروفانس مسألة إضافة وثائق من أرشيفات أخرى (مثل وثائق فرنسية عن الذكرى العاشرة لاستشهاد يوسف)، مؤكدًا أهمية توثيق مصدر الوثيقة (الأرشيف، الصندوق، الرقم). أوضحت خشمان أن النظام يسمح بإضافة مواد جديدة مع الاحتفاظ بوصف المصدر، وأن ثلاث نسخ احتياطية للملفات تضمن الاستدامة.
حقوق الطبع والنشر: أشارت خشمان إلى حلّ معظم قضايا حقوق الإتاحة والطبع، خاصة مع الأرشيفات النمساوية، مع إمكانية تقييد الوصول لبعض المواد حتى الحصول على التصريح.
الوصول إلى الأرشيفات العثمانية: تساءل أحد المشاركين عن صعوبات الوصول إلى وثائق حساسة في الأرشيفات العثمانية، فأجابت غولسوم بولات أن الأرشيفات العثمانية والعسكرية التركية تتيح الوصول عمومًا، مع بعض الحساسيات التي تتطلب توثيقًا دقيقًا لطلبات الولوج (مثل أرقام الكتالوغ).
أهمية الصور: أكد عزيز العظمة وإسلام زهران أن الصور الفوتوغرافية (مثل صور يوسف في مصحة سويسرية) تقدم أدلة مهمة، حيث تحمل التواريخ والأماكن وتعليقات شخصية مكتوبة على ظهرها. وأشارا إلى أن الزي العسكري والأوسمة يساعدان في تحديد السياق التاريخي، وأوصيا بتوثيقها بدقة مع بيانات وصفية.


أرست الجلسة أساسًا قويًا لاستكمال المشروع، من خلال عرض الأرشيف الرقمي ومناقشة تحدياته وإمكاناته. وأشاد المشاركون بالعمل الاحترافي والحماس للدكتورة لخشمان والأستاذ زهران، مؤكدين أن الأرشيف ليس مجرد أداة أكاديمية، بل مساهمة مجتمعية في حفظ التراث السوري. وأوصوا بمواصلة المناقشات حول قضايا مثل اللغة (عربية أم إنكليزية) للنشر، لتوصيف المجموعة ومكوناتها.
اليوم الأول – الجلسة الثانية: التكوين المبكّر ليوسف العظمة
قدّمت غولسوم بولات، المتخصصة في التاريخ العسكري العثماني، عرضًا حول التكوين المبكر ليوسف العظمة، كضابط في الدولة العثمانية، مع التركيز على تعليمه وخبراته العسكرية. استندت إلى سجلات الأرشيف العثماني.
التعليم والتدريب: أوضحت بولات أن يوسف (1884-1920) التحق بالكليّة الحربية في إسطنبول، ثم أكمل تدريبه في أكاديمية الحرب الألمانية، حيث تلقى تدريبًا متقدمًا في الاستراتيجيات العسكرية.
الخدمة العسكرية: شارك يوسف في الحرب العالمية الأولى على جبهات الدردنيل، غاليسيا، ومقدونيا، حيث أظهر مهارات قيادية استثنائية. أكّدت أن خبراته العسكرية شكّلت رؤيته للدولة الحديثة، متأثرًا بزملائه مثل مصطفى كمال.
السياق العثماني: وضعت بولات ووضع بروفانس يوسف ضمن نخبة عثمانية متنوعة (أتراك، عرب، أكراد)، من خريجي الكلية الحربية، مشيرة إلى أن هذه النخبة كانت تتقاسم رؤية إصلاحية للإمبراطورية قبل انهيارها.
تناقضات السيرة: ناقش المشاركون تناقضات في سيرة يوسف، مثل تاريخ ميلاده وفترات وجوده في ألمانيا. اقترحوا الاعتماد على سجلات عثمانية موثوقة (مثل كرونولوجيا غولسوم وأوسكار) لتسوية هذه التناقضات.
دور الأسرة: أشار عزيز العظمة إلى دور شقيق يوسف الأكبر عزيز، رئيس الكتّاب في وزارة الحربيّة في إسطنبول، الذي قام بتربيته في بيته، وإلى عادل ابن عزيز، طالب الحقوق في إسطنبول، في تشكيل شبكة علاقات يوسف. دعا إلى دراسة هذه الشبكة لفهم تأثيرها على قراراته.
العلاقات الاجتماعية: تساءل المشاركون عن أصدقاء يوسف وعلاقته بعمّه والد زوجته منيرة، جلال الدين باشا، مؤكدين الحاجة إلى مصادر إضافية (مثل رسائل شخصية) لفهم بيئته الاجتماعية.
الأرشيف الألماني: أوضحت تمارا شير أن تدمير الأرشيف العسكري البروسي يحدّ من المعلومات عن فترة يوسف في ألمانيا، لكنها وطالبها أليساندرو ليفيو استخدما شذرات الوثائق لتوصيف أنشطته في الجبهة الأوروبيّة الشرقية و سياقاتها.


ركزت الجلسة على التكوين العسكري والفكري ليوسف العظمة، مؤكدة دوره كجزء من نخبة عثمانية إصلاحية. وأوصى المشاركون بمواصلة البحث في الأرشيفات العثمانية والألمانية لتوضيح الفجوات، ولا سيما ما يتعلق بتعليمه وعلاقاته.
اليوم الأول – الجلسة الثالثة: يوسف العظمة والعلاقات العربية-التركية (1918-1920)
قدّم جمال باروت عرضًا حول دور يوسف العظمة في السياق السياسي للفترة الانتقالية (1918-1920)، واستند إلى كتابه الأخير عن العلاقات العربية-التركية بين 1918 و1923.
السياق التاريخي: أوضح باروت أن يوسف عمل في إطار مملكة فيصل الهاشمية وزيرًا للحربية، وسط توترات بين الرؤية العربية للاستقلال والمصالح التركية، بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. وأشار إلى أن يوسف حاول بناء جيش وطني سوري مستوحى من النموذج العثماني.
العلاقات مع الأتراك: أكد أن يوسف حافظ على علاقات ودية مع القادة الأتراك، خاصة مصطفى كمال، رغم الخلافات حول مستقبل المنطقة. وأشار إلى مداولات بين يوسف وكمال (1919) تكشف عن رؤية مشتركة لمقاومة الاستعمار.
التمرد العربي: وصف باروت الحركة الهاشميّة-البريطانيّة المعروفة بالثورة العربيّة الكبرى (1918) بأنه خسارة استراتيجية كبرى للعرب، حيث أدت إلى تقسيم المنطقة تحت الانتدابات. وأكد أن يوسف كان يدرك هذا الخطر، وحاول إنشاء دولة سورية موحدة.
إعادة تقييم الرواية العربية: دعا المشاركون إلى إعادة تقييم الرواية العربية التي صورت العثمانيين كأعداء، مؤكدين أن هذا التوجه شوّه فهم الفترة. واقترحوا دراسة العلاقات العربية-التركية في سياقها التاريخي دون تحيزات ما بعد الاستقلال.
دور يوسف السياسي: أشار عمرو الملّاح إلى أن يوسف لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان له رؤية سياسية لبناء دولة حديثة، مستندين إلى وثائق من الأرشيف الفرنسي (جمعتها آدم مشتيان) تظهر تفاعله مع القادة العرب.
مصادر الأرشيف: أكدت غولسوم بولات أن الأرشيف العثماني يوفّر وثائق غنية عن هذه الفترة، لكنها تحتاج إلى ترجمة وتحليل دقيق. واقترحت التعاون مع باحثين أتراك لتسهيل الوصول.
الفجوات المعرفية: ناقش المشاركون نقص المعلومات عن آراء يوسف السياسية، داعين إلى البحث في مراسلاته الشخصية وتقارير الاستخبارات الفرنسية.


سلطت الجلسة الضوء على دور يوسف العظمة في سياق العلاقات العربية-التركية، مؤكدة رؤيته الإصلاحية ومحاولاته لبناء دولة سورية. وأوصى المشاركون بتعميق البحث في الوثائق العثمانية والفرنسية لتوضيح دوره السياسي.
اليوم الثاني – الجلسة الأولى: معركة ميسلون ودور يوسف العظمة
قدم مايكل بروفانس، مؤرخ متخصص في الفترة العثمانية المتأخرة، عرضًا وصفه عزيز العظمة بـ “الأوبرالي” لشدة تأثيره العاطفي، حول معركة ميسلون (24 تموز/ يوليو 1920)، ودور يوسف العظمة كوزير للحربية في مملكة فيصل الهاشمية. واستند إلى مذكرات (ساطع الحصري، تحسين الفقير، أحمد قدري)، ووثائق من الأرشيف الفرنسي.
السياق السياسي والعسكري: أوضح بروفانس أن يوسف وياسين الهاشمي، رغم تنافسهما، اشتركا في هدف الحفاظ على وحدة المنطقة ضد التقسيم الاستعماري. نظم يوسف عرضًا عسكريًا في دمشق (أيار/ مايو 1920) لتعبئة الروح الوطنية، واعتبر ياسين المقاومة غير مجدية، بسبب نقص الموارد (200 رصاصة لكل بندقية، أقل من 1000 جندي مدرب).
معركة ميسلون: وصفها بروفانس كمقاومة بطولية، رغم إصابة يوسف بالسلّ، إذ قاد يوسف الدفاع بنفسه، واستشهد بعد إصابته بنيران دبابة فرنسية أثناء توجيه مدفع. وأكد أن المعركة كانت أكثر تأثيرًا مما توقعه الفرنسيون، لكنها أنهت مملكة فيصل.
الإنذار الفرنسي: أشار إلى إنذار الجنرال غورو (14 تموز/ يوليو 1920) الذي طالب فيصل بقبول الانتداب الفرنسي، مما أثار تظاهرات قمعتها قوات ياسين والأمير زيد.
فيلم وثائقي: عرض بروفينس فيلمًا فرنسيًا نادرًا (اكتشفه فيليب بيترييه) يوثّق دخول فيصل إلى دمشق وبيروت (1919)، وظهر فيه ياسين الهاشمي ونوري السعيد.


تشكيل يوسف العسكري: أبرز المشاركون أن يوسف كان جزءًا من نخبة عثمانية من خريجي كلية الأركان، وشارك مع مصطفى كمال في رؤية لمنطقة موحدة. وأشاروا إلى أن الأبحاث الحديثة كشفت تفاصيل جديدة عن تكوينه.
نشر الفيلم الوثائقي: أوصى المشاركون بنشره عبر منصة أرشيفية، بعد الحصول على إذن من الأرشيفات الفرنسية، مع إضافة تعليقات توضيحية.
موثوقية المذكرات: ناقش المشاركون موثوقية المذكرات المستخدمة بسبب التأخر في نشرها ووجود مبالغات، داعين إلى الاعتماد على وثائق رسمية.
إرث يوسف: انتقدوا عدم دقة تمثاله الأحدث في دمشق و ركاكته، ودعوا إلى إعادة تقييم دوره كرمز وطني، خاصة بعد طمس إرثه في روايات البعث.


اليوم الثاني – الجلسة الثانية والختام: إعادة تقييم إرث يوسف العظمة
افتتح عزيز العظمة الجلسة بتقييم إيجابي للمناقشات المكثفة، مؤكدًا تحقيق الهدف الرئيسي في تحديد المعارف الموجودة، الممكنة، والتخمينية عن يوسف العظمة. ركّز على تحول تاريخي في تفسير الأحداث، مشيرًا إلى الحاجة لإعادة تقييم الروايات العربية ما بعد الاستقلال التي اتسمت بمعاداة العثمانيين.
نقد الرواية العربية: وصف التمرد العربي (1918) بأنه “تمرد”، وليس ثورة، معتبرًا أنه كان خسارة للعرب أكثر من الأتراك. دعا إلى بحث علمي يعيد تأصيل هذه الفترة، مقارنًا بين مشروع بناء الدولة في تركيا الحديثة، ومحاولات يوسف وياسين الهاشمي في سورية.
رمزية يوسف: أكد الاجتماع أن يوسف يمثّل رمزًا وطنيًا موحّدًا يتجاوز الانتماءات الطائفية، وقدّم نموذجًا لعلاقة مثالية بين العسكرية والسياسة. اقترح إحياء ذكراه عبر المناهج التعليمية، واعتبار يوم 24 تموز/ يوليو عطلة وطنية، لتعزيز الهوية السورية والمصالحة الوطنية.
تصحيح السيرة: أشار المشاركون إلى تشويه سيرة يوسف خلال الثورة السورية، من قبل مؤيدي النظام، ولا سيما في سياق العلاقات السورية-التركية. ودعوا إلى سيرة رسمية مصححة تنفي شائعات، مثل زواجه من ابنة جمال باشا (كان متزوجًا من ابنة جلال الدين باشا)، واعتماد سجلات الدولة العثمانية كمصدر موثوق.
النشر والتوثيق: اقترحوا نشر الكتاب باللغتين العربية والإنجليزية، مع نسخة تركية بمساعدة غولسوم بولات، وجعله متاحًا عبر منصات مفتوحة، وأوصَوا بتوحيد المصطلحات (مثل “استشهد” أو “سقط في المعركة”)، إعداد فهارس وكلمات مفتاحية، وتوضيح التناقضات في المقدمة بدلًا من كل ورقة.
السياق التاريخي: رفضوا وصف يوسف كـ “بطل عَرَضي”، مؤكدين أن الأدلة تظهر دوره المتعمد في مشروع وطني، ودعوا إلى تضمين سياقه السياسي والاجتماعي (الحروب، الانتداب، التحولات السياسية)، في الأبحاث لفهم دوره بشكل أعمق.
الأبعاد الوجدانيّة: وصف المشاركون المشروع بأنه ليس أكاديميًا فقط، بل وسيلة لاستعادة الذاكرة الوطنية التي طمستها سنوات الأسد والناصرية. وأكّدوا أن إرث يوسف العظمة يمكن أن يُلهم الأجيال الجديدة، ولا سيما في ظل تحديات بناء الدولة بعد كانون الأول/ ديسمبر 2024.
الجوانب الفنية: اتفقوا على تسليم الأوراق البحثية بحلول منتصف حزيران/ يونيو، مع إيعازات فرديّة من عزيز العظمة لضمان التناسق والتكامل، واقترحوا التحقّق من مصادر إضافية، لتوضيح تفاصيل ما زالت غير واضحة.


اختتمت الورشة بتأكيد أهمية يوسف العظمة كرمز وطني موحد، يمكن أن يسهم في إعادة تشكيل الهوية السورية. وأوصى المشاركون بمواصلة البحث لسدّ الفجوات، خاصة في أفكاره السياسية، وتوسيع الوصول إلى المصادر الأرشيفية لتعزيز المصداقية، وأعربوا عن رضاهم عن المناقشات المثمرة، واصفين الاجتماع بأنه “إيجابي وملهم”.


نجحت الورشة في إرساء أساس قويّ لدراسة يوسف العظمة، من خلال الأرشيف الرقمي، والمناقشات التاريخية العميقة، وإعادة تقييم إرثه. وأكد المشاركون أن المشروع يتجاوز الأكاديمية، ليصبح جزءًا من استعادة الذاكرة الوطنية السورية، وأكدوا الالتزام بنشر النتائج بطريقة شاملة ومتاحة، عبر منصات رقمية ومنشورات متعددة اللغات.