مؤتمر وحدة الصف الكردي في القامشلي: إعادة تموضع أم محاولة فرض أمر واقع؟

في ظلّ إعادة انتشار القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي في الجزيرة السورية، والتقدّم المحدود في موقف الولايات المتحدة تجاه الإدارة السورية الانتقالية، وفي ظل مراقبة تركيا لما يجري في الجزيرة السورية، انعقد مؤتمر بعنوان “وحدة الصف والموقف الكردي في روجآفاي كردستان”، في مدينة القامشلي، يوم 26 أبريل/ نيسان 2025. وقد زاد هذا المؤتمر ومخرجاته المشهد تعقيدًا، إذ وضع الأكراد السوريين أمام تحدٍ كبير، يتمثل في تحييد قضيتهم عن النزاعات الكردية الإقليمية الأخرى، في ظل توازنات إقليمية ودولية دقيقة ومعقدة. ويأتي هذا المؤتمر بعد سلسلة محاولات سابقة لرعاية اتفاقات بين القوى الكردية، برعاية من الرئيس مسعود البرزاني، إلا أنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ.
شارك في المؤتمر أكثر من 400 شخصية، من بينهم قادة في المجلس الوطني الكردي، وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية، إضافة إلى ممثلين عن أحزاب كردية أخرى وشخصيات مستقلة، وممثلين عن حزب العمال الكردستاني (PKK)، وممثلين عن أحزاب كردية من إقليم كردستان العراق، ومراقبين من أحزاب كردية تركية، مثل حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، إلى جانب المبعوث الأميركي سكوت بولز، وقادة عسكريين من قوات التحالف الدولي.
استمرّت التحضيرات للمؤتمر قرابة خمسة أشهر، وتركّزت أجندته على صياغة رؤية كردية موحدة، تحدد معالم مشاركة الأكراد في مستقبل سورية. وقد تبنّى المشاركون وثيقة سياسية مشتركة، تدعو إلى بناء دولة ديمقراطية لامركزية في سورية، تضمن في دستورها حقوق “الشعب الكردي”. ونصّت الوثيقة الختامية على ذلك، على الرغم من أن الحكومة السورية أكّدت مرارًا التزامها بحفظ وصون حقوق الأكراد، كما سائر مكونات الشعب السوري، ضمن إطار الدولة الواحدة.
وكان الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات (قسد) مظلوم عبدي وقّعا، في 10 آذار/ مارس 2025، اتفاقًا ينصّ على اعتبار “الأكراد” مكوّنًا أصيلًا في الدولة السورية، وضمان كامل حقوقه الدستورية، ودمج المؤسسات المدنية والعسكرية للإدارة الذاتية ضمن مؤسسات الدولة السورية. وبالرغم من الاتفاق، أبدت (قسد) انتقادات للإعلان الدستوري، معتبرة أنه منح الرئيس الانتقالي سلطات واسعة لا تتناسب مع متطلبات المرحلة الانتقالية، كما أبدت اعتراضها على الحكومة الجديدة إذ رأت أنها لا تعبّر عن التنوع السوري، على الرغم من مشاركة وزيرين كرديين فيها، وما تزال (قسد) ترفض دمج قواتها ضمن وزارة الدفاع السورية، وتماطل في تسليم المناطق التي تحت سيطرتها للحكومة الانتقالية، وهذا ما يجري في منطقة سد تشرين على سبيل المثال.
- مخرجات المؤتمر:
- وثيقة سياسية تأسيسية:
أعلن المؤتمر وثيقة سياسية، تضمّنت مجموعة من المبادئ العامة التي تُلاقي توافقًا واسعًا بين السوريين، خصوصًا ما يتعلق بقضايا مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة، وحماية حقوق الطفل، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية، واعتماد هوية وطنية جامعة تراعي مختلف المكونات القومية والدينية، والالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية. إلا الوثيقة تضمّنت بعض القضايا الخلافية التي لا تحظى بإجماع وطني سوري، ومن أبرزها:
- “نظام الحكم البرلماني بغرفتين”، حيث نصّت الوثيقة على اعتماد نظام برلماني ثنائي الغرف، وهو طرحٌ لا يلقى توافقًا عامًا بين السوريين، ولا سيما بعد معاينة التجارب السلبية للنظام البرلماني في لبنان والعراق، فضلًا عن أن غياب أحزاب سياسية فاعلة حاليًا في سورية يزيد من صعوبة نجاح هذا النموذج، وهذا ما يجعل الخيار الأقرب للنقاش هو النظام شبه الرئاسي أو الرئاسي، وهي قضايا سيحددها الدستور الدائم.
- “تغيير علم الدولة واسمها ولغاتها الرسمية والأعياد الرسمية”، وهي قضايا سيادية حساسة، يجري التوافق عليها عادة في مراحل دستورية نهائية عبر استفتاء شعبي، وليس عبر مبادرات جزئية.
- تشكيل جمعية تأسيسية “برعاية دولية”، فالدعوة إلى جمعية تأسيسية برعاية دولية قد تواجه رفضًا واسعًا، إذ يرى كثيرون أن مثل هذا الطرح يمسّ السيادة الوطنية، ويخضع القرار السوري للضغوط الخارجية.
- إيقاف عمليات التغيير الديموغرافي وإلغاء نتائجه، وهو مطلب يحظى بتأييد عام من حيث المبدأ، لكنه قد يثير جدلًا حول التفسيرات المختلفة لماهية “التغيير الديموغرافي”.
- “الاعتراف بالديانة الإيزيدية ديانة رسمية”، مع أن الوثيقة تؤكّد حيادية الدولة تجاه الأديان، فضلًا عن أنّ عدد أتباع الديانة الإيزيدية لا يتجاوز بضع مئات في سورية.
- جعل المناطق الكردية “وحدة سياسية إدارية متكاملة ضمن سورية اتحادية”، ويثير هذا الطرح إشكاليات حقيقية، خاصة مع غياب تعريف دقيق لماهية “المناطق الكردية”، وكيفية تكوين وحدة سياسية متماسكة رغم التباعد الجغرافي بين هذه المناطق، ولم تذكر الوثيقة كلمة فدرالية، ولكن روح الوثيقة فيدرالي.
- “ضمان تمثيل الكُرد في مؤسسات الدولة”، فعلى الرغم من تأكيد الوثيقة على المساواة بين المواطنين، فإن تخصيص نسب أو مقاعد لمكوّن بعينه يتناقض مع مبدأ المواطنة الكاملة والمساواة أمام القانون، ويؤسس نظام محاصصة، وسيدفع مجموعات أخرى للمطالبة بالمثل، مما يعني شرذمة سورية.
- الإشارة إلى قضية “الحزام العربي”، حيث ذكرت الوثيقة “الحزام العربي”، وهو تعبيرٌ يثير حساسيات لكونه يرتبط بسياسات سابقة في محافظة الحسكة، ولا سيما إسكان المغمورين من سد الفرات في أراضٍ زراعية تابعة في معظمها للدولة، وهو موضوع قديم يتم تضخيمه دائمًا، وقد زالت آثاره الفعلية، وقد يُثير إعادة فتح هذا الملف حساسيات اجتماعية ومناطقية.
- المطالبة بتطوير البنية التحتية للمناطق الكردية، علمًا أن معظم مناطق سورية كانت مهمّشة، مثل دير الزور والرقة وريف حلب والسويداء وغيرها.
- تشكيل وفد تفاوضي موحد
اتفق المؤتمرون على تشكيل وفد كردي موحد، يتولى مهمة التفاوض مع الحكومة السورية الانتقالية، ودعا البيان الختامي إلى اعتماد الرؤية السياسية المشتركة، كأساس لأي حوار وطني مستقبلي بين القوى الكردية من جهة، والإدارة الانتقالية في دمشق من جهة أخرى، مع تأكيد أهمية التنسيق مع مختلف الأطراف الفاعلة لترجمة مضامين هذه الرؤية إلى خطوات عملية.
- موقف السوريين والقوى الكردية الأخرى من مؤتمر القامشلي:
تفاوتت ردود الفعل داخل المجتمع الكردي السوري، إزاء مخرجات مؤتمر القامشلي، فقد اعترضت عدة قوى وشخصيات كردية على نتائج المؤتمر، معتبرة أنه لا يمثّل جميع الأكراد السوريين، وأن هناك عددًا من المناطق الكردية لم تكن ممثلة في المؤتمر، ومن أبرز هذه المواقف:
- “بيان الكتل السياسية والعشائرية والمدنية الكردية” الذي أعلن صراحة رفضه لوثيقة المؤتمر.
- “رابطة الكرد المستقلين السوريين” التي أكدت أن المؤتمر ومخرجاته “لا يعنيها”.
في المقابل، رحّبت بعض القوى الكردية بالمؤتمر، معتبرة إياه بداية لمرحلة جديدة نحو تحقيق “الحقوق القومية” للأكراد ضمن إطار الدولة السورية.
أما من جهة المكونات الأخرى، فقد عبّرت قطاعات واسعة، من السكان العرب والسريان، عن تخوفهم من أن تؤدي مخرجات المؤتمر إلى تهميشهم سياسيًا، وأصدر تجمع أبناء الجزيرة (تاج) بيانًا، رفض فيه وثيقة المؤتمر، وانتقد استمرار انتهاكات قوات (قسد) في المنطقة.
- موقف الحكومة السورية الانتقالية:
في اليوم التالي لانعقاد المؤتمر، أصدرت الرئاسة السورية بيانًا رسميًا عبّرت فيه عن رفضها القاطع لأي محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة بمسميات الفدرالية أو الإدارة الذاتية من دون توافق وطني شامل، والتشديد على أن وحدة سورية، أرضًا وشعبًا، خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وأن تحركات وتصريحات (قسد) تتعارض مع مضمون الاتفاق الموقع بين الرئيس الانتقالي أحمد الشرع ومظلوم عبدي في 10 آذار/ مارس الماضي، والذي اعتُبر “خطوة إيجابية نحو التهدئة والانفتاح على حلّ وطني شامل، وأن الدعوات إلى الفدرالية وتكريس واقع انفصالي تهدد وحدة البلاد، وأن هناك قلقًا بالغًا من ممارسات تشير إلى توجهات خطيرة نحو تغيير ديموغرافي في بعض المناطق، بما يهدد النسيج الاجتماعي السوري.
وحذرت الرئاسة السورية من تعطيل مؤسسات الدولة في مناطق سيطرة (قسد)، ومن تقييد وصول المواطنين إلى خدماتها، واحتكار الموارد الوطنية وتسخيرها خارج إطار الدولة، وأكدت أن حقوق الأكراد مصونة في إطار الدولة السورية الواحدة، على قاعدة المواطنة الكاملة والمساواة أمام القانون، من دون الحاجة لأي تدخلات خارجية أو وصاية أجنبية، وبالرغم من تشدد خطابها، تركت الحكومة الانتقالية باب المناورة مفتوحًا، عبر التأكيد على استعدادها لاحقًا للبحث في تسويات شكلية تحت سقف وحدة سورية، حيث إن الحكومة تريد التفرغ أكثر لبعض الملفات الأكثر حساسية في هذه الفترة، قبل التفرغ لملف (قسد).
- المواقف الإقليمية والدولية
عبر مشاركة مبعوثها الخاص، أرسلت واشنطن رسالة دعم سياسي للأكراد السوريين، لكنها حرصت على عدم الذهاب بعيدًا، لإنها تراعي في الوقت ذاته علاقتها مع أنقرة، كحليف في الناتو، ما يجعل سياستها تجاه الأكراد السوريين مرتبكة ومحكومة بالحسابات التكتيكية، وهذا التباين يُنتج وضعًا هشًا بالنسبة لـ (قسد)، التي لا تستطيع الاعتماد استراتيجيًا على واشنطن في الوقت الحالي، ولا بناء شراكة مؤسساتية مستدامة، مما يُضعف موقفها التفاوضي مع دمشق.
وبالنسبة إلى تركيا، فرغم عدم إصدارها موقفًا رسميًا، فقد أبدت، عبر تسريبات إعلامية، معارضة شديدة للمؤتمر، خاصة بسبب مشاركة شخصيات مرتبطة بـ حزب العمال الكردستاني (PKK)، وهو ما تعتبره أنقرة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
بينما قدّم إقليم كردستان العراق دعمًا سياسيًا وإعلاميًا قويًا للمؤتمر، انطلاقًا من اعتبارات قومية ومصلحية ترتبط بتعزيز دور الإقليم ضمن المعادلة الإقليمية والدولية، ودعم الإقليم للمؤتمر يعكس رغبته في تعزيز النفوذ الكردي السوري ضمن معادلة كردستانية أوسع، لكن هذا الدعم يصطدم بحساسيات تركيا من تقارب أي مكون كردي سوري مع حزب العمال الكردستاني، والعلاقات الجيدة بين أربيل وأنقرة قد تجعل الإقليم وسيطًا محتملًا، في حال حصول توافق دولي على تسوية ما، لكنه في المقابل لا يستطيع تبني (قسد) بالكامل من دون إغضاب تركيا.
السيناريوهات المستقبلية المحتملة
- سيناريو التسوية السياسية
يُعدّ هذا السيناريو الأكثر توازنًا، من حيث المكاسب الممكنة لكافة الأطراف، إذ إن نجاح الوفد الكردي الموحد في التفاوض مع الإدارة السورية الانتقالية، بدعم إقليمي ودولي، ولا سيما إذا جرى انسحاب أميركي من المنطقة، قد يؤدي إلى إقرار صيغة لامركزية تضمن وحدة سورية، وتكفل حقوق كل المكونات والمناطق السورية.
ويمثل توحيد الصف الكردي، في حال تحققه، عاملَ قوّة تفاوضي، ولا سيما مع طرح رؤية سياسية معتدلة ومتوازنة تُعزز القبول المحلي والدولي. وعلى الرغم من أن هذا السيناريو يبدو الأكثر عقلانية، فإن تحقيقه يصطدم بعدة عوائق منها:
- غياب الثقة المتبادلة بين (قسد) ودمشق.
- تباين كبير في التصورات حول شكل النظام السياسي.
- وجود فيتو إقليمي، خاصة من تركيا، لأي مشروع يمنح الأكراد شرعية مؤسسية في الشمال السوري.
وهو سيناريو قابل للتحقق على المدى المتوسط، لكنّه يتطلب تنازلات من الطرفين، وضمانات دولية واضحة.
- سيناريو التصعيد والانفجار:
في حال فشل الحوار واستمرار الخطاب المتشدد من قبل (قسد)، وثبات موقف دمشق الرافض لأي صيغة فدرالية خارج إطار التوافق الوطني، مع رفض أميركي للانسحاب، وتشدد تركي؛ فقد يؤدي ذلك إلى انسداد سياسي كامل، قد يُفضي لاحقًا إلى تصعيد عسكري، وهناك عوامل تعزز هذا السيناريو:
- تحفيز إقليمي (خصوصًا تركي) لدفع دمشق نحو المواجهة المباشرة أو غير المباشرة.
- المخاوف من أن يكون المؤتمر الأخير مدخلًا لفرض أمر واقع سياسي على الأرض.
- التناقض بين الخطاب المعتدل لبعض القيادات الكردية، وبين مشاركة شخصيات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني (PKK)، ما يُضعف المصداقية الدولية.
هذا السيناريو أقلّ ترجيحًا من سيناريو الجمود، إلا أنه يبقى واردًا، ولا سيما إذا استمر تصاعد التوتر دون مسار تفاوضي جدي، ويرتبط بتطورات المشهد الإقليمي والدولي، وخاصة موقف أميركا.
- سيناريو الجمود السياسي (السيناريو الأرجح حاليًا)
في المدى القريب، يُرجّح أن تستمر (قسد) بحكم الأمر الواقع في المناطق التي تخضع لسيطرتها، في ظل غياب تسوية نهائية، وبقاء الوضع السياسي هشًا وخاضعًا لمساومات متقطعة بين الأطراف المحلية والدولية، خاصة مع عدم وضوح الموقف الأميركي من الإدارة الجديدة، والقرار بشأن الانسحاب من منطقة الجزيرة السورية، ما يعني استمرار (قسد) بدون اعتراف رسمي، وتقييد الدولة السورية في مؤسساتها وسيادتها ضمن تلك المناطق، وانشغال الأطراف الدولية بمصالحها، دون الدفع الحقيقي نحو تسوية.
هذا الوضع غير مستدام على المدى البعيد، ويُمهّد إما لتسوية واقعية، أو لتصعيد مفاجئ في حال تبدّل المعادلات الدولية، خصوصًا في حال انحسار الدعم الأميركي أو تغير الموقف الأميركي من (قسد)، واحتماليته مرتفعة جدًا في المدى القصير.
جاء مؤتمر وحدة القوى الكردية في القامشلي محاولة بارزة لإعادة ترتيب البيت الكردي السوري وتوحيد الموقف السياسي، وهو بلا شك محطة مفصلية في مسار القضية الكردية، غير أن مدى نجاحه سيعتمد على قدرة القادة الأكراد على صياغة خطاب وطني جامع يطمئن بقية المكونات السورية والإقليمية، وعلى مدى تجاوب الحكومة السورية الانتقالية مع المطالب المطروحة، إضافة إلى حجم الدعم الدولي وإرادته في دفع عجلة الحل.
وقد أثارت الوثيقة السياسية الصادرة عن المؤتمر نقاشًا واسعًا، حيث إنها عكست تصعيدًا في سقف المطالب، واستخدام المؤتمر كورقة ضغط على دمشق لانتزاع مكاسب سياسية. وأثار ذلك مخاوف من محاولات (قسد) لاستثمار الاتفاقات السابقة، لفرض نفسها كممثل وحيد للأكراد، والدفع نحو تسويات مشروطة تكرّس الانفصال بدل الشراكة الوطنية.
ومع أن الاتفاق، بين الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي، ينصّ على دمج المؤسسات الكردية ضمن مؤسسات الدولة السورية، فإن (قسد) لا تراهن على قدراتها الذاتية، بل على الدعم السياسي الأميركي والدولي لمنع أي مواجهة مع دمشق، مع مساعٍ واضحة لتثبيت وجودها كطرف لا يمكن تجاوزه في العملية السياسية، وتشير المعطيات الميدانية إلى أنّ هذا الرهان محفوف بالمخاطر، في ظلّ تغير المزاج الدولي لصالح الدولة السورية، وتصاعد السخط الشعبي داخل مناطق الإدارة الذاتية، نتيجة ممارسات (قسد) وانفرادها بالقرار.
وتُظهر التجارب المقارنة أنّ الحلول الأحادية تُقلّل من فرص تحقيق استقرار طويل الأمد، ومن ثم، فإن مستقبل القضية الكردية في سورية يكون من خلال انخراط فعّال في عملية وطنية شاملة، تقوم على شراكة متوازنة، واعتراف متبادل، ضمن دولة ديمقراطية موحدة، تحترم التعدد القومي والثقافي، وتضمن المساواة الكاملة بين جميع أبنائها.
ويقف مسار الأزمة في الجزيرة السورية عند مفترق حسّاس، بين فرص تسوية وطنية، ومخاطر التصعيد، أو الجمود، وتُظهر السيناريوهات أن التسوية السياسية، القائمة على صيغة لا مركزية ضمن إطار الدولة السورية الموحدة، تمثّل الخيار الأمثل، لكنها مشروطة بتنازلات متبادلة وبوجود مرونة تفاوضية من جميع الأطراف. وفي المقابل، يبقى احتمال التصعيد واردًا، إذا فشل الحوار السياسي، واستمرّ التناقض بين خطاب (قسد) السياسي وارتباطاتها الإقليمية، فيما يبدو الجمود السياسي السيناريو الأرجح مؤقتًا، لكنه هش وقابل للانفجار مع تغير المعطيات الإقليمية والدولية.
إن بناء شراكة وطنية حقيقية يبقى السبيل الوحيد لضمان استقرار دائم، وإنّ إخراج الجزيرة السورية من دائرة النزاعات المفتوحة، نحو صيغة سياسية شاملة، قد يُسهِم في تعزيز شرعية مؤسسات الدولة وتحقيق التوازن المجتمعي.