المقالات

رياح التغيير: العراق وسورية في مرحلة ما بعد الأسد

Reading Time: 2 minutes

الملخص

تتشكل العلاقة المتطورة بين العراق وسورية، في مرحلة ما بعد الأسد، من خلال الديناميات الإقليمية المتغيرة والمخاوف الأمنية والاعتبارات الاقتصادية. وقد تأثّرت العلاقات بين البلدين، وهي التي اتّسمت تاريخيًا بالتنافس، بالروابط القبلية والسياسات الطائفية والجهات الفاعلة الخارجية، مثل إيران والولايات المتحدة. تواجه الحكومة السورية الجديدة حالةً من عدم الاستقرار الداخلي والتوترات الكردية والتهديدات الأمنية، في الوقت الذي يتعيّن على العراق أن يتعامل مع تحالفاته وتحدياته الأمنية الحدودية. ومن الناحية الاقتصادية، يمتلك العراق القدرة على مساعدة سورية في إعادة الإعمار، من خلال التجارة والتعاون في مجال الطاقة والجهود الإنسانية. ومع ذلك، فإن التهديدات الأمنية والتوترات الجيوسياسية تعقّد التعاون، ما يجعل العلاقات المستقبلية غير مؤكدة ومعقدة من الناحية الاستراتيجية.

الكلمات المفتاحية

 التنافس الجيوسياسي، التحديات الأمنية، التعاون الاقتصادي، عدم الاستقرار الإقليمي.

مقدمة

اتسمت العلاقة بين العراق وسورية منذ زمن طويل بالتوتر والتنافس والتحالفات المتغيرة، متأثرةً بالديناميات الإقليمية والهياكل السياسية الداخلية. ويعود تاريخ التنافس بين البلدين إلى أيام فرعي حزب البعث المتنافسين، حيث سعت الدولتان إلى الهيمنة على المشهد الأيديولوجي والسياسي في العالم العربي (BBC News, 2006). وقد اشتدت حدة هذا التنافس في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما دعمت سورية بفعالية الجماعات المتمردة في العراق، في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وهو موقفٌ أدى إلى تفاقم التوترات (Mansour & Thompson, 2020). لكن مع مرور الوقت، تبدل الوضع، وبدأ العراق، لا سيّما بعد صعود النفوذ الإيراني، في دعم النظام السوري، خاصة خلال المراحل الأخيرة من الحرب الأهلية السورية.

يتشارك البلدان حدودًا طويلة وبينهما عدد من الروابط القبلية العابرة للحدود، التي كانت تاريخيًا مصدرًا للتعاون والمنافسة على حد سواء (Dukhan, 2019). وتلعب هذه الروابط دورًا في تشكيل التفاعلات بين البلدين، حيث إن كثيرًا من القبائل تسكن على طرفي الحدود، وتحافظ على روابط عميقة الجذور بين كلا الجانبين. إضافة إلى ذلك، تؤثر الديناميات الطائفية بالعراق، ولا سيّما الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، تأثيرًا مباشرًا في سورية، في حين إن الديناميات الداخلية في سورية -خاصة المتعلقة بالقضية الكردية- تؤثر بدورها في العراق (Dhabian, 2025). تخلق هذه العوامل شبكة معقدة من المصالح والمخاوف والحسابات السياسية المشتركة، وتؤثر في كيفية تعامل العراق وسورية اليوم، خاصة في سياق انهيار النظام السوري وظهور حكومة جديدة في دمشق.

1- الديناميات الإقليمية والتوترات الجيوسياسية

 غيّر انهيار نظام الأسد وظهور حكومة جديدة في سورية الديناميات الإقليمية، ما أثر في استراتيجيات العراق الدبلوماسية والأمنية. ومع ذلك، فمن المرجح أن تتسم المرحلة الانتقالية في سورية بعدم الاستقرار والصراع على السلطة، حيث تتصارع الفصائل المتنافسة داخل البلاد على النفوذ والسيطرة. بالنسبة للعراق، فإن وجود الميليشيات المدعومة من إيران ونفوذها الكبير داخل البنية السياسية العراقية يخلقان بؤرة محتملة للتوترات، ولا سيما للحكومة السورية الجديدة (Alaaldin, 2023). في مرحلة ما بعد الأسد، تشعر سورية بالقلق من علاقات العراق المتنامية مع إيران، التي تعدّها تهديدًا لحكمها الجديد، وترى الحكومة السورية أن علاقة العراق العميقة مع إيران تشكّل تحديًا لها، لأنها تنافس على النفوذ الإقليمي، وتمثل مصدرًا محتملًا للصراع.

في الوقت نفسه، يتشكل موقف العراق الحذر تجاه سورية نتيجة الضغوط الجيوسياسية الخارجية. ففي حين يتوجب على العراق أن يوازن علاقاته مع إيران، فإنه يسعى أيضًا إلى الحفاظ على علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة التي لها وجود قوي في العراق (Uysal & Margolin, 2023). تعقّد هذه الدينامية مقاربة العراق تجاه سورية، حيث تعارض الولايات المتحدة تاريخيًا النفوذ الإيراني. إن الجهود التي يبذلها العراق لتجنب التحول إلى ساحة للصراعات بالوكالة بين القوى الإقليمية، مثل إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، تجعل مقاربته الدبلوماسية تجاه سورية أكثر تقييدًا.

تلعب الفصائل الكردية العاملة عبر حدود العراق وسورية وتركيا دورًا حاسمًا في تشكيل العلاقات العراقية السورية، لا سيما بعد تشكيل الحكومة السورية الجديدة. على طول الحدود في سورية، يسيطر حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) المتحالف بشكل وثيق مع وحدات حماية الشعب (YPG) على أجزاء كبيرة من شمال سورية، وهو ما يعقد الديناميات الكردية في العراق (Hasan & Khaddour, 2021). وقد عزّز حزب العمال الكردستاني، بأجندته الثورية العابرة للحدود، وجوده في المناطق الحدودية، لا سيما في سنجار، خالقًا تحديات أمنية للعراق. تزيد العمليات العسكرية التي تشنها تركيا ضد حزب العمال الكردستاني، في كلٍّ من العراق وسورية، من الضغط على العراق -لا سيّما على حكومة إقليم كردستان التي يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني- لإدارة السياسة الكردية الداخلية والتهديدات الأمنية عبر الحدود والعلاقات الاستراتيجية مع أنقرة بعناية (Hasan & Khaddour, 2021).

أما في سورية، فإن تردّد الحكومة الجديدة تجاه الحكم الذاتي الكردي، مع عدم وجود دعم دولي مماثل لما حصل عليه أكراد العراق في التسعينيات، يعقّد إمكانية قيام منطقة حكم ذاتي كردية مستقرة على طول الحدود (Palani, 2025). يخلق هذا وضعًا حدوديًا هشًا يؤثر مباشرة في استقرار العراق الداخلي وعلاقاته مع سورية. ويتعين على العراق، ولا سيما حكومة إقليم كردستان التي يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني، أن تنهي التوترات مع حزب العمال الكردستاني، وأن تدير السياسة الكردية الداخلية مع السعي في الوقت نفسه إلى ترتيبات أمنية تعاونية مع الإدارة السورية الجديدة، لمنع مزيد من عدم الاستقرار الإقليمي. وتطرح الطموحات السياسية المستمرة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وولاءات الفصائل الكردية المنقسمة، التي تزيد من حدتها قوى إقليمية مثل تركيا وإيران، تحديات دبلوماسية وأمنية كبيرة أمام كلٍ من العراق وسورية (Hasan & Khaddour, 2021; Palani, 2025).

2- المخاوف الأمنية والتوترات العسكرية

لا تزال قضية الأمن حاسمةً في العلاقات العراقية السورية، حيث يساور كلا البلدين مخاوف عميقة بشأن المشهد الأمني لكل منهما. تتخوف الحكومة السورية الجديدة من فلول نظام الأسد الذين لجؤوا إلى العراق، حيث يمثل وجودهم تهديدًا للمرحلة الانتقالية في سورية ما بعد الأسد، بل تهديدًا لاستقرار المنطقة، إذ يمكّن أن يشكّل هؤلاء الفلول نواةً لنشاط مضاد للثورة، ويغذي الصراعات الداخلية على السلطة داخل سورية (Al-Haj, 2025). ويُنظر إلى هؤلاء الأفراد، الذين كان كثيرًا منهم متغلغلين بعمق في الأجهزة العسكرية والاستخباراتية السورية، على أنهم قوة محتملة لزعزعة الاستقرار يمكن أن تهدد المرحلة الانتقالية الهشة في سورية ما بعد الأسد، كما تنظر دمشق إلى وجودهم في العراق بعين الريبة، معتقدةً أنهم قد يستخدمون الأراضي العراقية لإعادة تجميع صفوفهم وتحدي الحكومة الجديدة.

في الوقت نفسه، لدى العراق مخاوفه الأمنية المتعلقة بسورية، فبعض القادة الجدد في سورية كانوا مشاركين سابقًا في التمرد العراقي ضد القوات الأميركية، حيث قاتلوا في العراق في منتصف العقد الأول من القرن الحالي. وتثير هذه الصلة التاريخية مخاوف في بغداد، حول احتمال أن تمكّن قيادتهم في سورية شبكات جديدة من عدم الاستقرار على طول الحدود المشتركة. في المقابل، يشعر العراق بقلق عميق بخصوص آلاف من أعضاء (داعش) الذين لا يزالون في مراكز الاحتجاز في شمال سورية (Menmy, 2025). إذا قُدِّر لهؤلاء المعتقلين أن يُطلَق سراحهم أو يهربوا من تلك المراكز، فقد يشكلون تهديدًا كبيرًا لاستقرار العراق، ولا سيما أن فلول داعش يحاولون بالفعل إعادة تشكيل خلايا في المناطق الغربية والشمالية من العراق.

ونتيجة لذلك، يكثّف العراق من إجراءاته الأمنية على الحدود، ويزيد درجة المراقبة والوجود العسكري لمنع أي تسلل للمتطرفين أو القوى المزعزعة للاستقرار (Calabrese, 2025). ومع ذلك، فإن انعدام الثقة المتجذر بين الحكومتين، الذي تغذيه كل من المظالم التاريخية والمعضلات الأمنية الحالية، قد يعوق التعاون الأمني الأوسع نطاقًا.

3- الاعتبارات الاقتصادية والتعاون

تواجه سورية ما بعد الأسد تحديات اقتصادية هائلة، أكثرها في إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية، فالصراع المطوّل قد ألحق أضرارًا بالغة بالاقتصاد السوري، مع شلل في القاعدة الصناعية، وتدمير للمدن، وانخفاض في الاستثمار الأجنبي، وهو ما تفاقم بفعل العقوبات الدولية المستمرة. في هذا السياق، يمكن للعراق أن يلعب دورًا محوريًا في تعافي سورية، نظرًا لقربه الجغرافي وقدراته الاقتصادية الحالية. وتتعدد حوافز العراق للتعاون الاقتصادي مع سورية، من ضمن ذلك تحفيز اقتصاده، وتنويع شركائه التجاريين، وتعزيز الاستقرار الإقليمي (Hassan, 2025).

سيستفيد العراق كثيرًا من زيادة التجارة عبر الحدود مع سورية، حيث تمثل إعادة الإعمار فيها فرصة مربحة للشركات العراقية المتخصصة في مواد البناء والخدمات اللوجستية والسلع الصناعية. إن تنشيط الطرق التجارية التاريخية، مثل معبر القائم الحدودي، لا يمكن أن يعزز النمو الاقتصادي في العراق فحسب، بل يمكن أن يعزز أيضًا استقرار الممرات التجارية الضرورية للاقتصاد الإقليمي الأوسع.

بالإضافة إلى ذلك، لدى العراق حافز واضح للمشاركة في إعادة إعمار سورية، من خلال التوسع المحتمل لأسواق الطاقة، فالبنية التحتية للطاقة في سورية التي دمرتها الحرب تخلق طلبًا كبيرًا على النفط والكهرباء، وهي قطاعات يمتلك العراق بالفعل قدرات كبيرة فيها. ومن خلال تصدير النفط وتطوير البنية التحتية للطاقة عبر الحدود، مثل خطوط الأنابيب وخطوط نقل الكهرباء، يمكن للعراق تأمين سوق مستقرة ومربحة، ما يقلل من اعتماده على أسواق الطاقة الدولية المتقلبة.

ويكمن الحافز الآخر في التعاون الزراعي، فالعراق، الذي يواجه تحديات زراعية خاصة به، يمكن أن يستفيد من الأراضي الخصبة والخبرة الزراعية السورية، لتعزيز الأمن الغذائي في كلا البلدين. حيث يمكن للمشاريع الزراعية المشتركة أن تتيح الاستثمارات المشتركة في أنظمة الري وإنتاج المحاصيل ونقل التكنولوجيا، وهو ما يعود بالنفع على اقتصاد البلدين بشكل كبير.

توفر الاعتبارات الإنسانية أيضًا حافزًا للعراق للمشاركة، فمع وجود مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين يستضيفهم العراق، فإن تسهيل التعافي الاقتصادي لسورية يمكن أن يخلق ظروفًا مواتية للعودة الطوعية إلى الوطن، ويقلّل الأعباء الإنسانية والاقتصادية على العراق المرتبطة بدعم اللاجئين (UNICEF, 2021)، ويمكن أن يُعزز دور العراق الإنساني الاستباقي مكانته الدبلوماسية الدولية.

ومع ذلك، فإن مشاركة العراق الاقتصادية مع سورية تُخفّف من حدة عدم الاستقرار الذي لا يزال سائدًا داخل سورية، لا سيما في المناطق الشرقية، لكن المخاوف الأمنية المستمرة تشكل مخاطر على استمرارية الاستثمار والتجارة، ما يجعل الالتزامات الواسعة النطاق صعبة، ويجب أن تبقى استراتيجية العراق الاقتصادية تجاه سورية مرنة وتتكيف مع الظروف الأمنية المتغيرة. ويجب على العراق أن يوازن بعناية بين مصالحه الاقتصادية والتأثيرات الإقليمية المتنافسة بين إيران وجامعة الدول العربية. وقد يؤدي تعزيز التعاون مع الحكومة السورية الجديدة إلى استفزاز إيران وأعضاء محور المقاومة، المتخوفين من سقوط النظام السوري وتأثيره على نفوذ المحور في المنطقة.

4- المسارات المحتملة للعلاقات العراقية -السورية

لا تزال العلاقة بين العراق وسورية في مرحلة ما بعد الأسد سائلةً، وتعتمد على عوامل متعددة، من ضمنها التطورات السياسية الداخلية، والديناميات الإقليمية، والتحولات الجيوسياسية العالمية. وثمة مسارات كثيرة محتملة لعلاقتهما، يمكن أن تؤثر في تفاعلاتهما المستقبلية بطرق مختلفة.

  1.  المسار التعاوني: في أفضل السيناريوهات، يمكن أن يتجه العراق وسورية نحو علاقة أكثر استقرارًا وتعاونًا، خاصة من حيث الشراكة الاقتصادية والتنسيق الأمني. ويمكن أن يصبح العراق شريكًا تجاريًا مهمًّا لسورية، ويسهل الوصول إلى موارد الطاقة والطرق التجارية، وهو ما سيكون حاسمًا لإعادة إعمار سورية، كما يمكن للتعاون الاقتصادي الثنائي أن يساعد سورية في تلبية احتياجاتها الإنسانية الفورية، في حين يمكن للعراق الاستفادة من إمكانية الوصول إلى الأسواق السورية، وإمكانية تنفيذ مشاريع بنية تحتية مشتركة. وعلى الصعيد الأمني، قد يتعاون العراق وسورية بشكل أوثق لمكافحة الخلايا الإرهابية، مثل فلول (داعش) التي لا تزال تشكل تهديدًا لكلا البلدين. ومن المرجح أن تكون هذه الدينامية التعاونية أكثر احتمالًا، إذا تمكن البلدان من التغلب على انعدام الثقة التاريخي بينهما، لا سيّما ما يتعلق ببقايا نظام الأسد والحالة العدائية المتوترة عبر الحدود.
  2.  العلاقات المتوترة والحذرة: قد ينطوي السيناريو الأكثر ترجيحًا على تعاون حذر، حيث يوازن كل من العراق وسورية بين مصالحهما الاستراتيجية، مع الحفاظ على موقف حذر تجاه بعضهما البعض. ومن المرجح أن يستمر العراق في توخي الحذر، إزاء التحولات السياسية الداخلية والتحالفات الجيوسياسية في سورية، ولا سيّما علاقاته مع تركيا. وقد يؤدي ذلك إلى وضع ينخرط فيه كلا البلدين في تعاون محدود في المسائل الإنسانية والاقتصادية، مثل قضايا اللاجئين وإدارة الحدود، لكنهما يمتنعان عن التزامات أعمق، بسبب التعقيدات الجيوسياسية الأوسع، التي تشمل علاقات العراق مع إيران.
  3.  العلاقات المجزأة/ المتشظية: قد يشهد السيناريو الأسوأ فترة متجددة من التوترات والتشرذم، حيث يصبح العراق وسورية خصمين غير مباشرين، نتيجة تعرّض كل طرف بشكل متزايد للتأثيرات الخارجية. في هذا السيناريو، قد تكافح الحكومة السورية لاستعادة السيطرة الكاملة على أراضيها، وهو ما يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار على طول حدودهما المشتركة. وإذا قُدِّر لفلول (داعش) أو غيرها من الجماعات المتمردة في سورية أن تنمو، فقد يمتدّ ذلك إلى العراق، ما يؤدي إلى زيادة التحديات الأمنية. وإضافة إلى ذلك، فإن حذر سورية من علاقات العراق المتنامية مع إيران وقلق القيادة السورية الجديدة من نفوذ فلول نظام الأسد قد يؤدي إلى مأزق دبلوماسي، يمكن أن يتفاقم بسبب قيام لاعبين إقليميين خارجيين بدفع البلدين إلى معسكرين متعارضين. في مثل هذا السيناريو، ستكون احتمالات نشوب صراعات بالوكالة، إلى جانب زيادة التوترات الطائفية والقبلية، عالية، وهو ما يصعّب التعاون ويزيد من احتمال الصراع.

الخاتمة

تتسم العلاقة بين العراق وسورية في مرحلة ما بعد الأسد بخليط معقّد من المظالم التاريخية والمخاوف الأمنية والفرص الاقتصادية والتحديات الجيوسياسية. لقد غيّر انهيار نظام الأسد وظهور حكومة جديدة في سورية الديناميات الإقليمية، وأثّر في استراتيجيات العراق الدبلوماسية والأمنية. وهناك مجالات محتملة للتعاون، لا سيّما في مجالي التجارة والطاقة، إلا أن كلا البلدين حذران من اصطفافاتهما السياسية الداخلية والخارجية، وهو ما يعقد العلاقات بينهما. إن موقف العراق الحذر، وموازنة علاقاته مع إيران والولايات المتحدة، إلى جانب قلقه من التحديات الأمنية في سورية، يعني أن المسار المستقبلي لعلاقتهما لا يزال غير مؤكد.

التوصيات

المشاركة الدبلوماسية

  1.  تعزيز العلاقات الثنائية: ينبغي للعراق وسورية الشروعُ في حوار دبلوماسي منتظم لمعالجة المخاوف الأمنية المتبادلة، لا سيما حالة التشدد والعدائية عبر الحدود وفلول نظام الأسد. إن إنشاء لجنة أمنية مشتركة يمكن أن يكون بمنزلة منصة لحلّ التوترات المستمرة وتعزيز التواصل.
  2.  الوساطة الدولية: تشجيع مشاركة جهات دولية محايدة، مثل جامعة الدول العربية، للتوسط في المناقشات بين العراق وسورية، حيث يمكن أن تساعد في تخفيف التوترات الدبلوماسية وتوفير أرضية محايدة للحوار حول القضايا الحساسة، مثل وضع الفصائل الكردية ودور إيران في كلا البلدين.

الشراكات الاقتصادية

  1.  التجارة وإعادة الإعمار: ينبغي للعراق أن يضطلع بدور قيادي في تعافي الاقتصاد السوري، من خلال تعزيز الشراكات التجارية والمشاركة في جهود إعادة الإعمار، لا سيّما في قطاعات مثل الطاقة والبنية التحتية والزراعة. إن إنشاء خطوط أنابيب الطاقة وشبكات الكهرباء العابرة للحدود يمكن أن يكون مفيدًا لكلا البلدين، حيث يضمن إمدادات طاقة مستقرة، ويعزز العلاقات الاقتصادية.
  2.  الدعم الإنساني: يمكن للعراق إعطاء الأولوية للمبادرات الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في سورية، لا سيما المناطق التي يتشارك فيها كلا البلدين أعدادًا كبيرة من اللاجئين. يمكن للجهود المشتركة لتسهيل عودة اللاجئين، بدعم دولي، أن تخفف العبء الاقتصادي على العراق، وتدعم تعافي سورية بعد الصراع.

التعاون الأمني

  1. أمن الحدود ومكافحة الإرهاب: ينبغي لكلا البلدين وضع إطار عمل تعاوني، لإدارة أمن الحدود ومكافحة المنظمات الإرهابية العابرة للحدود، ولا سيما داعش. ويمكن أن يشمل ذلك تسيير دوريات عسكرية مشتركة على طول المناطق الحدودية الرئيسة، ووضع آليات لتبادل المعلومات الاستخبارية لمنع تحرّك الجماعات المتطرفة بين العراق وسورية.
  2.  التعامل مع الجماعات المسلّحة: لا تزال فلول نظام الأسد تُشكّل تهديدًا لاستقرار سورية. إن نهجًا منسقًا للقضاء على هذه البقايا يمكن أن يُسهم في استقرار المنطقة. وينبغي للعراق تسليم هذه الجماعات إلى سورية لمحاكمتها، مقابل ضمانات أمنية على طول حدودهما المشتركة، والتزامات من سورية بمنع عودة ظهور أنشطة المتمردين التي قد تُزعزع استقرار العراق.

References


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى