القرار “2254” إلى الواجهة.. ما الجديد؟

عنب بلدي – لمى دياب
أعاد مجلس الأمن الدولي في بيان رئاسي، صدر في 10 من آب الحالي، الإشارة إلى قراره “2254” (2015) وبيانه الرئاسي (S/PRST/2025/4) وبيانه الصحفي الصادر في 17 من كانون الأول 2024، في إشارة إلى تغيّر لاحظه المراقبون حيال الموقف الدولي مما يجري في سوريا، بعد أعمال عنف اندلعت بمحافظة السويداء في سوريا منذ 12 من تموز الماضي.
الجزء اللافت في البيان مع تأكيد المجلس التزامه القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، هو الدعوة إلى تنفيذ عملية سياسية شاملة للجميع يقودها السوريون ويمسكون بزمامها، استنادًا إلى المبادئ الرئيسة الواردة في القرار “2254”. ويشمل ذلك حماية حقوق السوريين كافة، بغض النظر عن انتمائهم العرقي أو الديني.
وشدد على ضرورة أن تلبي هذه العملية السياسية التطلعات المشروعة للسوريين قاطبة، وأن تحميهم جميعًا وتمكّنهم من تقرير مستقبلهم على نحو سلمي ومستقل وديمقراطي.
وجدد مجلس الأمن التأكيد على أهمية دور الأمم المتحدة في دعم عملية الانتقال السياسي في سوريا وفق المبادئ التي ينص عليها القرار “2254”، وأكد دعمه لجهود مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة في هذا الصدد.
ويأتي هذا التطور بعد مفاوضات عقب سقوط النظام في 8 من كانون الأول 2024، وضغط باتجاه تجاوز القرار على اعتبار أنه يتناول في بنوده ظروفًا كانت سائدة في ظل النظام السابق، ما يعني أن سقوطه يستدعي التفكير في صيغة مختلفة أو إلغاء القرار نهائيًا.
ما القرار “2254”؟
القرار “2254” الصادر في 18 من كانون الأول 2015، تضمن 16 بندًا لإيجاد حل للصراع في سوريا، وتحقيق انتقال سياسي، هي:
-
يؤكد من جديد تأييده لبيان جنيف المؤرخ في 30 من حزيران 2012، ويؤيد بياني “فيينا” في إطار السعي إلى كفالة التنفيذ الكامل لبيان “جنيف”، كأساس لانتقال سياسي بقيادة سورية وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها من أجل إنهاء النزاع في سوريا، ويشدد على أن الشعب السوري هو من سيقرر مستقبل سوريا.
-
يطلب إلى الأمين العام أن يقوم، من خلال مساعيه وجهود مبعوثه الخاص إلى سوريا، بدعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي، محددًا مطلع كانون الثاني 2016 كموعد لبدء المحادثات، عملًا ببيان “جنيف” وتماشيًا مع بيان الفريق الدولي المؤرخ في 14 من تشرين الثاني 2015، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة.
-
يقر بدور الفريق الدولي باعتباره المنبر الرئيس لتيسير الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتحقيق تسوية سياسية دائمة في سوريا.
-
يعرب عن دعمه، في هذا الصدد، لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولًا زمنيًا وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملًا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ في 14 من تشرين الثاني 2015.
-
يسلّم بالصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية، عملًا ببيان جنيف لعام 2012، وبضرورة التعجيل بالدفع قدمًا بكلتا المبادرتين، ويعرب في هذا الصدد عن تأييده لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، وهو ما التزم الفريق الدولي بدعمه والمساعدة على تنفيذه، على أن يدخل حيز التنفيذ بمجرد أن يخطو ممثلو الحكومة السورية والمعارضة الخطوات الأولى نحو انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة، استنادًا إلى بيان “جنيف”، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ في 14 من تشرين الثاني 2015، على أن يتم ذلك على وجه السرعة.
-
يطلب إلى الأمين العام أن يقود، من خلال مكتب مبعوثه الخاص وبالتشاور مع الأطراف المعنية، الجهود الرامية إلى تحديد طرائق وشروط وقف إطلاق النار، ومواصلة التخطيط لدعم تنفيذ وقف إطلاق النار، ويحث الدول الأعضاء، ولا سيما أعضاء الفريق الدولي لدعم سوريا، على دعم وتسريع كل الجهود المبذولة لتحقيق وقف لإطلاق النار، بسبل منها الضغط على جميع الأطراف المعنية للموافقة على وقف إطلاق النار والتقيد به.
-
يشدد على الحاجة إلى آلية لرصد وقف إطلاق النار والتحقق منه والإبلاغ عنه، ويطلب إلى الأمين العام أن يقدم إلى مجلس الأمن تقريرًا عن الخيارات المتاحة بشأن إنشاء آلية تحظى بدعم المجلس، وذلك في أقرب وقت ممكن وفي موعد لا يتجاوز شهرًا من تاريخ اتخاذ هذا القرار، ويشجع الدول الأعضاء، بمن في ذلك أعضاء مجلس الأمن، على تقديم المساعدة، بسبل منها الخبرة الفنية والمساهمات العينية، لدعم هذه الآلية.
-
يكرر دعوته الواردة في القرار “2249” (2015) والموجهة إلى الدول الأعضاء لمنع وقمع الأعمال الإرهابية التي يرتكبها على وجه التحديد تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (المعروف أيضا باسم “داعش”) و”جبهة النصرة”، وسائر الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطة بتنظيم “القاعدة” أو تنظيم “الدولة الإسلامية”، وغيرها من الجماعات الإرهابية، على النحو الذي يعينه مجلس الأمن، وعلى نحو ما قد يتفق عليه لاحقًا الفريق الدولي لدعم سوريا ويحدده مجلس الأمن، وفقًا لبيان الفريق الصادر في 14 من تشرين الثاني 2015، والقضاء على الملاذ الآمن الذي أقامته تلك الجماعات على أجزاء كبيرة من سوريا، ويلاحظ أن وقف إطلاق النار المذكور أعلاه لن يطبق على الأعمال الهجومية أو الدفاعية التي تنفذ ضد هؤلاء الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي لدعم سوريا الصادر في 14 من تشرين الثاني 2015.
-
يرحب بالجهود التي بذلتها حكومة الأردن للمساعدة في إيجاد فهم مشترك داخل الفريق الدولي لدعم سوريا للأفراد والجماعات التي يمكن أن تُحدد بوصفها إرهابية، وهو سينظر على وجه السرعة في التوصية التي قدمها الفريق لغرض تحديد الجماعات الإرهابية.
-
يشدد على ضرورة قيام جميع الأطراف في سوريا باتخاذ تدابير لبناء الثقة من أجل المساهمة في فرص القيام بعملية سياسية وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، ويدعو جميع الدول إلى استخدام نفوذها لدى الحكومة والمعارضة السورية من أجل المضي قدمًا بعملية السلام وتدابير بناء الثقة والخطوات الرامية إلى التوصل لوقف لإطلاق النار.
-
يطلب إلى الأمين العام أن يقدم تقريرًا إلى المجلس، في أقرب وقت ممكن وفي موعد لا يتجاوز شهرًا واحدًا من تاريخ اتخاذ هذا القرار، عن الخيارات المتاحة للقيام بالمزيد من تدابير بناء الثقة.
-
يدعو الأطراف إلى أن تتيح فورًا للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول السريع والمأمون وغير المعرقل إلى جميع أنحاء سوريا ومن خلال أقصر الطرق، وأن تسمح فورًا بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم بحاجة إليها، لا سيما في جميع المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، والإفراج عن أي محتجزين بشكل تعسفي، لا سيما النساء والأطفال، ويدعو دول الفريق الدولي لدعم سوريا إلى استخدام نفوذها على الفور تحقيقًا لهذه الغايات، ويطالب بالتنفيذ الكامل للقرارات “2139” (2014) و”2165″ (2014) و”2191″ (2014) وأي قرارات منطبقة أخرى.
-
يطالب بأن توقف جميع الأطراف فورًا أي هجمات موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية في حد ذاتها، بما في ذلك الهجمات ضد المرافق الطبية والعاملين في المجال الطبي، وأي استخدام عشوائي للأسلحة، بما في ذلك من خلال القصف المدفعي والقصف الجوي، ويرحب بالتزام الفريق الدولي لدعم سوريا بالضغط على الأطراف في هذا الصدد، ويطالب كذلك بأن تتقيد جميع الأطراف فورًا بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حسب الاقتضاء.
-
يؤكد الحاجة الماسة إلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليًا إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة، وفقًا للقانون الدولي، بما في ذلك الأحكام الواجبة التطبيق من الاتفاقية والبروتوكول المتعلقين بمركز اللاجئين، وأخذ مصالح البلدان التي تستضيف اللاجئين بالحسبان، ويحث الدول الأعضاء على تقديم المساعدة في هذا الصدد، ويتطلع إلى مؤتمر لندن بشأن سوريا الذي يعقد في شباط 2016 وتستضيفه المملكة المتحدة وألمانيا والكويت والنرويج والأمم المتحدة، بوصفه إسهامًا مهمًا في هذا المسعى، ويعرب كذلك عن دعمه لإعمار سوريا وتأهيلها بعد انتهاء النزاع.
-
يطلب إلى الأمين العام أن يقدم تقريرًا إلى مجلس الأمن في غضون 60 يومًا عن تنفيذ هذا القرار، بما في ذلك التقدم المحرز في العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة.
-
يقرر إبقاء المسألة قيد نظره الفعلي.
موقف دمشق والتداعيات
ظهور أصوات جديدة تطالب بتطبيق القرار “2254” ليست مسألة مفاجئة، وطرح هذا الأمر لأول مرة بعد سقوط بشار الأسد، في اجتماع العقبة المنعقد في 14 من كانون الأول 2024، وكان وراء هذا الطرح المسؤول الأممي غير بيدرسون، بهدف إبقاء دور أممي في العملية السياسية بسوريا، وحينها واجهت الحكومة السورية هذا الطرح بالرفض، بحسب المحلل السياسي حسن النيفي.
وأعلنت الحكومة أن هذا القرار مرتبط بعملية تفاوضية مع نظام الأسد الذي سقط، وبالتالي لا يوجد مبرر له، وفق النيفي.
يرى النيفي، في حديث إلى عنب بلدي، أن طرح القرار اليوم يعد مؤشرًا واضحًا على أن تداعيات ما حصل في الساحل، ويحدث في السويداء، لها دور كبير في زيادة الحذر والتحفظات لدى الدول المؤثرة من مستقبل العملية السياسية في ضوء ما تعتبره أطراف عديدة انفرادًا في الحكم واستحواذًا كاملًا على السلطة من جانب القيادة الحالية للبلاد.
وأوضح النيفي أن الأطراف التي تدفع باتجاه عودة القرار “2254” هي الأمم المتحدة أولًا، وفرنسا وأمريكا ثانيًا، بالتوازي مع مطالب داخلية بتطبيقه خاصة من جانب الأقليات الطائفية والعرقية في سوريا.
وحول تداعيات هذا القرار إن تم تطبيقه، لفت النيفي إلى أن من المبكر التكهّن بتداعيات تطبيقه إذا ما يتم فعلًا، وهو مشكوك فيه باعتبار أن الحكومة السورية لها رأي سلبي في استحضاره، فضلًا عن أن المطالبة شيء والتطبيق شيء آخر.
وصدر القرار “2254” عام 2015، وطيلة تسع سنوات لم يطبق بالمطلق نتيجة رفض نظام الأسد، علمًا أن السوريين كانوا يقتلون بالبراميل والكيماوي، بحسب ما قاله النيفي.
وأشار إلى أن الحكومة السورية تنظر إلى القرار على أنه نوع من الوصاية التي تحاول أطراف دولية فرضها عليها، في حين تنظر أطراف أخرى (الأقليات) على أنه ضامن لحقوقها في المشاركة بالسلطة، بينما هدف الأمم المتحدة أن تكون العملية السياسية في سوريا تحت مظلة أممية.
ويعتقد النيفي أن الأيام المقبلة ستشهد جولة من المباحثات أو المفاوضات بين الحكومة السورية والأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها الدولي غير بيدرسون، حول إعادة النظر بالقرار الأممي المذكور، مشيرًا إلى أنه “يمكن للطرفين الوصول إلى نوع من التسوية في إجراءات تطبيقه، لأن القرار كما ورد بصيغته الأصلية لا يمكن تطبيقه، نظرًا للمتغيرات التي حصلت جراء سقوط النظام”.
لا دلالات زمنية
المحلل السياسي فراس علاوي، أوضح خلال حديث إلى عنب بلدي أن القرار لم يلغَ أو تم تجاوزه بالنسبة للأمم المتحدة، والدليل هو بقاء مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسون، وذُكر أكثر من مرة، ولكن التطورات على الأرض تجاوزت البنود الأولى منه، التي تعتمد على المفاوضات مع نظام بشار الأسد وهيئة الحكومة الانتقالية، لأنهما سقطا مع سقوط النظام.
وطرحه بهذا التوقيت لا توجد له أي دلالات أخرى، لأن الحديث عن البندين الأخيرين المتعلقين بالانتخابات والدستور لم يتوقف، وهما لا يزالان مطروحين بإشراف الأمم المتحدة، وفق علاوي.
وتابع أنه من المحتمل أن تكون هناك أطراف دولية تضغط باتجاه تنفيذ القرار خاصة بما يتعلق بالبندين الأخيرين، موضحًا أن “من الممكن أن يكون هناك قرار محدّث من مجلس الأمن يتعلق بالانتخابات والدستور”.
جدول زمني
لا يستبعد المحلل السياسي فراس علاوي أن يكون هناك ضغط من الأمم المتحدة بخصوص الانتخابات والدستور متذرعة بهذا القرار أو بأي قرار معدل يشبهه، وبرأيه فإن هذا يتوافق مع مسار الحكومة التي تعمل على تطبيق خطتها القائمة على انتخابات مجلس الشعب ومن ثم اللجنة الدستورية ومن بعدها الانتخابات.
ولفت إلى أن من الممكن أن يكون هناك قرار يطلب من الحكومة الاستعجال أو وضع برنامج زمني لهذه الخطوات، مضيفًا أنه “ربما سيتم بحث فترة المرحلة الانتقالية إذ تم الحديث عن القرار (2254) بجدية في مجلس الأمن ووضع خارطة طريق بالتعاون مع الحكومة السورية”.
وأشار علاوي إلى أنه لا يعتقد أن تطبيق القرار “2254” بشكله الأخير المتضمن الانتخابات والدستور سيؤثر على العملية الانتقالية في سوريا، كما أن بقية الشروط تنفذها الحكومة بشكل ذاتي سواء اللجنة الدستورية والانتخابات ولا تؤدي إلى تغير موازين القوى.
وبيّن علاوي أن الأطراف السورية المتفقة مع الحكومة السورية رؤيتها واضحة، أما القوى الأخرى التي لا تتفق مع رؤية الحكومة، فربما تضع تفسيرات أخرى فيما يخص قضيتي الانتخابات والدستور.
ويرى أن الحكومة السورية لن ترفض الانتخابات والدستور، لذلك لا توجد حاجة تدفع باتجاه الفصل السابع، خاصة أن هناك رغبة دولية بالاستقرار في سوريا، فهو مستبعد وربما يتم الحديث عن جدول زمني لتطبيق البندين الأخيرين.