الأخبار السياسية

العشائر السورية.. “قوة ضاربة” في السلم والحرب

Reading Time: 1 minute

عنب بلدي – عمر علاء الدين

على الرغم مما شابها من انتهاكات، أبرزت اشتباكات السويداء الأخيرة تنامي نفوذ البنى القبلية (العشائر) خلال مرحلة ما بعد الأسد في سوريا.

ويشير دعم الحكومة الظاهري للحشد العشائري، الذي يتناوب بين الصمت الاستراتيجي و”التأييد الانتقائي”، إلى أن الدولة تُهيئ نفسها للاستفادة من دور تلك القوة خلال هذه الفترة الحرجة التي تمر بها سوريا.

وتبرز العشائرية كأداة تكاملية في ظل الفراغ الأمني، بحسب رأي خبراء، بينما يعتبرها آخرون ذراعًا رئيسة للسلطات لتأكيد سيطرتها وشرعيتها، وهو ما يفسر إحياء الهوية القبلية على مستوى القاعدة الشعبية.

وفي حين تحاول جميع الأطراف استمالة هذه القوة، بما فيها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الموجودة في المناطق ذات الكثافة العشائرية، لتحيّدها عن أي صراع قد ينشب مع الحكومة السورية، التي وصفت العشائر بـ”حائط صد”، تبحث عنب بلدي في دور هذه العشائر بأي صراع قد ينشأ مستقبلًا مع “قسد”، أو مع أي طرف آخر.

“حائط صد” وقوة ضاربة

الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خلال خطاب في 19 من تموز الماضي، شكر العشائر على “مواقفها البطولية والنبيلة”، معتبرًا أنها “حائط صد ضد التهديدات الخارجية والداخلية، وأداة فاعلة في الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها”.

وقال الشرع، إن “العشائر العربية لطالما كانت في سوريا رمزًا للقيم والمبادئ النبيلة التي تدفعها للنفير ومساعدة المظلومين”، معبرًا عن تفهمه لمحاولة العشائر أن تدافع عن نفسها بشكل منفرد في مواجهة التحديات والتهديدات التي تعرضت له، مشيرًا إلى أن دور العشائر لا يلغي دور الدولة.

ورقة بحثية للباحث السوري حيان دخان، نشرها في آب الماضي في “المركز العربي للدراسات بواشنطن”، اعتبرت أن “الحشد القبلي أداة قوية للسلطات الجديدة في دمشق لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية”.

وبحسب الورقة، ينبع “اعتماد” حكومة الشرع المتزايد على القوى القبلية من محدودية قدرة قوات الأمن الجديدة على تغطية كامل سوريا.

وقد جعلت هذه “الفجوة” من التعبئة القبلية أداة حاسمة للحكومة لبسط نفوذها والتصدي للاضطرابات عندما لا تملك ما يكفي من أفراد الأمن.

ويرى المحلل السياسي حسن النيفي، أن العشائر في ظل الفراغ الأمني في البلاد، تشكل “قوة ضاربة”.

وتحاول الدولة في ظل هذا الوضع الاستعانة بالعشائر لملء الفراغ الأمني، وهذا ما يجعلها تقوي شوكة العشائر، أو أن تكون هذه العشائر قريبة منها وتحاول أن تضمن ولاءها، وفق ما قاله النيفي لعنب بلدي.

ويعزو النيفي ذلك إلى أن الكوادر والأجهزة الأمنية قليلة، وهناك فراغ أمني كبير في البلاد، مما يجعل خيار دعم العشائر وتقويتها “اضطراريا”.

في المقابل، اعتبر الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن الاعتماد على “القوة الضاربة” ليس استغلالًا بمقدار ما هو تكامل وفرصة أمام الحكومة لخلق “مصالح مشتركة مع قوى مجتمعية تحمل سلاحًا كالعشائر”.

وفي حديث إلى عنب بلدي، قال علوان، إن الأكيد أن الدولة لا تقصد أن القوة هي قوة السلاح، لأن هذا يتناقض مع تعريف الدولة لنفسها وهي المحتكر الرئيس للقوة والسلاح.

وأضاف، “من هنا نذهب إلى فكرة التكامل المجتمعي من حيث تحقيق السلام والسلم الأهلي”.

توزع القبائل العربية في سوريا

“العقيدات”: تتألف من 13 عشيرة بينها “العكيدات” و”البوجمال”، وتتمركز في دير الزور وامتداد أرياف حمص وحلب ودمشق ولها امتداد في العراق.

“البقارة”: تتألف من 11 عشيرة من بينها “العبيدات” و”المشهور”، وتتمركز في دير الزور الغربي والحسكة ومنطقة جبل عبد العزيز وحلب، ولها في امتداد في الأردن والعراق.

“الجبور”: من القبائل الكبيرة في الحسكة، تتألف من تسع عشائر منها “البوخطاب” و”المحاسن”، وتنتشر في الحسكة والشدادي، ولها وجود في حلب.

“طي”: من العشائر الكبيرة في القامشلي، وهي تحالف لـ14 قبيلة، أبرزها “العساف” و”المعامرة”، ولها نفوذ في القامشلي وانتشار في حلب وإدلب والجنوب السوري.

“البوشعبان”: هي من القبائل السورية البارزة أيضًا، وتضم 11 عشيرة أبرزها “الجعابات” و”الشاهر”، وتنتشر في حلب وإدلب والرقة ومناطق البادية السورية وريف دير الزور والجنوب السوري، ولها انتشار في جنوب شرقي تركيا.

“الموالي”: وهي من القبائل التي لديها تاريخ طويل في المنطقة، تضم 13 عشيرة أبرزها “الدولة” و”الجماجمة”، وتنتشر في ريف حماة والبادية السورية وحلب وإدلب وأرياف الرقة.

“قيس”: من القبائل السورية الكبيرة، وتضم عشر عشائر أبرزها “بنو عجل” و”بنو عثمان”، ولها انتشار واسع على مختلف الأراضي السورية.

“النعيم”: القبيلة لها انتشار واسع في شمالي وجنوبي سوريا والبادية، وتضم خمس عشائر أبرزها “الشطيحات” والبريدات”.

وهناك قبائل أخرى مثل: “شمر”، “اللهيب”، “الدليم”، “بني خالد”، “بني سعد”، “الحديديين”، “عنزة”، “بري”، “عشائر التركمان”، “الغياث”، “السردي”، “الشرعة”، “الخضير”، “القطاعنة”، “العقادية”، وغيرها ذات الانتشار القوي في حلب وإدلب وجنوبي سوريا على الحدود السورية- الأردنية، مع انتشار يتجاوز الحدود نحو العراق والأردن ولبنان والخليج العربي واليمن، وفق مجلة “المجلة“.

“قسد” تغازل والعشائر تعلن النفير العام

الرئيس المشارك لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) الذراع السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، محمود المسلط، قال في خطاب منتصف آب الماضي، إن العشائر السورية لن تكون وقودًا ولا حطبًا لصراعات داخلية أو إقليمية أو دولية.

جاء حديث المسلط في رسالة وجهها إلى السوريين وإلى العشائر السورية عامة، وذكر فيها أن سوريا تمر اليوم بمرحلة خطيرة وحساسة، و”هناك قوى خارجية وداخلية تعمل على تفكيك وطننا اجتماعيًا وجغرافيًا بما يخدم مصالحها، لا مصالحنا”.

وأوضح أن العشائر العربية كانت صمام الأمان في حماية الأرض وحفظ الاستقرار، واليوم أصبح الجميع أحوج إلى دورها الكبير في صون وحدة الوطن وأمنه وأمانه، بحسب ما جاء في الرسالة.

واعتبر المسلط أن وحدة سوريا هي “خط أحمر” بالنسبة إليهم (العشائر) وإلى جميع السوريين، مشددًا على أنهم كعشائر لن يكونوا وقودًا لصراعات داخلية أو إقليمية أو دولية.

وفي 15 من آب الماضي، اليوم التالي لخطاب “مسد”، أعلنت قبيلة “البكارة” في منطقة تل أبيض شمالي محافظة الرقة السورية، “النفير العام” ضد قوات “قسد”.

جاء في البيان المشترك الذي تلاه وجهاء عشيرة “المشهور”، إحدى عشائر قبيلة “البكارة”، أنهم سيواصلون القتال ضد “قسد”، حتى انتهاء كامل وجودها في منطقة الجزيرة السورية.

وأكد الوقوف “الكامل

باقي العشائر والقبائل لدعم الحكومة في الجمهورية العربية السورية”.

وشدد على استعداد أبناء القبيلة لبذل دمائهم من أجل تحرير الأراضي التي تحتلها قوات “قسد”، موجهًا ما أسماه “النداء الأخير” لأبناء العشائر المنضوين تحت سلطة “قسد” للإسراع بالانشقاق عنها، و”إلا سيكونون هدفًا مشروعًا لمقاتلينا”.

المحلل السياسي حسن النيفي، يرى أن “قسد” تغازل العشائر لإظهار أنها تملك حاضنة شعبية، وأن الشرعية التي تستند إليها “قسد” هي شرعية السلاح والقوة ولا شرعية شعبية لها في مناطقها، وحتى إن “أبدت حاضنتها الشعبية بعضًا من الطاعة فهو بحكم المصلحة ولوقوعهم تحت سطوة السلاح”.

وتحرص “قسد” على أن تكون لها شعبية عبر إظهار أنها تملك حاضنة في مناطق سيطرتها، ولا تحكم بالقوة التي تحوزها، لذلك أحيانًا تقيم المؤتمرات لبعض العشائر، وتحاول استمالة أخرى، بحسب النيفي.

وتتكرر الاشتباكات بين العشائر و”قسد”، أحدثها في كانون الثاني الماضي، بقيادة إبراهيم الهفل، وهو أحد شيوخ عشيرة “العكيدات”، في ريف دير الزور الشرقي، ويتهم من قبل “قسد” بالتبعية للنظام السوري السابق، وسبق أن رفض الإدلاء بتعليقات حول الاتهامات الموجهة له من قبل “قسد” عندما تواصلت معه عنب بلدي عن طريق وسيط، بحجة أن عائلته كانت تقيم بمناطق سيطرة النظام المخلوع.

في عامي 2023 و2024، شهد ريف دير الزور الشرقي والشمالي معارك مسلحة بدأت شرارتها بين مقاتلين من “مجلس دير الزور العسكري” بدعم مقاتلين من العشائر العربية و”قسد”.

وبدأت المواجهات في عام 2023 عقب اعتقال قائد “مجلس دير الزور”، أحمد الخبيل (أبو خولة)، بعد خلاف بين مع “قسد”.

لو نشبت الحرب.. أين العشائر؟

تستطيع حكومة الشرع الآن، وفق الورقة البحثية للباحث السوري حيان دخان، التأثير على آلاف من رجال القبائل المسلحين الذين يمكن حشدهم ضد “قسد”، مما يمنحها نفوذًا قويًا.

وقد يُنذر استخدام القوات القبلية في السويداء لتحقيق أهداف الدولة بمحاولة حكومية مستقبلية لاستعادة السيطرة على الشمال الشرقي، الذي خضع لحكم القوات الكردية كمنطقة تتمتع بحكم ذاتي واسع منذ بدء الحرب، وفق الباحث.

فيما يخص العلاقة بين “قسد” والحكومة الحالية والمسار التفاوضي، لا يعتقد المحلل السياسي السوري حسن النيفي، باحتمالية وقوع حرب وشيكة بين الحكومة و”قسد”، إذ إن خيار التفاوض يؤيده الجانبان.

ويؤكد الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، في حديثه إلى عنب بلدي، أن التفاوض هو استراتيجية الحكومة السورية للوصول إلى تفاهمات مع “قسد” وغيرها، لكنه يرى أن الحكومة قد تضطر إلى الدخول في مناوشات ومواجهات محدودة جغرافيًا وزمنيًا.

على الجانب الآخر، يرى علوان أن الحكومة السورية ستستغل دور العشائر في مناطق شمال شرقي سوريا، على أن تكون أداة ضغط داخلية على “قسد” من أجل الجلوس على طاولة حوار وطنية، وأن تندمج مع الحكومة السورية بناء على اتفاق 10 من آذار.

وحتى لو وقعت حرب بين الطرفين، حسب المحلل السياسي حسن النيفي، فلا يمكن للحكومة أن تستعين بالعشائر، لأنه ليس “منطق الدولة”، معتبرًا أنه لا يمكن للدولة أن تكون سببًا في إشعالها.

وفي الشق العسكري، يرى الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية بمركز “عمران للدراسات” نوار شعبان، أن العشائر “قوى غير رسمية”، وإن كانت تحمل نَفَس الحكومة، فلتدخلها تداعيات دولية.

وقال شعبان في حديثه إلى عنب بلدي، إن حمل السلاح و”الفزعة” لدى العشائر أمر مهم جدًا بالنسبة لها، ولا يتعلق بالقوة العسكرية أو ما شابه بل إن الأمر نابع من الإيمان بالقيم، وبمبدأ “الفزعة”.

وعلى الحكومة، بحسب شعبان، أن تحاول قدر المستطاع ضبط قوى العشائر، مضيفًا، “لكننا ندرك أن الإشكاليات التي تعرضت لها العشائر سواء الانتهاكات من (قسد) أو من ميليشيات الهجري، استدعت تلك الفزعات”، معتبرًا أن على الحكومة الحد من الانتهاكات حتى لا تلجأ العشائر للسلاح لحماية نفسها.

المفاوضات بين “قسد” والحكومة السورية متوقفة حاليًا، عقب عقد مؤتمر “المكونات” بالحسكة، في 8 من آب الماضي، الذي اعتبرت الحكومة السورية بدورها أنه “يستعيد نهج المؤتمرات التي سعت لتقسيم سوريا قبل الاستقلال”، وردت على ذلك بتعليق المفاوضات الجارية بين الطرفين في باريس، والتي كانت نتاجًا لاتفاق 10 من آذار الموقع بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد “قسد”، مظلوم عبدي.

واعتبر الشرع أن اتفاق 10 آذار هو الأرضية التي يُبنى عليها أي حوار، وأنه يحظى بدعم داخلي وخارجي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى