حرمون يناقش آليات عودة اللاجئين السوريين بين الأمن والعدالة وإعادة الإعمار

عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، يوم السبت 28 حزيران/ يونيو 2025، ندوة حوارية في إسطنبول، بعنوان “آليات عودة اللاجئين السوريين: حلول واقعية متعددة الأبعاد بين الأمن والعدالة وإعادة الإعمار”، بمشاركة الدكتور سامر بكور، مدير قسم الأبحاث في المركز، وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة إكستر البريطانية، وأدارتها أسماء صائب أفندي، مديرة منتدى حرمون الثقافي.
تناولت الندوة عدة محاور رئيسية، منها التوزّع الجغرافي للاجئين السوريين، تحوّلات السياسات والقوانين في دول اللجوء، إسهامات السوريين في الخارج، العوامل الدافعة والمعيقة للعودة الطوعية، وآليات عودة اللاجئين، مع التركيز على التحديات الأمنية والاقتصادية والقانونية التي تواجههم.


استهلّ بكور الندوة بتسليط الضوء على الشتات السوري المنتشر في معظم دول العالم، معتبرًا إياه أحد أبرز نتائج الثورة السورية. واستشهد بمقولة لأحد اللاجئين الذين سألهم عن سبب عودته إلى سورية، حيث قال: “أنا عدتُ، ولم أُجبر على العودة، ولكن لم أعد أستطيع أن أتنفّس جيدًا في دول اللجوء”.
وأوضح بكور أن هذه العبارة تعكس واقع اللاجئ السوري في مخيمات الشتات، مشيرًا إلى أن حياة اللاجئ تمثل “أحلامًا مؤجلة منذ 2011، وذاكرة مجمدة عند تلك الفترة”. وأثار تساؤلًا محوريًا: “هل يمكننا العودة إلى سورية؟ وإذا كنّا نستطيع، فمتى وكيف وإلى أين؟”، مؤكدًا أن هذا السؤال يمسّ كل سوري.
أشار بكور إلى أن الورقة البحثية التي أعدّها، بالتعاون مع الباحث المساعد في مركز حرمون إبراهيم الخولاني، لا تقدّم حلولًا سحريّة، بل تسعى لتفكيك التعقيدات والتناقضات التي تواجه السوريين، ولا سيما في دول اللجوء الإقليمية ومخيمات الشتات.
استعرض بكور استراتيجيات النظام السوري السابق التي أدت إلى نزوح ملايين السوريين، مشيرًا إلى أن القصف هو أولى هذه الاستراتيجيات، حيث أظهرت دراسة لمنظمة “Handicap International” أن 69% من السوريين هجروا بسبب القصف. وأضاف أن المجازر التي وثّقها في كتابه عن حمص بين 2012 و2013، شكلت الاستراتيجية الثانية، حيث شهدت المدينة أكثر من 13 مجزرة في ثلاثة أشهر. وتطرق إلى دور استراتيجية التجويع التي مارسها نظام الأسد، في مناطق مثل مضايا والزبداني وحمص والغوطة، في الهجرة والنزوح، إلى جانب القوانين العقارية الجائرة، من 2011 إلى 2019، مثل القانون 66 والقانون 3.


وأكد بكور أن العنف كان السبب الأساسي للنزوح، لكن فقدان الثقة بمؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية شكّل عاملًا مهمًا أيضًا، مشددًا على ضرورة إعادة بناء العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة. وناقش التوزع الجغرافي للاجئين السوريين، مستندًا إلى إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، التي تشير إلى وجود 3.1 مليون لاجئ في تركيا، 900 ألف في لبنان، 800 ألف في ألمانيا، 600 ألف في الأردن.
وأشاد بكور بقدرة السوريين على التكيّف، حيث أسسوا 10,200 شركة مرخصة في تركيا، باستثمارات تصل إلى 10 مليارات دولار، وفّرت فرص عمل لـ 250 ألف شخص. وأشار إلى نجاح السوريين في ألمانيا، حيث يشكلون 2-3% من الأطباء، واستطاعوا الاندماج في الأحزاب السياسية والبلديات.
وتطرق بكور إلى نوعين من العودة الطوعية: الأولى قائمة على الاختيار الحر، والثانية موجهة سياسيًا من دول اللجوء مثل تركيا ولبنان والأردن، التي اعتمدت سياسات “تسهيل العودة دون فرضها”. وأشار إلى أن 289 ألف لاجئ عادوا من تركيا، وفق إحصاءات وزير الداخلية التركي.
وناقش بكور نظرية “الدفع والجذب”، التي تفسّر العوامل التي دفعت السوريين للنزوح (مثل العنف والتمييز)، والعوامل التي تجذبهم للعودة (مثل تحسّن الأوضاع الأمنية)، إلى جانب نظرية الأمن الإنساني التي تركز على الصدمات النفسية للاجئين.


وأشار إلى أن القوانين العقارية الجائرة (مثل القانون 10) التي استملكت أراضي السوريين، مع غياب سيادة القانون وانتشار الفساد، تعدّ من العوامل المعيقة للعودة، وتطرّق إلى تجربة البوسنة بعد اتفاق دايتون 1995، حيث عاد نصف مليون لاجئ بين 1995 و2000، في حين منعت عوامل سياسية وأمنية وقانونية عودة مليون ونصف آخرين.
واقترح بكور اتخاذ آليات مستلهمة من تجربة البوسنة، تشمل توفير بيئة آمنة، نزع الألغام، سحب السلاح، وإعادة العقارات إلى أصحابها. ودعا إلى تعليق القوانين الجائرة، وإلى إقرار سجل وطني للممتلكات، وتأسيس عدالة انتقالية ترتكز على جبر الضرر. وأوصى بإنشاء وزارة للمهجرين لتنسيق الإغاثة والإسكان والتعليم، مع تبني مناهج تعليمية مرنة تناسب أبناء الشتات، وإطلاق مشاريع اقتصادية تنموية صغيرة لإعادة إدماج العائدين.
واختتمت الندوة بالتأكيد على ضرورة معالجة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، لضمان عودة طوعية آمنة وكريمة للسوريين، مع الحفاظ على إسهاماتهم الثقافية والاقتصادية في دول اللجوء، كجزء من رؤية شاملة لإعادة بناء سورية.
رابط الندوة كاملة: https://www.facebook.com/share/v/16ogQ9myCd/
رابط الدراسة: https://www.harmoon.org/?p=62804