إفراجات عن متورطين بجرائم حرب تثير غضب السوريين

عنب بلدي – حسن إبراهيم
بعد ساعات من توقيفه، أطلقت الحكومة السورية سراح زياد مسوح، أحد قادة ميليشيا “نسور الزوبعة”، الجناح العسكري للحزب “السوري القومي الاجتماعي”، رغم ملفات ثقيلة واتهامات تلاحقه بارتكاب انتهاكات موثقة ضد المدنيين السوريين خلال سنوات الحرب.
الإفراج السريع عن مسوح في بلدة مرمريتا بمنطقة وادي النصارى في ريف حمص، دون إعلان رسمي أو توضيحات عن الأسس القانونية أو السياسية التي اعتمدت للإفراج، خلق حالة غضب في الشارع السوري، وتساؤلات حول مدى التزام الأجهزة الأمنية بمحاسبة المتورطين في جرائم حرب.
مسوح واحد من عدة أشخاص أفرجت السلطات السورية عنهم مؤخرًا، في خطوة يراها سوريون وذوو الضحايا تقوض مسار المحاسبة والعدالة الانتقالية، وتزيد الاحتقان في أوساط السوريين الذين لا يزالون يتطلعون لتحقيق العدالة.
“إفراج وتسويات”
ذكر موقع “زمان الوصل” أن الحكومة السورية أطلقت، في 19 من نيسان الحالي، سراح كل من زياد مسوح وأحمد أنس قلعية بعد ساعات من توقيفهما، رغم تاريخهما الحافل بجرائم موثقة بحق المدنيين في وادي النصارى وحلب.
مسوح، أحد قادة “نسور الزوبعة”، أُفرج عنه في مرمريتا بعد ضغوط حزبية وطائفية، في تجاهل تام لمسؤولياته عن الخطف والقتل في الحصن والزارة.
أما قلعية، فهو ممول “الشبيحة” في حلب، وأُعيد له سلاحه الشخصي بعد إطلاق سراحه بقرار من “جهات عليا”، رغم بلاغات بالقتل والمراباة ضده، وفق الموقع.
كما يتصدر اسم فادي أحمد المعروف باسم “فادي صقر” قائمة المطلوبين شعبيًا للمحاسبة، باعتباره أحد المسؤولين عن مجزرة “التضامن” في دمشق، بعد أنباء عن إجرائه “تسوية” مع السلطات الجديدة، وأنه أحد أعضاء لجنة “السلم الأهلي”، لكن لم تستطع عنب بلدي التحقق من صحة هذه الأنباء.
لفادي صقر تسجيلات مصورة وهو يشرف على إطلاق سراح عدد من المعتقلين من أبناء الساحل السوري وأرياف حمص، في محاولة اعتبرها ناشطون إعادة تلميع لصورته أمام الرأي العام المحلي.
تواصلت عنب بلدي مع مكتب العلاقات العامة في الحكومة السورية للحصول على توضيحات حول آلية إطلاق سراح المتورطين بانتهاكات في سوريا، والإطار القانوني لها، وعن وجود وساطات ورعاية لإطلاق سراح موقوفين ومتورطين، لكنها لم تتلقَّ ردًا حتى لحظة نشر هذا التقرير.
لا استجابة للشكاوى
بالتزامن مع الإفراجات المذكورة وانتظار السوريين إطلاق المحاسبة والبدء ببرنامج العدالة الانتقالية منذ خمسة أشهر، ظهرت حالات تصفية وانتقام وثأر خارج نطاق القانون، لأشخاص اعتبروا الأمر استردادًا للحقوق، وإنصافًا للضحايا.
عبر تسجيل مصور ظهر الشاب حسين النعيمي من مدينة تلكلخ بريف حمص الجنوبي الغربي، معترفًا بقتله لشخص يدعى أسامة أبو منصور، متهمًا الأخير بقتل عمه وعدد من المدنيين قبل سنوات، عبر قنصهم بشكل مباشر.
الشاب حسين قال إنه تقدم بشكاوى متكررة لمدة شهرين لأجل محاسبة أسامة أبو منصور الذي قاتل في صفوف قوات النظام السابق، ولم تحصل استجابة، وفي لقاء بينهما حصلت مشادة كلامية واستفزاز لفظي انتهت بقتل أسامة.
اعتبر الشاب أن قتل أسامة استرداد للحق، متوعدًا بتصفية كل متورط بقتل الأهالي في تلكلخ واعتبارهم هدفًا له، مضيفًا أنه تحت سقف الدولة، لكن لا يسمح بأن تحمي الدولة القتلة، وأنه “لو دفع 5000 دولار لأشخاص بالسياسية لكانوا اعتقلوا أسامة” (في إشارة إلى وجود رشى وواسطات).
ولم يتسنَّ لعنب بلدي التأكد من صحة حديث أسامة ومن حادثة القتل أو هوية الشخص المقتول.
الصحفي السوري حازم داكل، قال عبر “فيس بوك” إنه لا يزال ينتظر استجابة السلطات لشكواه، ومحاسبة قاتل شقيقه عامر، فالقاتل حر طليق في دمشق ومحمي من جهات أمنية، ولم تستطع عائلة داكل تقديم شكوى، بعد تسويف من الشرطة والمحكمة.
يرفض حازم المقيم في السويد فكرة أخذ الثأر في حال عاد إلى سوريا، كي لا يتحول إلى قاتل، ولأنه يريد دولة وقانونًا يحاسب، وسط مخاوف مع غيره من السوريين وذوي الضحايا بفقدان الأمل من تحقيق العدالة، وبدء تحصيل الحقوق بشكل فردي، وبدء الثأر، وانتهاء الدولة.
واعتبر داكل أن العدالة لا يجب أن تكون بندًا مؤجلًا أو وعدًا للمستقبل، لأنها أول خطوة حقيقية لبناء سوريا جديدة، سوريا لا يكون فيها “القاتل فوق القانون ومحميًا، ولا الشهيد مجرد رقم وننساه!”.
أسباب قانونية محتملة
في حديثه لعنب بلدي، أرجع المحامي عبد الرزاق رزوق، إطلاق سراح المتورطين بانتهاكات إلى ثلاثة أسباب، أولها أن غالبية الكوادر القضائية الموجودة حاليًا هي نفس التي كانت موجودة في زمن النظام السابق، وبعضها متورط في دم السوريين وأملاكهم، وبالتالي فإن تطبيق القانون يعني أنهم يحكمون على أنفسهم.
السبب الثاني هو عدم وجود جهة قضائية مختصة، وعدم وجود جسم قضائي للعدالة الانتقالية بقضاة جدد لضمان محاكمة المتورطين بشكل مطابق للقانون، لافتًا إلى أن سوريا اليوم في ظل دولة وليدة ولم يكتمل فيها بناء السلطة القضائية بشكل كامل.
والسبب الثالث، هو عدم توفر الأدلة والإثباتات على بعض المتورطين حاليًا، مضيفًا أن الادعاء الشخصي غير مرتبط بالمحاسبة بشكل جذري، ويمكن للنيابة العامة أن تبادر بمحاسبة المجرمين.
ويرى المحامي أن الأمر لا يثير المخاوف، لكن يتطلب تهيئة جسم قضائي وقوانين خاصة بالعدالة الانتقالية ومحاسبة المجرمين بما يخص الدماء والأموال والأملاك والتهجير وجرائم كثيرة بحق السوريين.
المحامي والمحكم الدولي محمد بنشي، قال لعنب بلدي، إن وجود إعفاءات في زمن النظام السابق ومن الحكومة الحالية ربما حمل تأثيرًا سلبيًا على مسار بعض المحاكمات، لأن لها صدى قانونيًا، لافتًا إلى ضرورة تقديم ادعاء شخصي في حال عدم وجود أدلة كافية على بعض المتورطين.
وتعد عملية العدالة الانتقالية طويلة ومعقدة، إذ تحتاج إلى مدة زمنية لإطلاق المسارات التي تأتي تباعًا، كما تحتاج إلى فترات زمنية للإنجاز، وغالبًا ما تكون فجوة الإنجازات حاضرة، إذ تكون الإنجازات نسبية، مع وجود سمات مميزة لكل تجربة من تجارب العدالة وإسهامات نوعية عبر إعمال التفكير الإبداعي قانونيًا وسياسيًا واجتماعيًا.
وفي إجابته عن سؤال بأن المحاكمات الجنائية ستتم في سوريا على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي، في المحكمة الجنائية الدولية مثلًا، قال رئيس محققي الأمم المتحدة بشأن سوريا الذين يعملون على جمع أدلة عن الفظائع المرتكبة في البلاد، روبيرت بيتي، إن الأمر يعتمد على ما يريده السوريون، هناك آلاف الجناة، وجهاز دولة كامل مخصص لارتكاب الفظائع الجماعية، “إنه تحدٍ لا يصدق لتحديد معنى المساءلة”.
شارك في إعداد التقرير مراسل عنب بلدي في حلب ديان جنباز