تسليم بشار الأسد يطغى على العلاقات بين دمشق وموسكو

عنب بلدي – عمر علاء الدين
في أعقاب زيارة وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إلى موسكو ولقائه بكل من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 31 من تموز الماضي، يتساءل سوريون عبر وسائل التواصل الاجتماعي عما إذا كان الشيباني قد حمل في جعبته إلى موسكو مطلبًا يتضمن تسليم الأسد وأعوانه القابعين في روسيا تحت مسمى اللجوء الإنساني.
الوزير الشيباني وفي مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الروسي، تطرق إلى عدة أمور في سوريا، أبرزها الشراكة مع روسيا في مسار العدالة الانتقالية.
وأعرب الشيباني خلال المؤتمر عن تطلع سوريا إلى تعاون وتنسيق كامل مع روسيا لـ”دعم مسار العدالة الانتقالية فيها بما يضمن إعادة الاعتبار للضحايا”، مشيرًا، إلى أن العلاقات السورية- الروسية تمر بمنعطف “حاسم وتاريخي”، وأن التعاون مع روسيا يقوم على “أساس الاحترام”.
لافروف، قال خلال المؤتمر، إننا نؤمن إيمانًا راسخًا بأن الطريق إلى تطبيع دائم للأوضاع في سوريا يكمن في الحوار الشامل، وتعزيز الوفاق الوطني، والسلم الأهلي، وحماية حقوق جميع فئات المجتمع السوري متعدد الطوائف.
روسيا تتجاهل القضايا الملحّة
لم يتطرق لافروف، خلال المؤتمر، إلى قضية العدالة الانتقالية، أو تسليم الأسد ومعاونيه، للسلطات الروسية، أو إعادة الأصول المالية التي نهبها الأسد ووضعها في البنوك الروسية.
ولم تعلق الخارجية الروسية على تساؤلات عنب بلدي، بشأن ما إذا كانت هناك نية لتسليم بشار الأسد، أو مقربين منه أو إذا جرى نقاش ذلك خلال زيارة الشيباني إلى موسكو.
يعتقد الباحث السياسي الروسي ديمتري بريجع، أن ما عبّر عنه الشيباني حول العدالة الانتقالية يعكس التحول الأعمق في العقل السياسي السوري الجديد، فـ”للمرة الأولى، يخرج مسؤول سوري إلى الخارج ويطالب شريكًا دوليًا كبيرًا مثل روسيا بدعم مسار المحاسبة لا التغطية”.
وصحيح، وفق ما قاله بريجع، أن الشيباني لم يذكر الأسد بالاسم، لكنه لم يكن بحاجة إلى ذلك، فالكلمات كانت دقيقة، محكمة، ورسالتها مفهومة، من ارتكب الجرائم بحق السوريين يجب أن يُحاسب، ومن ساعده يجب أن يختار بين الدفاع عن الشعب أو التواطؤ مع جلاديه.
وهنا تدخل موسكو في لحظة اختبار أخلاقي واستراتيجي معًا، بحسب بريجع، الذي تساءل: هل روسيا على استعداد لتكون جزءًا من المصالحة الوطنية؟ هل تقبل أن تسلّم زمام المبادرة لحكومة تريد بناء شرعية جديدة على أسس القانون والإنصاف؟ أم أنها ستصر على حماية ماضيها على حساب مستقبل علاقاتها في الشرق الأوسط؟
ولا يتوقع المحلل السياسي السوري حسام طالب، أن تسلم روسيا رئيس النظام السابق، بشار الأسد، لدمشق، فطالما أعطته اللجوء الإنساني فهي لا تنوي تسليمه.
بحسب ما قاله طالب لعنب بلدي، ربما تعمل روسيا على مستوى إعادة بعض الأموال المنهوبة من سوريا، أو تجميد عمل الأسد وعائلته وأعوانه وإبقائهم في شبه إقامة جبرية، لكن تسليم بشار الأسد غير متوقع.
وتؤوي روسيا رئيس النظام المخلوع بشار الأسد وعائلته وعددًا من المقربين منه، حيث يتهم السوريون بشار الأسد بأنه المشرف الرئيس على الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحق الشعب السوري، كاستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، والاعتقال والإخفاء القسري بحق الآلاف.
زلة لسان
المستشار المقرب من وزارة الخارجية الروسية رامي الشاعر، يرى أن روسيا أكدت من خلال لقاء الوفد السوري بالرئيس بوتين ووزير الخارجية لافروف، استعدادها لمساعدة سوريا في جميع المجالات حتى تتمكن من البدء بالتعافي الاقتصادي وتتحسن الأوضاع المعيشية للشعب السوري، والتي تشكل العامل الاساسي للاستقرار الاجتماعي، وعودة الحياة إلى وضعها الطبيعي فيما يخص الأمن والاستقرار.
ووفق ما قاله الشاعر لعنب بلدي، فإن روسيا تتفهم مسار العدالة الانتقالية، وأكدت استعداها لمساعدة سوريا، معتقدًا أن هذا ما قصده الشيباني بالتعاون والتنسيق الصادق لمعالجة الأوضاع في سوريا.
فيما يخص إعادة الاعتبار للضحايا، اعتبر المستشار المقرب من الخارجية الروسية، أن هذا التصريح كان “زلة لسان من الشيباني”، على حد وصفه، لأن ذلك “خاص بالسوريين”، ويجب أن تتم تسويته على أساس المصالحة الوطنية لطي صفحة الماضي، والتركيز على الوحدة الوطنية والتخلي عما أسماها “النزعات الطافية والعرقية”، وأخذ مصلحة الشعب السوري عامة بالاعتبار الأول.
وأضاف أنه للأسف إلى الآن كثير من السوريين لم يستوعبوا الدور الذي قامت به روسيا لإنقاذ سوريا من نشوب ما وصفها بـ”حرب أهلية طائفية واسعة” عدة مرات في سوريا.
ويذكر المستشار الشاعر على سبيل المثال، أنه كان من الممكن أن تحدث حرب مدمرة، “فلولا التدخل الروسي سنة 2015 وإقناع فصائل المعارضة المسلحة، التي كانت توجد في ضواحي دمشق، بالانسحاب والانتقال إلى إدلب، لكانت دمشق دمرت”، وفق قوله.
ومرة أخرى أنقذت روسيا سوريا، بحسب ما قاله المستشار رامي الشاعر، “عندما أقنعت موسكو بشار الأسد بمغادرة سوريا والتخلي عن الرئاسة وإعطاء أوامر بحل الجيش السوري (جيش النظام) والأجهزة الأمنية، وعدم خلق معركة مع فصائل المعارضة، وهو ما أدى بالنهاية إلى تفادي حدوث اقتتال سوري- سوري وحرب أهلية طائفية واسعة”.
في 5 من آب الحالي، كشف رئيس “هيئة العدالة الانتقالية” السورية، عبد الباسط عبد اللطيف، أن الهيئة تعمل على بناء جسور مع “الإنتربول” وجميع الهيئات الدولية المعنية، لملاحقة رئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، و”الجناة” من أسرته، وشقيقه ماهر قائد “الفرقة الرابعة” وغيرهم، بالطرق القانونية لتتم محاكمتهم.
ولم يستثنِ عبد اللطيف، خلال حواره مع قناة “العربية”، محاسبة المتورطين من “الميليشيات” العابرة للحدود ومنها أعضاء من “حزب الله” اللبناني، ممن ثبت تورطهم في الدم السوري.
وقاله إن العمل جارٍ على أن يحاسب رموز النظام السابق، الذين ارتكبوا الانتهاكات، وملاحقتهم بالطرق القانونية، وإن كانوا فارين خارج البلاد، وأيضًا محاسبة المجرمين بحق الشعب السوري.
سيناريوهات الموقف
المستشار الشاعر قال إن “روسيا أعطت ضمانات للأسد وأعوانه المقربين المقيمين في روسيا وعائلاتهم للعيش هناك، فعلى أي أساس يمكن أن تخلف روسيا بهذه الضمانات التي قدمتها وتسلم بشار الأسد ومن معه”.
وأشار إلى عدم إمكانية تراجع روسيا عن الضمانات التي قدمتها والتي “أسهمت بإنقاذ سوريا”، على حد تعبيره.
واستغرب الشاعر “عدم استيعاب الكثيرين” مساهمة روسيا بتسلم النظام الجديد الحكم في سوريا بـ”شكل سلمي”، معتبرًا أن المطلوب من السوريين التخلي عن أي نزعات أو أحقاد طائفية، ومن خلال هذا يمكن أن تتمتع سوريا بما سماه بـ”العدالة الوطنية”.
السفير الروسي في بغداد، ألبروي كوتراشيف، قال، في 3 من نيسان الماضي، في مقابلة مع قناة “الشرقية” العراقية، إن بشار الأسد له حق اللجوء في موسكو وتسليمه عير وارد.
كما بيّن أن روسيا لا تشارك في صفقات من هذا النوع، وسقوط بشار الأسد لم يحدث بسبب موقف روسي أو إيراني، بل بسبب الوضع في سوريا وموقف النظام نفسه وبسبب النظام.
ومن شروط إقامة رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، في موسكو ألا يكون له أي نشاط إعلامي أو سياسي، وفق ما سمعه من نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، خلال زيارته إلى العراق.
مصدر روسي تحفظ على نشر اسمه، لمخاوف أمنية، قال لعنب بلدي في وقت سابق، إن مصير بشار الأسد منحصر ضمن عدة سيناريوهات، منها البقاء في روسيا وبقاء الوضع على ما هو عليه، وهو خيار مستبعد، لأنه يعني مشكلات مستقبلية لا تريدها روسيا مع سوريا، لأنها ستهدد مصالحها بطبيعة الحال.
وهناك سيناريو آخر قريب من مصير يفغيني بريغوجن (قائد قوات “فاغنر” سابقًا، توفي بسقوط طائرته في آب 2023)، أو المعارض الروسي أليكسي نافالني (توفي بوعكة صحية في سجنه بروسيا في شباط 2024)، فمن الممكن تدهور حالته الصحية، وهذا أمر يحل جزءًا من المشكلات العالقة بين روسيا وسوريا، مع استبعاد سيناريو تسليم الأسد لدمشق، لأن هذه الحالة ستترك انطباعًا بأن موسكو تخون حلفاءها.
ولروسيا تاريخ طويل في تصفية واغتيال شخصيات سياسية شكّلت قلقًا وتهديدًا لمصالحها في وقت ما، ومنها اغتيال العميل الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو في لندن، عام 2006، بعد أيام من تسممه بمادة اليورانيوم المشعة.
المصدر بيّن أن “كل أوراق بشار الأسد السياسية باتت محروقة، والسيناريو الأقرب أمام الأسد، هو الاغتيال”، فتسليمه يعني أن الأنظمة التي تتعاون معها روسيا ستخشى التعامل مع روسيا، وسيضر ذلك بسمعة روسيا، ويذكّر بمصير القذافي وصدام حسين، صديقي روسيا السابقين، وروسيا لا ترغب بفتح دفاتر الماضي، مع الإشارة إلى تقلبات في السياسة الروسية، واحتمالية تحقيق تحولات في هذه السياسة حتى 2030، وإذا بقي الأسد حيًا حتى ذلك الوقت فقد يجري تسليمه.