الأخبار المحلية

مفتاح بلا باب.. قصص العائدين إلى منازل لم تعد موجودة

Reading Time: 1 minute

مشت لبنى لباد وسط أرض قفر سويت البيوت فيها التي كانت تعود لجيرانها بالأرض، والمبنى الوحيد الذي ظل قائماً هو المسجد، والذي علقت على جداره الخارجي عبارة كتبت من سنين عندما سلم الثوار المنطقة للنظام البائد خلال الحرب السورية، جاء في تلك العبارة: “سامحونا يا شهداء”.

يحاول الآن معظم أهالي حي القابون الدمشقي أن يرجعوا إليه، مثلهم مثل لبنى وزوجها دعاس وابنهما البالغ من العمر ثماني سنوات، إذ بعد أن وضعت الحرب التي امتدت لثلاثة عشر عام أوزارها فجأة عند طرد بشار الأسد في كانون الأول، زالت على حين غرة خطوط الجبهات المجمدة التي كانت تقسم البلد.

تعلق لبنى، 26 عاماً، على ذلك بقولها: “كنا ننتظر هذه اللحظة حتى نرجع”.

مايزال بيتهم قائماً، إلا أنه جرد من الأنابيب والأحواض بل حتى من مآخذ الكهرباء التي سرقها عسكري أخبرها جيرانها بأنه بقي في بيتها يقيم هو وأسرته طوال سنوات، ومع ذلك تعتبر أسرة لباد محظوظة أكثر من أسر كثيرة غيرها عادت فلم تجد سوى الركام مكان بيوتها.

A man and woman walking among cinder block gravesites in a dirt-covered area.

أجبر النزاع السوري أكثر من 13 مليون إنسان على النزوح ضمن ما وصفته هيئة الأمم المتحدة بإحدى أكبر أزمات النزوح في العالم، فقد رحل أكثر من ستة ملايين سوري عن البلد، وهنالك سبعة ملايين نزحوا في الداخل، بينهم لبنى وأسرتها.

234

في مقابلة أجريت في شهر كانون الثاني، أعلن الرئيس السوري، أحمد الشرع، عن ثقته بأنه سيتمكن السوريون الموجودون في الخارج من العودة إلى بلدهم في غضون سنتين. بيد أن الحرب استمرت لفترة طويلة دفعت بالناس إلى تأسيس حياة جديدة لهم بعيداً عن وطنهم.

وحتى الآن، لم يتضح عدد من عادوا إلى سوريا، لأن معظمهم أتوا ليروا ماذا حل ببيوتهم وبلدهم، لكن قرار العودة بشكل دائم ليس باليسير، خاصة إن لم يعد لدى المرء أحد أو مكان ليعود إليه. ولهذا فضل كثيرون البقاء على حالهم في الوقت الراهن، بينهم أهل المخيمات التي لما تفرغ من سكانها في تركيا والأردن، وأخذوا يراقبون ما الذي يجري في سوريا.

بيوت مدمرة وتحديات كبيرة

في سوريا هنالك نحو 328 ألف بيت تعرض إما لأضرار أو لتدمير شديد، وذلك بحسب تقرير أصدرته الأمم المتحدة عام 2022، وهنالك ما بين 600 ألف إلى مليون بيت تعرض لتدمير متوسط أو طفيف. وقد أجري هذا التحليل قبل وقوع الزلزال المدمر في شمال شرقي سوريا عام 2023 والذي تسبب بانهيار مزيد من المباني وبتدمير مبان أخرى.

An open shop amid heavily damaged buildings.

 

لم ترد وزارة الإسكان التابعة للحكومة على الأسئلة التي طرحت عليها حول ما تخططه لتسهم في إعادة إعمار البلد، أما الحكومة فتواجه مجموعة من التحديات بعد سقوط الأسد، بدءاً من الفراغ الأمني مروراً بالاقتصاد الذي يعيش حالة من الفوضى، وصولاً إلى التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري.

أما شبح العنف الطائفي فقد بات يلوح مع حدوث موجة الاضطرابات التي وقعت مؤخراً وقتل خلالها المئات في منطقة الساحل، معظمهم مدنيون قتلوا على يد قوات تابعة للحكومة بحسب ما ذكرته إحدى المنظمات التي ترصد الحروب وتراقب تطورها.

وحتى بالنسبة لمن عادوا إلى بيوتهم، فقد تبددت فرحتهم بسبب الدمار الذي لحق بتلك البيوت، إذ بحث الناس عن مفاتيح بيوتهم التي خبأوها منذ أمد بعيد، “لكنهم أتوا ولم يجدوا بيوتهم” كما أخبرنا دعاس، 33 عاماً.   

في مطلع شهر كانون الأول الماضي، وفي اليوم التالي لسقوط الأسد، لم تضع أسرة لباد أي وقت بل استأجروا حافلة لتنقلهم برفقة أصدقاء لهم من إدلب في شمال غربي سوريا إلى حيهم الذي غادروه في عام 2017، ولكن بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على ذلك، لم يستقر أي منهم حتى الآن.

A man and three boys play soccer in an open area beside rows of heavily damaged buildings.

 

خلال الأيام الماضية، ركب دعاس قفلاً لباب الدار الذي ظلوا طوال أسابيع يقفلونه بواسطة سلك معدني طويل يدخلونه في ثقب الباب. أما العسكري الذي أقام في شقتهم الكائنة في الطابق الثالث فقد جردها من كل شيء، وترك لهم على الجدار كلمة “أحمد” كتبت بلون أزرق براق، ويعتقد أهل ذلك البيت بأن هذا الاسم يعود لابن ذلك العسكري.

تعلق لبنى على الوضع بقولها: “لو كان لدينا مال لأصلحنا كل شيء على الفور، لكننا لا نملك المال”.

كان دعاس عاملاً مياوماً عندما كانوا يعيشون في إدلب، وعند عودتهم إلى حيهم، صار يعمل في مجال الأمن مع الحكومة الجديدة، لكنه لم يحصل هو وأي من ضباط الأمن من زملائه على أي راتب حتى الآن.

“المهم أننا عدنا”

في الشارع القريب، عادت خلود الصغير، 50 عاماً، برفقة ابنتها وحفيدتها ليعاينوا وضع بيتهم، فاكتشفوا بأنه لم يتبق منه سوى حائط واحد، تعلق خلود على ذلك بقولها: “سأنصب خيمة وأنام هنا”، وتتعهد بإعادة بناء البيت وهي تقول: “أهم شيء أني عدت إلى بيتي”.

فضل آخرون غير خلود أن يعودوا إلى بيوتهم هم أيضاً، مهما بلغ حجم الدمار الحاصل فيها، إذ بقي سمير جالوت، 54 عاماً، طوال أشهر ينام على مرتبة رقيقة ملتحفاً ببطانيتين في زاوية الغرفة الوحيدة التي لم تصب بسوء ضمن ما كان في يوم من الأيام شقة تعود ملكيتها لأخيه المرحوم، وذلك بمخيم اليرموك في دمشق. وبجانب سريره المؤقت نصب مدفأة تعمل على الحطب و”بابوراً” يعمل على الغاز.

567567

ماتزال النافذة مكسورة، لكنه سد ثقبين في الجدار تسببت بهما قذيفة دبابة على أغلب الظن كما قال لنا، وتنتشر على الجدران الفتحات التي خلفتها طلقات الرصاص، لكنه ظل يعمل ببطء على إصلاح الأمور، وإخلاء الردم والركام مع محاولة تشييد جدران جديدة حتى تتمكن زوجته وأولاده الخمسة من الالتحاق به.

تقع تلك الشقة المدمرة بشكل جزئي في الطابق الثاني من البناء المؤلف من أربعة طوابق والذي تعود ملكيته لأهله في مخيم اليرموك، تلك المنطقة التي بدأت كمخيم للاجئين الفلسطينيين الذين رحلوا عن بيوتهم في حرب عام 1948 بسبب تشكيل دولة إسرائيل. غير أن الحرب السورية حولت البناء إلى مبنى مؤلف من طابق ونصف فحسب.

يحيط بذلك الحي بحر من المباني ذات اللون الرمادي التي فقدت طوابق وأسطحاً وجدراناً، كما نهبت معظم البيوت منذ أمد بعيد، فلم يتبق في أي غرفة مفتوحة سوى كومة من الركام ذي اللون الرمادي.

بملابسه التي يكسوها الغبار وتغطيها بقع الإسمنت يخبرنا سمير بأن هذا البيت هو البيت الذي تزوج وأنجب أولاده فيه، ويضيف: “لدي ذكريات جميلة هنا، حيث كان أبي وأمي يعيشان معي”.

ويقف بالقرب منه ابن عمه أغيد جالوت، 41 عاماً، وهو مهندس طيران، غزا الشيب لحيته المهذبة، وقد عاد قبل أيام ليزور بلده بما أنه يقيم في السويد حيث استقر هو وأسرته، لكنه رفع رأسه نحو السماء وقال: “هذه الشمس تعادل أوروبا بما فيها”.

منذ فترة قريبة، اتصل به جاره الذي يقيم في كندا حالياً وأخبره بأنه يخطط للعودة، وكذلك قرر اثنان من جيرانه، أحدهما نزح إلى لبنان والثاني في الداخل السوري، والآن، قرر جالوت العودة إلى سوريا هو أيضاً، وهذا ما دفعه إلى القول: “إن لم أعد أنا ولم يعد الآخرون، فمن الذي سيعيد بناء هذا البلد؟”

 

المصدر: The New York Times

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى