ابداعات

صنع الله إبراهيم… الموت يطوي مسيرة أديب حر بوجه الاستبداد – S A N A

Reading Time: 1 minute

دمشق-سانا

تمثل التجربة الأدبية عند الروائي المصري الراحل صنع الله إبراهيم أحد النماذج الناصعة، التي تماهى فيها موقف الأديب السياسي والاجتماعي مع نتاجاته الإبداعية، إذ عكس أدب إبراهيم موقفه ونظرته للحياة، وميله الحاد للانتقاد، وتجديده الملموس في الصياغة والسرد، وسعيه للتجريب.

من “تلك الرائحة” كانت البداية

لعل إبراهيم كان من أوائل الأدباء العرب الذين كتبوا تجربتهم في سجون الرأي، حيث اعتقل على خلفية انتماءاته السياسية عام 1959، وتنقل بين عدة معتقلات، ليكتب بعد خروجه من المعتقل عام 1965 نتاجه الأدبي الأول، وهو عبارة عن مجموعة قصصية بعنوان “تلك الرائحة”، دوّن فيها تفاصيل السنوات الست التي قضاها بالمعتقل، والفترة التي عاشها بعيد خروجه من السجن.

المجموعة التي ضمت قصص (تلك الرائحة، والثعبان، وأرسين لوبين، وبعد الظهر عبر ثلاثة أسرة، وأغاني المساء، وأبيض وأزرق) لم تصل إلى الجمهور كما يجب، إذ تمت مصادرة طبعتها الأولى، وكان على إبراهيم الانتظار حتى عام 1986 ليتمكن من طباعتها كاملة.

ورغم ذلك لا تزال تلك المجموعة تنضح بالطزاجة، لأنها تعبر عن روح الإنسان المنهزم المكسور، كما نجد ذلك في قصة تلك الرائحة التي تحدثت عن المعتقل الذي يخلى سبيله فلا يجد أحداً من عائلته أو معارفه يرغب في استقباله، فيعود إلى المعتقل مرة أخرى، لأنه لم يجد مكاناً يؤويه.

التجربة الأهم… عالم الرواية الفسيح

لا تنتمي تجربة إبراهيم في الرواية إلى مدرسة بعينها، إذ كان حاذقاً جداً في الصنعة الأدبية واختبار تقنيات غير مألوفة بالسرد الأدبي، مع كل عمل من رواياته ال 15، وصولاً إلى روايته الأخيرة” 1970 ” التي صدرت عام 2020، وهو على مشارف الثمانينيات، حيث تناول فيها العام الأخير من حياة الرئيس جمال عبد الناصر مستخدماً تقنية الكولاج، من خلال دمج السرد مع مقتطفات متنوعة من الصحف، كالإعلانات والأخبار المحلية والثقافية والاقتصادية، كذلك استخدم ضمير المخاطب لبناء حوار مباشر مع شخصية عبد الناصر.

وفي روايته “أمريكانلي” التي بنى عنوانها من تورية واضحة (أمري كان لي)، وأصدرها عام 2003، بنى مشهديتها من فصل مدرسي في جامعة بمدينة سان فرانسيسكو بين أستاذ مصري وطلاب يمثلون التنوع العرقي بالمجتمع الأمريكي، ليوصل إلى القراء فكرته عن حقيقة المجتمع الأمريكي، والتفاوت الطبقي الشديد بين أفراده.

أما روايته الأشهر “التلصص” فهي حدث أدبي بحد ذاته، لكون بطلها طفلاً في الخامسة لا نعرف اسمه أبداً حتى نهاية الرواية، لكنه شاهد يروي ببراءة وفضول قصص العالم من حوله، وحياة الناس في الحارة، والسوق، والمسجد، والبيت، حيث يواصل التلصّص من شقوق الأبواب إلى أحاديث الكبار بين بعضهم، وأفعالهم، لينقل لنا إبراهيم من خلاله الحقائق المرّة عن المجتمع وحياة الناس التي تمتلئ بالنفاق والزيف.

وداعاً صنع الله إبراهيم

حياة إبراهيم التي انتهت برحيله في الـ 13 من آب الحالي، لا تمثل تجربة أدبية مهمة فحسب، بل هي سيرة أديب تماهى مع قيم عليا تمناها من غير أن يجدها، فجند قلمه سلاحاً يحارب من خلاله الفقر والخيانة والفساد، وتطلع من خلاله للعدل والحرية، ودافع عن المهمشين.

بصمة صنع الله إبراهيم في الأدب العربي

ولد الروائي المصري الراحل صنع الله إبراهيم عام 1937، ليترك بصمةً لا تُمحى في المشهد الأدبي العربي، إذ يُعد أحد أبرز الروائيين المصريين والعرب الذين ارتبطت أسماؤهم ارتباطاً وثيقاً بالثقافة والسياسة، وقد حصد خلال مسيرته الأدبية الحافلة عدة جوائز مرموقة، تقديراً لمساهماته القيمة في الأدب العربي، ومن أبرز رواياته: “بيروت بيروت”، و”نجمة أغسطس”، و”اللجنة”، و”شرف”، و”الجليد”، و”ذات”.


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى