ابداعات

خان أسعد باشا… رحلة في قلب التاريخ وعراقة العمارة الدمشقية – S A N A

Reading Time: 2 minutes

دمشق-سانا

من صخب الشوارع وضجيج الحياة اليومية، يأخذك خان أسعد باشا إلى عالم مختلف من السكينة والهدوء، حيث يلتقي الجمال الكلاسيكي بالعمق التاريخي، لتستقبلك كل من زهرة اللوتس في مدخله، والجدران الحجرية الموشاة بالأبيض والأسود، وتدعوك إلى رحلة من التأمل بين جدران تحمل عبق الماضي.

من أفخم خانات دمشق وأكبرها مساحة

يُعد خان أسعد باشا الذي شيده والي دمشق أسعد باشا العظم عام 1751، بعد أربع سنوات فقط من بناء قصر العظم، من أفخم الخانات الدمشقية وأكثرها رحابة، حيث أُنشئ على مساحة 2500 متر مربع في قلب سوق البزورية، إلى الجنوب الشرقي من الجامع الأموي، وذلك بحسب مديرة متحف الخان في دمشق نوار السالم التي أشارت خلال حديثها لـ سانا إلى أن الغاية من بنائه كانت تجارية، حيث شكل محطة رئيسية للتجار القادمين عبر طريق الحرير وهم يحملون معهم البضائع من توابل ومجوهرات وأقمشة، ومن هنا جاء الاسم، إذ تعني كلمة “خان” النزل أو المبيت المخصص للتجار.

مكونات الخان ووظيفته التجارية

يتألف خان أسعد باشا من طابقين، يضم الطابق الأرضي 40 غرفة فسيحة استُخدمت مكاتب للتجار ومستودعات لتخزين البضائع، بينما يحوي الطابق العلوي 44 غرفة كانت بمثابة منامات للتجار والزوار، وتطل كل جهة من جهات الخان على الباحة الوسطى بثلاث شرف، بينما خُصصت غرفة ذات مكانة مميزة في الطابق العلوي لـ”الخانجي” وهو مدير الخان والمشرف على تنظيم شؤونه، ومراقبة حركة دخول وخروج القوافل التجارية بحسب السالم.

تحفة معمارية فريدة الطراز

يتميز الخان ببنائه المربع الذي تتوسطه باحة رحبة تتلألأ في قلبها بحرة مضلعة محاطة بأربعة أعمدة ضخمة تحمل ثماني قباب هندسية، صممت لتوزيع الضوء والصوت بطريقة مثالية، أما القبة التاسعة فتتمركز فوق البحرة، لتكون نافذة على السماء في ليالي الصيف ومصدراً لمياه الأمطار شتاءً وفق السالم.

وتابعت السالم: تزيد الواجهة الرئيسية للخان روعةً وجمالاً ببوابتها الخشبية الضخمة المصفحة بالحديد، وعلى جانبيها سبيلا ماء وثلاثة أعمدة حجرية تعلوها مقرنصات مزينة بكتابات وزخارف خطية مميزة.

الدور التجاري والاقتصادي

منذ افتتاحه كان خان أسعد باشا مقصداً رئيسياً للقوافل التجارية القادمة إلى دمشق، حيث تُفرغ البضائع في ساحته المركزية ليجري فرزها وعرضها وبيعها بطريقة جذابة، وفق السالم، التي بينت أن الخان شكل قلباً نابضاً للتبادل التجاري لسنوات عديدة، قبل أن يتعرض لأضرار بالغة جراء الزلزال الذي ضرب دمشق عام 1759، ما أدى إلى تدمير أجزاء واسعة منه، ومع ذلك استمر في أداء دوره حيث استخدم لاحقاً مستودعاً لبضائع تجار سوق البزورية المجاور.

أعمال الترميم والحفاظ

مع حلول عام 1980، استملكت المديرية العامة للآثار والمتاحف الخان لتبدأ رحلة طويلة من الترميم والصيانة بهدف الحفاظ على هذا المعلم الأثري، فقد جرى ترميم الأرضيات والأعمدة والأبواب والبحرة المركزية، إضافة إلى الواجهة الحجرية الشهيرة خلال العام الماضي والتي تعد من أجمل واجهات المباني التراثية الدمشقية، كما تواصل المديرية، بحسب السالم، تنفيذ أعمال الترميم بشكل دوري للحفاظ على القيمة التاريخية والجمالية للخان.

خان أسعد باشا اليوم فضاء للثقافة والفن

بعد أن كان مقراً للتجار، أصبح خان أسعد باشا اليوم متحفاً مفتوحاً للزوار والوفود السياحية، وفضاءً يحتضن فعاليات ثقافية وأدبية وفنية متنوعة، حيث بينت السالم أن في أروقته وباحته المركزية تقام الأمسيات الشعرية والعروض الموسيقية والمعارض الفنية، إضافة إلى حفلات خاصة ومناسبات اجتماعية، مشيرةً إلى أن أعداد الزوار ازدادت بشكل ملحوظ بعد التحرير، وتحول الخان إلى مقصد لكل من يرغب في التعرف على عبق التاريخ الدمشقي.

تحفة تتوارثها الأجيال

خان أسعد باشا ليس مجرد مبنى أثري، بل هو شاهد حي على تاريخ دمشق الاقتصادي والثقافي، ورمز من رموز حضارتها العريقة، فهو المكان الذي يختصر رحلة قرون من التبادل التجاري، ويحمل بين جدرانه قصص قوافل عبرت، ولقاءات تجار من الشرق والغرب، ليبقى حتى اليوم منارة ثقافية وسياحية تضيء وجه العاصمة السورية.


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى