الأخبار المحلية

بعد تطبيع دمشق وواشنطن.. “قسد” بين فقدان الذريعة واقتناص الفرصة | سياسة

Reading Time: 1 minute

في لحظة وُصفت بالتاريخية التقى الرئيس السوري أحمد الشرع بنظيره الأميركي دونالد ترمب في العاصمة السعودية الرياض، في أول قمة مباشرة بين زعيمي البلدين منذ 25 عاما وبعد أكثر من عقد من القطيعة والعداء.

وسبق اللقاء -الذي جاء تتويجا لمحادثات خليجية وتركية مكثفة- إعلان مفاجئ من الرئيس ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سوريا.

هذا التحول الجذري في العلاقات بين الطرفين لا يحمل أبعادا دبلوماسية فقط بحسب مراقبين، بل يفتح الباب أمام تغييرات جوهرية في خريطة النفوذ داخل سوريا.

كما يثير التساؤلات بشأن مصير القوى المحلية التي نشأت وتوسعت في ظل الفراغ السياسي والعسكري خلال سنوات الثورة، وفي مقدمتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الحليف الأبرز لواشنطن.

لقاء يجمع سمو ولي العهد والرئيس الأمريكي والرئيس السوري <a class=

قسد بعد تفكك المرجعية

تجد “قسد” نفسها أمام واقع جديد يتجلى في تراجع الدعم الأميركي وتصاعد الحضور الرسمي للدولة السورية بعد عودة دمشق إلى المشهد الإقليمي والدولي، وتطرح تساؤلات عن الموقف المستقبلي لحليفتها واشنطن منها، وعن الدور الذي يمكن أن تقوم به في المرحلة المقبلة.

وفي ظل هذا الانفتاح الأميركي المتسارع على دمشق تلقت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضربة إضافية بإعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه رسميا في 12 مايو/أيار الجاري استجابة لدعوة زعيمه عبد الله أوجلان، في قرار يشمل كافة أفرع وامتدادات الحزب بالمنطقة.

هذا التزامن يضع قسد أمام معادلة معقدة، إذ يبدو واضحا أن واشنطن تعيد تموضعها السياسي في سوريا، في حين تتفكك المدرسة الأم التي منحت قسد شرعيتها الأيديولوجية على مدار السنوات الماضية، مما يضيّق خياراتها ويهدد بزعزعة موقعها في المشهد السوري المقبل.

ويرى مراقبون أن ما يزيد تأثير هذين العاملين على قسد هو الدعوات التي تتصاعد داخل الأوساط السياسية السورية لإعادة دمج قسد ضمن مؤسسات الدولة، بما يعيد بسط السيادة على مناطق شمال شرق البلاد، وذلك تنفيذا للاتفاق الذي تم توقيعه بين الرئيس الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في 10 مارس/آذار الماضي.

وفي هذا السياق، يرى الباحث بالشؤون الأمنية والعسكرية عمار فرهود أن قرار التطبيع الأميركي سيكون ذا بعد سياسي على قسد، بمعنى أن الإدارة الأمريكية اعترفت بشرعية الحكومة الجديدة في دمشق وأحقيتها في بسط سيطرتها على كامل التراب السوري.

وهذا يعني -بحسب حديث فرهود للجزيرة نت- دفن أحلام قسد في إنشاء حالة سياسية خاصة بها في سوريا من خلال استغلال دعم الحليف الأميركي لإجبار دمشق على القبول بحالة من الحكم الذاتي أو اللامركزي الخاص بـ”قسد”.

من جانبه، يرى الباحث والكاتب الصحفي فراس علاوي في حديثه للجزيرة نت أن حل حزب العمال الكردستاني سينعكس مباشرة على القوى الكردية في سوريا -وعلى رأسها “قسد” وحزب الاتحاد الديمقراطي- نظرا لأنه يعد الحليف الأبرز لهما، وسيؤثر ذلك سلبا على موقف قسد التفاوضي مع الحكومة السورية.

تلاشي ذريعة الدور الأمني

لطالما شكلت محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وإدارة مراكز احتجاز مقاتليه المبرر الأبرز لبقاء “قسد” لاعبا أمنيا في شمال شرق سوريا من جهة، ولتأمين الدعم والشرعية الإقليمية والدولية من جهة أخرى، لكن مع انفتاح واشنطن على دمشق واشتراطها تسلّم الدولة السورية هذا الملف كجزء من ترتيبات التطبيع يبدو أن ذريعة الدور الأمني تقترب من نهايتها.

وكان من ضمن المطالب التي قدمها ترامب إلى الشرع خلال اجتماعهما في الرياض مساعدة الولايات المتحدة على منع عودة ظهور تنظيم الدولة، وتولي مسؤولية مراكز احتجاز مقاتلي التنظيم في شمال شرق سوريا، إلى جانب مطالب أخرى، وفقا لبيان صادر عن البيت الأبيض.

وتعليقا على هذا الموضوع، يشير السياسي الكردي عبد الله كدو إلى أن علاقة الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية مع قسد لم تكن علاقة سياسية، بل عسكرية فقط قائمة على أساس مكافحة تنظيم الدولة.

وبناء على ذلك، يوضح كدو في حديثه للجزيرة نت أنه إذا ما توافرت للولايات المتحدة بدائل أفضل فلن تتردد في اعتمادها.

ويتابع أن البديل أصبح واضحا بعد الانفتاح الأميركي على الحكومة السورية الجديدة على الرغم من وجود الكثير من الأسئلة لدى واشنطن بشأن سلوك هذه الإدارة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية والإعلان الدستوري والإجراءات التي تشهدها بعض مناطق الأقليات.

وفي خطوة يراها مراقبون أنها تهدف إلى التأكيد على استمرارية الدور الذي أوجدت من أجله أعلنت “قسد” في  15 مايو/أيار القبض على 10 عناصر من تنظيم الدولة خلال عملية أمنية نفذتها شرقي محافظة دير الزور.

ويبلغ عدد المحتجزين في سجون قسد نحو 42 ألفا و500 فرد، بعضهم له صلات مزعومة بتنظيم الدولة، ويشمل ذلك 17 ألفا و700 مواطن عراقي و16 ألفا و200 مواطن سوري، فضلا عن 8600 مواطن من بلدان أخرى، وذلك بحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة في 10 فبراير/شباط الماضي.

قسد قد تسعى إلى استثمار علاقتها مع واشنطن كورقة ضغط للتفاوض مع الدولة السورية بحسب مراقبين (الفرنسية)

هل يتحول التطبيع إلى فرصة؟

رغم ما يبدو من أن التطبيع الأميركي مع دمشق يشكل ضغطا كبيرا على “قسد” فإن الأخيرة قد لا تنظر بالضرورة إليه كتهديد مباشر، بل كفرصة محتملة لإعادة التموضع داخل الدولة السورية، فقسد -التي نسجت خلال سنوات الحرب شراكة وثيقة مع الولايات المتحدة- تدرك أن واشنطن لن تفرط بسهولة في أحد أبرز حلفائها الميدانيين في محاربة تنظيم الدولة.

ومن هذا المنطلق، يرى مراقبون أن قسد قد تسعى إلى استثمار علاقتها مع واشنطن كورقة ضغط للتفاوض مع الدولة السورية، بحيث تضمن لها تمثيلا أو دورا داخل المؤسسات الأمنية أو الإدارية، في إطار تسوية سياسية شاملة ترعاها الولايات المتحدة بشكل غير مباشر.

ولتوضيح ذلك، يقول السياسي كدو إن الولايات المتحدة تجد لزاما عليها الوفاء لحليفتها قسد لجهة ممارسة الضغط اللازم على دمشق من أجل منحها بعض الخصوصيات حتى لا يقال عن إدارة الرئيس ترامب إنها كررت عدم الوفاء والتخلي عن حلفائها كما جرى مع إدارة الرئيس السابق جو بايدن مع حلفائها في أفغانستان.

أما الباحث فرهود فيرى أنه من المحتمل أن يكون ضمن الشروط الأميركية على الإدارة السورية لرفع العقوبات التعاون بين دمشق وقسد في مكافحة الإرهاب، خاصة أن واشنطن تصرح باستمرار بأن قسد هي شريك موثوق في مكافحة الإرهاب.

وبناء على ما سبق، يُتوقع أن تستثمر قسد هذا التوجه من أجل تقوية موقفها التفاوضي مع الإدارة في دمشق لعلها تفرض على الإدارة الجديدة بعض النقاط التي تصب في صالحها على المستويين الأمني والسياسي، يضيف فرهود.

يشار إلى أن قائد قسد مظلوم عبدي رحب باللقاء الذي جمع ترامب بالشرع في العاصمة السعودية الرياض، ووصفه في تصريح لموقع “نورث برس” المحلي بأنه “فرصة مهمة تمهد الطريق أمام مرحلة جديدة من الحوار البنّاء، بما يخدم إعادة الاستقرار والسلام إلى سوريا”.

وكانت واشنطن من الدول الداعمة لاندماج قسد ضمن الحكومة الجديدة، إذ أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في تصريحات صحفية بأن بلاده ترحب بالاتفاق بين قسد والحكومة السورية، مشيرا إلى أن هذا الاتفاق يضمن انتقالا سياسيا غير طائفي ويسهم في منع المزيد من النزاعات، مؤكدا التزام الولايات المتحدة بدعم هذا المسار.

أنقرة تراقب وتضغط

وفي الوقت الذي ترى تركيا أن هذا الانفتاح الأميركي قد يعزز مركزية الدولة السورية لكنها تخشى في الوقت ذاته من أن يؤدي إلى تسوية تبقي قسد جزءا فاعلا من الخارطة الأمنية والإدارية في الشرق السوري، وهو ما يشكل بالنسبة لتركيا خطا أحمر لا يمكن تجاوز في أي تسوية تتعلق بمستقبل قسد.

وفي سياق متصل، أكد منسق الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك خلال جلسة في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في أبريل/نيسان الماضي التزام بلاده بمنع عودة تنظيم الدولة، وقال إن “هذا يتطلب استمرار التنسيق مع شركائنا في شمال شرق سوريا، مع الأخذ في الاعتبار الهواجس الأمنية لدول الجوار، خاصة تركيا”.

من جانبه، رجح الباحث السياسي الكردي أسامة شيخ علي أن تركيا تقوم بدلا من ممارسة الضغط على الولايات المتحدة لإيقاف دعمها لقوات قسد بفتح قنوات التواصل بين دمشق وواشنطن، لأنها أدركت أنه إذا كانت السلطة المركزية أقوى وتم الاعتراف بها من واشنطن والدول العربية فإن ذلك يعني انتهاء الحاجة لدور قسد في سوريا.

وعلى هامش الاجتماع غير الرسمي لدول الناتو في 15 مايو/أيار الجاري احتضنت ولاية أنطاليا جنوبي تركيا اجتماعا ثلاثيا ضم وزراء الخارجية التركي هاكان فيدان والسوري أسعد الشيباني والأميركي ماركو روبيو، وخلال الاجتماع أكد فيدان أهمية استمرار الولايات المتحدة في الانخراط بالتعامل مع الإدارة السورية.

وتعكس هذه التصريحات -بحسب شيخ علي- سعي تركيا إلى تقليل دور قسد كقوة مستقلة في شمال شرق سوريا عبر تعزيز سلطة الدولة السورية التي تعتبرها أنقرة الضامن الوحيد لاستقرار المنطقة ومنع التهديدات الأمنية التي تربطها بقسد وتنظيم الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى