المقالات

جنوب سورية: التحركات الإسرائيلية والتوازنات الإقليمية

Reading Time: 1 minute

يشهد الجنوب السوري تحولات عدة، على وقع تغيّرات المشهد الداخلي في سورية والتدخلات الخارجية، فبعد سقوط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024، بدأت إسرائيل تتّخذ مواقف وتصريحات علنية حيال الوضع في جنوب سورية، وقد ركّزت على مصير الطائفة الدرزية هناك، ومنها تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بضرورة الإبقاء على الجنوب السوري “منطقة منزوعة السلاح”، وعدم السماح بأي تهديد “للدروز” في سورية، مشددًا على وضع “خطوط حمراء استراتيجية” إسرائيلية جديدة في ظل الواقع الميداني المستجد. وتحمل هذه التصريحات أبعادًا استراتيجية وسياسية واضحة، إذ تعكس سعي إسرائيل لمنع ترسخ قوى معادية (بحسب تصنيفها) على مقربة من حدودها الشمالية، إلى جانب إبراز نفسها كطرف حامٍ للمكون الدرزي في سورية.

وترافق ذلك مع تكثيف الضربات الإسرائيلية داخل سورية، وانتشار قواتها في مناطق حدودية[1]، في مؤشر على تغيير قواعد الاشتباك التي اتبعتها إسرائيل طوال سنوات الثورة السورية. وعلى الصعيد السياسي، أثارت هذه المواقف الإسرائيلية ردود فعل سورية وإقليمية، إذ اعتبرت حكومة دمشق وحلفاؤها تلك التصريحات استفزازية وأنها تمسّ بسيادة سورية، مطالِبين المجتمع الدولي بوضع حدّ للانتهاكات الإسرائيلية.

  • التصريحات الإسرائيلية حول “دروز” سورية:

بعد سقوط نظام الأسد، صدرت عن القيادات الإسرائيلية تصريحات عدة، أبرزها إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 21 شباط/ فبراير 2025 أنّ القوات الإسرائيلية ستبقى منتشرة على الجانب السوري من جبل الشيخ، وفي منطقة الفصل الحدودية، ولن يُسمح لقوات الجيش السوري الجديد أو لعناصر هيئة تحرير الشام بالتموضع جنوب دمشق[2]، وأنه لن يتسامح مع أي تهديد يطال الطائفة الدرزية[3]. كذلك حذر وزير الدفاع الإسرائيلي من أن أي محاولة من قوات السلطات السورية الجديدة للتمركز بالقرب من المنطقة المنزوعة السلاح ستُواجَه بالنار، مشيرًا إلى أن إسرائيل لن تسمح بتكرار تجربة جنوب لبنان في الجنوب السوري.

جاء هذا الموقف الإسرائيلي بالتزامن مع أحداث مدينة جرمانا (جنوب شرقي دمشق)، حيث وقعت في يومي 1 و2 آذار/ مارس 2025 توتّرات أمنية كبيرة، وذلك إثر اشتباكات اندلعت بين قوات الأمن ومسلّحين محلّيين من أبناء جرمانا من الدروز​[4]. وهنا أصدر نتنياهو توجيهات للجيش الإسرائيلي بالاستعداد للقيام بعمل عسكري لحماية الدروز في جرمانا، بذريعة تعرّضهم لهجوم من القوات السورية​[5]. هذا التهديد للمرة الأولى يشير إلى استعداد إسرائيل لتدخل عسكري مباشر داخل العمق السوري، تحت عنوان حماية أقلية دينية، وتعكس تلك التصريحات رغبة إسرائيلية في ترسيم خطوط حمراء أمام القيادة السورية، بخصوص التعامل مع الدروز والجنوب.

  • الهجمات الإسرائيلية في الجنوب السوري حتى نهاية شباط/ فبراير 2025

صعّدَت إسرائيل من عملياتها العسكرية في الجنوب السوري، عبر سلسلة غارات جوية مكثفة استهدفت مواقع تابعة للجيش السوري، وتركّز القصف على منطقة الكسوة جنوب دمشق، حيث يقع مقر الفرقة الأولى لجيش نظام الأسد سابقًا (الفرقة الثانية حاليًا)، ويضمّ المقر دبابات ووحدات قيادة، كذلك ضربت موقعًا عسكريًا في بلدة إزرع في درعا (مقر اللواء 112)، حيث كانت تتمركز فيه عناصر حزب الله اللبناني على عهد نظام الأسد. وقصفت تلة تل الحارة الاستراتيجية في ريف درعا الشمالي الغربي، وهي تلة تطل على مناطق واسعة من الجولان المحتل وشمال إسرائيل. وشمل التصعيد الإسرائيلي أيضًا عملية توغل بري محدودة، حيث توغلت آليات ومركبات عسكرية إسرائيلية، إلى مناطق في ريفي القنيطرة ودرعا في منطقة حوض اليرموك، نحو مواقع عسكرية مهجورة، ثم انسحبت بعد ساعات[6].

خريطة رقم (1): مناطق السيطرة في الجنوب السوري – 28 شباط/ فبراير 2025

للحصول على الخريطة بدقة عالية الرابط

  • انعكاسات الضربات والتصريحات الإسرائيلية على الجنوب السوري

أدّت التصريحات الإسرائيلية والغارات المرافقة لها في الفترة الأخيرة إلى اضطراب في الجنوب السوري، وإثارة ردود فعل محلية قوية، فعلى الصعيد الشعبي، قابل أبناء المنطقة ولا سيما أهالي السويداء المزاعم الإسرائيلية بالحماية بالرفض، وشهدت ساحة الكرامة في مدينة السويداء تجمعًا حاشدًا لمئات المتظاهرين رافعين شعارات الوحدة الوطنية ومنددين بأي تدخل خارجي​[7]، وهتف المحتجون بأن السويداء جزء لا يتجزأ من سورية، وهم جزء أصيل من النسيج الوطني السوري، ولا يحتاجون حماية أحد في الخارج. ورفعوا لافتات (سورية ليست للبيع… وسورية واحدة موحدة)، في رد مباشر على تصريح نتنياهو ومشروعه بتحويل المناطق الجنوبية إلى مناطق عازلة، ووجهت الفعاليات الأهلية رسائل للحكومة السورية تطالبها بالتحرّك في المحافل الدولية ضد الخطط الإسرائيلية التي تُعدّ انتهاكًا للأعراف الدولية، كذلك شهدت درعا حراكًا مشابهًا رفض الأهالي به أي شكل من أشكال الوصاية الإسرائيلية.

ومن ثم، يمكن القول إن التصريحات الإسرائيلية جاءت بنتيجة عكسية على المستوى الشعبي، حيث أكد السوريون بما فيهم الدروز على التمسك بالسيادة الوطنية، ورفض محاولة إسرائيل تصوير نفسها كـ (حامية) لأحد المكونات السورية، لكن هناك شيئًا من القلق لدى سكان تلك المناطق، من تحول مناطقهم إلى مسرح صراع جديد بين إسرائيل والسلطات السورية الجديدة.

على الصعيد الميداني والأمني، خلقت الضربات الإسرائيلية واقعًا معقدًا في الجنوب، حيث وضعت إسرائيل في مواجهة محتملة مع قوات السلطات السورية الجديدة، كما أن استمرار الوجود الإسرائيلي الميداني يمنع السلطات السورية من بسط سيطرتها الكاملة في المناطق الحدودية، مما قد يترك فراغًا أمنيًا تستفيد منه خلايا تعمل بالخفاء مع إيران أو حزب الله اللبناني.

هذا الواقع فرض على حكومة دمشق معادلة دقيقة، فبينما تسعى لتأكيد سيادتها على كل الأرض السورية، تجد نفسها مضطرة ميدانيًا إلى التحلي بضبط النفس حيال الاستفزازات الإسرائيلية، لتفادي فتح جبهة جديدة قبل ترسيخ حكمها، وفي الوقت نفسه عززت هذه التطورات التعاطفَ الشعبي مع الحكومة الجديدة في معارضة الاحتلال الإسرائيلي، ودعمت سرديتها بأنها تواجه تحديًا خارجيًا.

  • أهداف إسرائيل في الجنوب السوري:

على المدى القريب، يبدو أن هدف إسرائيل ضمان أمن حدودها الشمالية، عبر إنشاء منطقة عازلة خالية من أي تهديد عسكري، ومن هنا جاءت مطالبة نتنياهو بـنزع سلاح الجنوب السوري بالكامل،​ وأنه لن يسمح بوجود لا قوات للجيش السوري الجديد ولا أيّ قوات معادية جنوب دمشق​، وأن إسرائيل تسعى إلى عمق استراتيجي آمن يفصلها عن أي قوى قد تعتبرها خطرة. وهذا يعني أن إسرائيل تريد جنوب سورية منطقة منزوعة السلاح فعليًا، فلا صواريخ أو مدفعية أو تشكيلات عسكرية ثقيلة بالقرب من حدودها، وهذا الهدف مرتبط بسعي إسرائيلي لمنع تكرار تجربة حزب الله في الجولان، وأنهم لن يسمحوا بأن يتحول الجنوب السوري إلى قاعدة صاروخية أو بؤرة لميليشيات تُهدد أمن إسرائيل، تمامًا كما حصل في جنوب لبنان. ومن هنا جاءت حملة القصف عقب تحرير دمشق، التي استهدفت مواقع إستراتيجية كسلاح الجو ومنظومات الصواريخ والدفاعات السورية، بغية حرمان أي طرف مستقبلي في سورية من أدوات قد تغيّر ميزان القوى​.

إلى جانب الدافع الأمني المباشر، يبدو أن لإسرائيل أهدافًا بعيدة المدى في صياغة مستقبل الجنوب السوري وربما سورية ككل، ويشير استخدام إسرائيل لورقة “حماية الدروز” إلى وجود رغبة في كسب تعاطف شريحة معينة، وتأليبها بعيدًا عن الولاء لحكومة دمشق، وتبرير وجودها أمام الرأي العام العالمي كضرورة إنسانية وأمنية معًا، غير أن الاحتجاجات في السويداء ضدّ تلك التصريحات تظهر محدودية هذا التأثير، ومع ذلك يبقى الدافع الإسرائيلي تجاه “الدروز” مرتبطًا أيضًا باعتبارات داخلية؛ فالحكومة الإسرائيلية تربطها علاقات وثيقة مع مواطنيها الدروز المرتبطين بأقاربهم في السويداء، ومن ثم تبني إسرائيل خطابها تجاه “الدروز”، لإظهارها بمظهر الحامي لأبناء طائفة تشارك في جيشها ومؤسساتها​.

وعلى صعيد البعد الجيوسياسي، فتزامنًا مع التصريحات الأمنية، صدر عن مسؤولين إسرائيليين تلميحات حول شكل النظام السوري القادم، فقد دعا وزير الخارجية الإسرائيلي إلى جعل سورية دولة اتحادية (فدرالية) تضم مناطق حكم ذاتي تحترم التنوّع، هذا الطرح يوحي بأن إسرائيل تفضّل رؤية سورية مقسمة إلى كيانات إقليمية[8]، ما يسهل عليها التعامل مع كل جزء على حدة، ويحول دون بروز حكومة مركزية قوية، فوجود إقليم شبه ذاتي الحكم في الجنوب السوري يمكن أن يشكل حاجزًا سياسيًا بين إسرائيل وأي نفوذ معادٍ قد يظهر في العمق السوري.

فإسرائيل ترى في إسقاط نظام الأسد فرصة لإعادة رسم الخريطة السياسية السورية، بما يضمن مصالحها الأمنية بعيدة المدى، ولا يُستبعد أن يكون تثبيت الوضع الراهن على الأرض، أي استمرار سيطرة إسرائيل على أجزاء من الجنوب كورقة ضغط للمساومة مستقبلًا، سواء لمقايضة انسحابها بضمانات أمنية، أو حتى لانتزاع اعتراف بضمها للجولان المحتل بشكل نهائي.

تستخدم إسرائيل خليطًا من القوة الصلبة (العمليات العسكرية الاستباقية والوجود الميداني) والقوة الناعمة/ الدبلوماسية (خطاب حماية الأقليات والدعوة لنظام سياسي لا مركزي)، للوصول إلى غاياتها، وفي المحصلة، تتلخص الرؤية الإسرائيلية في إبقاء الجنوب السوري منطقة عزل أمنيّة طويلة الأمد، سواء عبر وجودها المباشر أو عبر ترتيبات تضمن تحييد تلك المنطقة عسكريًا وسياسيًا لصالحها.

  • الموقف السوري: خيارات دمشق الجديدة في مواجهة التدخل الإسرائيلي:

اتخذت الحكومة السورية موقفًا رافضًا لأي وجود أو دور إسرائيلي داخل سورية، حيث ندّد البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني، الذي عُقد في دمشق في 25 شباط/ فبراير2025، بالتوغل الإسرائيلي، ودعا إلى انسحاب إسرائيلي كامل من كل شبر سوري​[9]. وجاء في البيان أن سورية لن تقبل بأي انتهاك لسيادتها أو محاولة لفرض أمر واقع بقوة السلاح​. وأكد الرئيس أحمد الشرع في عدة لقاءات أن إسرائيل لم يعد لديها أي (ذريعة) للبقاء في المنطقة المنزوعة السلاح، بعد زوال الوجود الإيراني من الجنوب السوري، وشدّد على التزام حكومته باتفاقية فصل القوات لعام 1974، مع الترحيب بعودة قوات حفظ السلام الدولية إلى المنطقة العازلة لضمان الأمن على الحدود[10]. وصرّح وزير الخارجية أسعد الشيباني بأن الحكومة السورية لن تتسامح مع أي مساس بسيادة سورية أو استقلالية قرارها الوطني​، في تلميح إلى أن دمشق مستعدة للدفاع عن أرضها بمختلف الوسائل، وإن كانت تفضّل المسار الدبلوماسي حاليًا[11]. إضافة إلى ذلك، تبدي الحكومة السورية حرصًا على توثيق علاقاتها، عربيًا ودوليًا، لضمان دعم سياسي في وجه التحركات الإسرائيلية، وللحصول على اعتراف أوسع بالحكومة الجديدة.

تعكس هذه التصريحات رغبة الحكومة السورية في العودة إلى الأطر القانونية الدولية، كسبيل لعزل المبررات الإسرائيلية وإنهاء التوتر، ولم تصدر عن السلطات السورية الجديدة حتى الآن أي خطوات عسكرية مضادة مباشرة تجاه القوات الإسرائيلية، ربما لانشغالها بإعادة ترتيب البيت الداخلي وبناء الجيش الوطني الجديد، ولأنها تركّز على استخدام المنابر الدولية المتاحة للتأكيد على موقفها الرافض للتفاوض على وحدة الأراضي السورية أو التنازل عن السيادة المستقلة بأي شكل من الأشكال، مع الاستعداد للتعاون مع المجتمع الدولي لإعادة تفعيل آليات حفظ السلام على الحدود مع إسرائيل.

  • السيناريو المتوقع:

في ضوء المعطيات الحالية، يُرجّح أن يشهد الجنوب السوري استمرارًا لحالة التوتر والاستنفار على المدى القريب، مع صعوبة التوصل إلى تسوية فورية، فمن الجانب الإسرائيلي، يبدو أن هناك نية للإبقاء على القوات في مواقعها الحالية في المستقبل المنظور​، وتعزيز وضعها إن لزم الأمر، تنفيذًا لتعهّد نتنياهو ببقاء الجيش الإسرائيلي في جبل الشيخ والمنطقة العازلة لفترة غير محدودة، وستواصل إسرائيل على الأرجح سياسة الضربات الوقائية لأي هدف تعدّه تهديدًا في العمق السوري، تنفيذًا لوعيدها بأن كل تهديد لأمنها سيُزال بالقوة. وهذا يعني أن الجنوب قد يشهد مزيدًا من الغارات الإسرائيلية المركزة على تجمعات عسكرية أو قوافل أسلحة، ترى إسرائيل أنها تخلّ بشروط المنطقة المنزوعة التي تطالب بها، كذلك قد تسعى إسرائيل إلى حشد تأييد واشنطن وبعض العواصم الغربية لموقفها الأمني، عبر تأطير وجودها بأنه جزء من الحرب على الإرهاب ومنع عودة الفوضى، على الرغم من الإدانات الدولية الحالية. ولن يكون مفاجئًا أن تستخدم إسرائيل قنوات دبلوماسية خلفية للتوصل إلى تفاهمات أمنية مؤقتة مع القوى المؤثرة في سورية مثل (تركيا وبعض الدول العربية) لضمان تجنب أي صدام مباشر غير مرغوب.

من الجانب الآخر، ستستمرّ الحكومة السورية في تحريك دبلوماسيتها، لكسب التأييد الدولي ضد الوجود الإسرائيلي، ومن المتوقع أن تزداد جهودها في مجلس الأمن والأمم المتحدة لتفعيل القرارات الدولية ذات الصلة، مستندة إلى دعم عربي واسع يطالب باحترام سيادة سورية، وقد تعمل على طرح قضية خرق إسرائيل لاتفاقية 1974 كأولوية، وربما تسعى للاستفادة من عرضها استقبال قوات أممية في المنطقة العازلة للضغط باتجاه عودة قوات الأمم المتحدة لمواقعها، وسحب الذريعة الأمنية التي تتشبث بها إسرائيل. وإقليميًا، قد يزداد التنسيق السوري مع الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية وقطر والأردن، بهدف تشكيل جبهة ضغط سياسية على إسرائيل كي تعيد النظر في حساباتها، وقد تسعى الحكومة السورية إلى كسب تأييد دولي أوسع، من خلال التأكيد أنها حكومة شرعية تحارب الإرهاب، وتسعى لتحسين الوضع العام في سورية، وفي الوقت ذاته تواجه احتلالًا أجنبيًا غير مبرر.

وإذا استمرّ الوضع الحالي من دون حلّ، فمن الممكن أن تتجه الحكومة السورية الانتقالية إلى خطوات تصعيدية لإعادة فرض سلطتها على الجنوب السوري. ومع تعمق الوجود الإسرائيلي، قد تجد القوات السورية نفسها مضطرة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، ما قد يؤدي إلى اشتباكات محدودة أو حتى مواجهة عسكرية مباشرة في بعض المناطق، وفي حال حصول ذلك، قد تحاول الحكومة السورية الجديدة استغلال الزخم الشعبي والضغط الداخلي للتحرك عسكريًا ضد الوجود الإسرائيلي، الأمر الذي قد يدفع إسرائيل إلى تكثيف غاراتها وضرباتها الاستباقية، ولكن احتمال التصعيد العسكري يبقى مرهونًا بعدة عوامل، منها مدى الدعم العربي والدولي للحكومة السورية، وردود الفعل الإسرائيلية على أي تحركات على الأرض، إضافة إلى مدى نجاح الجهود الدبلوماسية في احتواء الأزمة أو تأجيجها.

تمثل التحولات الراهنة في الجنوب السوري مرحلة مفصلية في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، حيث تتشابك الأهداف الإسرائيلية مع تعقيدات المشهد السوري ما بعد سقوط نظام الأسد، فالتصريحات الإسرائيلية، التي تركز على أمن الحدود وحماية الطائفة الدرزية، تتجاوز البعد الأمني لتصبح جزءًا من استراتيجية أوسع، تهدف إلى ترسيخ واقع جيوسياسي جديد يخدم المصالح الإسرائيلية بعيدة المدى، ومع تصاعد العمليات العسكرية وتوسّع التدخل الإسرائيلي، يزداد الضغط على الحكومة السورية الجديدة لإعادة فرض سيادتها على الجنوب، وهو ما يضعها أمام تحديات مزدوجة: مواجهة التدخلات الخارجية من جهة، وإدارة مشهد داخلي متغير من جهة أخرى.

وعلى المدى القريب، يبدو أن استمرار الضربات الإسرائيلية والتدخلات العسكرية سيعزز حالة عدم الاستقرار، ما قد يفتح المجال أمام سيناريوهات أكثر تعقيدًا، سواء عبر تصعيد المواجهات أو التوصل إلى حلول وسط عبر قنوات دبلوماسية. ومع ذلك، فإن أي تسوية مستقبلية ستظلّ مشروطة بقدرة سورية الجديدة على استعادة زمام المبادرة داخليًا، وبمدى استعداد القوى الإقليمية والدولية للقبول بحلولٍ تضمن مصالح جميع الأطراف دون المساس بسيادة الدولة السورية. ومن هنا، يظل الجنوب السوري ساحة اختبار لمدى إمكانية بناء استقرار مستدام في مرحلة ما بعد الحرب، أو بقاء المنطقة في دائرة التوترات المستمرة التي تعيد تشكيل خريطة النفوذ في الشرق الأوسط.


[1] التصعيد الإسرائيلي في سورية مطلع عام 2025: الغارات، الأهداف، والتداعيات، مركز حرمون لدراسات المعاصرة، نشر في 18 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 20 شباط/ فبراير 2025، في الرابط https://bit.ly/41EIVSk

[2] Netanyahu says Israel will stay in southern Syria ‘for foreseeable future’, MEM, published on 25 February 2025, Seen on 25 February 2025, https://rb.gy/pq1v10

[3] Israel conducts airstrikes in Damascus, southern Syria, AA, published on 26 February 2025, Seen on 26 February 2025, https://rb.gy/jy958k

[4] الأمن السوري ينتشر في مدينة جرمانا بريف دمشق، العربي الجديد، نشر في 2 آذار/ مارس 2025، شوهد في 2 آذار/ مارس 2025، https://rb.gy/w8wazg

[5] الاحتلال الإسرائيلي يلوح بورقة “الدروز” مجددًا للتدخل في سوريا، عربي 21، نشر في 3 آذار/ مارس 2025، شوهد في 3 آذار/ مارس 2025، https://bit.ly/4i1bTBr

[6] مقابلة أجراها الباحث مع مصدر خاص الجنوب السوري، في 25 شباط/ فبراير 2025

[7] Syrians in predominantly Druze city reject Israeli statements, affirm national unity, Arab News, published on 25 February 2025, Seen on 26 February 2025, https://short-link.me/Rfab

[8] وزير خارجية إسرائيل يدعو لتحويل سورية إلى “دولة فيدرالية” ويهاجم أحمد الشرع، العربي الجديد، نشر في 25 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 26 شباط/ فبراير 2025، في الرابط: https://short-link.me/RfaP

[9] Syria Calls for Israel’s Withdrawal from Its Lands, National Dialogue Closing Statement Says, Asharq Al-Awsat, published on 25 February 2025, Seen on 26 February 2025, https://short-link.me/TRcZ

[10] أحمد الشرع: إسرائيل لا تملك حججًا لدخول سوريا بعد خروج الإيرانيين، الغد، نشر في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2024، شوهد في 25 شباط/ فبراير 2025، في الرابط: https://short-link.me/TRdx

[11] الشيباني يشدد على رفض المساس بسيادة سوريا، سكاي نيوز عربية، نشر في 25 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 26 شباط/ فبراير 2025، في الرابط: https://short-link.me/Rf9S


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى