الاتفاق بين الحكومة السورية و(قسد).. تحديات التنفيذ وآفاق المستقبل

تُشكل الاتفاقات السياسية والعسكرية بين الفاعلين المحليين نقطة تحوّل رئيسية في تحديد ملامح مستقبل الدول الخارجة من الأزمات، لذلك يُعدّ الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الحالة السورية أحد أبرز التحولات التي قد تعيد رسم الخارطة السياسية والأمنية فيها.
ففي ضوء الاجتماع الذي جمع الرئيس أحمد الشرع والقائد العام لـ (قسد) مظلوم عبدي، في 10 آذار/ مارس 2025، تم التوصل إلى اتفاق وصفه البعض بالتاريخي، حيث حمل دلالات سياسية وأمنية واقتصادية مهمة، وعكس تحولًا في طبيعة العلاقة بين الحكومة السورية الجديدة و(قسد).
يهدف تقدير الموقف هذا إلى تحليل بنود هذا الاتفاق من منظور سياسي، عسكري، واقتصادي، مع تقييم انعكاساته داخل سورية، وتأثيره على الفاعلين بها، والتحديات التي قد تواجهه، ويقدّم السيناريوهات المتوقعة.
أولًا: تحليل نص الاتفاق بين الحكومة السورية و(قسد):
قبل البدء بتحليل النص المعلن من الاتفاق، من المهم تحديد أهداف كل طرف من المفاوضات والاتفاق، فالحكومة السورية الجديدة تريد تثبيت سيطرتها على كامل سورية، وفرض سيادتها على المعابر الحدودية وآبار النفط ومؤسسات الدولة في الجزيرة السورية. أما (قسد) فترغب في حماية مكتسباتها، والاندماج مع الدولة السورية، مع ضمان حقوقها، وضمان الاعتراف بها كممثل للأكراد، وتمثيلها في المؤسسات السياسية والدستورية، وتجنّب مواجهة عسكرية مع تركيا، أو المخاطر الناجمة عن احتمال تخلي الولايات المتحدة عنها.
وقد حصلت مجموعة من التطورات مهّدت لهذا الاتفاق، منها إعلان عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني ((PKK الاتفاقَ مع تركيا، ومنها التصريحات الأميركية بالرغبة في الانسحاب من سورية، وخشية (قسد) من آثار هذا الانسحاب في حال عدم إنضاج اتفاق، ومنها الضغوط التي مارستها تركيا على (قسد)، وأحداث الساحل السوري والضجّة الدولية التي أثيرت حول السلطة الجديدة في سورية دفعتها للمرونة من أجل إنجاز اتفاق هو الرد المناسب في تلك الأوقات على أحداث الساحل وآثاره.
ويمكن تحليل الاتفاق وفق الأبعاد التالية:
- ضمان التمثيل العادل في العملية السياسية:
ينصّ البند الأول على حق جميع السوريين في المشاركة السياسية ومؤسسات الدولة على أساس الكفاءة، دون تمييز ديني أو عرقي، ويعكس هذا الالتزام توجّه الحكومة السورية الجديدة نحو بناء نظام حكم أوسع تمثيلًا، وهذا البند يطمئن (قسد) بأنهم سيكونون جزءًا فاعلًا من المشهد السياسي السوري.
- الاعتراف بالأكراد كمكون أصيل:
البند الثاني ينصّ أنّ المجتمع الكردي جزءٌ أصيل من الدولة السورية، ويضمن له حقوق المواطنة الكاملة، هذا النص يعالج إشكالية قانونية وسياسية تعود إلى عقود، وإقرار الدولة بهذه الحقوق يعني تبني مقاربة جديدة تعترف بالتعددية القومية، ولكن دون منح امتيازات خاصة، مما يجعل هذا الاعترافَ متوافقًا مع المبادئ الوطنية للدولة الموحدة.
3- رفض التقسيم وخطاب الكراهية:
ينصّ البند السابع على رفض التقسيم وخطاب الكراهية، وهذا البند يوجّه رسالة واضحة إلى الأطراف الداخلية والخارجية التي تحاول استغلال الانقسامات العرقية والطائفية لإدامة الصراع، وهو أيضًا تأكيد على وحدة الدولة، وعدم السماح بتحويل سورية إلى كيانات منفصلة ذات طابع إثني أو طائفي.
4- وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية:
يعتبر وقف إطلاق النار الشامل أحد أهم البنود، حيث يضع حدًا للمعارك الميدانية، ويفتح المجال أمام حلول سياسية أكثر استقرارًا، وهذا البند قد يعزز إمكانية بناء جيش وطني موحّد بعيدًا عن الولاءات الفصائلية، ويمنح الدولة فرصة للتركيز على التحديات الأمنية الداخلية والخارجية.
5- دمج المؤسسات العسكرية والمدنية التابعة لـ (قسد) في هيكلية الدولة السورية:
يعد هذا البند من أكثر النقاط حساسية، حيث ينص على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.
6- دعم الحكومة في محاربة “فلول نظام الأسد” وكافة التهديدات الأمنية:
يمثل هذا البند تحولًا في موقف (قسد)، حيث تلتزم بدعم الحكومة السورية في محاربة الفلول التابعة للنظام السابق وأي تهديدات أخرى.
7- ضمان عودة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم:
وهي من أعقد الأزمات الناتجة عن الحرب، وتعني تهيئة الظروف لعودة اللاجئين والنازحين والذين تم تهجيرهم قسريًا، وهذا البند يوجه رسالة طمأنة للاجئين والنازحين، ويضمن لهم العودة إلى ديارهم دون مخاوف من عمليات انتقامية أو اضطهاد.
8- تشكيل لجان تنفيذية لضمان التطبيق الكامل للاتفاق بنهاية 2025:
يُلزم الاتفاق اللجان التنفيذية بإنهاء تنفيذ بنوده قبل نهاية العام الجاري، وهذا يُجبر الأطراف على اتخاذ خطوات عملية فورًا.
وتستعيد الحكومة في حال تطبيقه السيطرة على مايقارب من ثلث الأراضي السورية، حيث يعزز ذلك موقفها داخليًا وخارجيًا، وبالمجمل فالمعلن من الاتفاق يعدّ مكسبًا للحكومة الجديدة، إذ عزز موقفها، ونفوذها، وبالمقابل ستخسر (قسد) وضعها كسلطة أمر واقع، وتصبح جزءًا من الدولة، لكنها بالمقابل تكسب نفوذًا سياسيًا في العملية السياسية وفي الخطوات اللاحقة في المرحلة الانتقالية في سورية.
ثانيًا: المواقف الإقليمية والدولية من الاتفاق:
رحّبت تركيا بالاتفاق، لكونه يمثّل مكسبًا لها، حيث يحدّ من نفوذ حزب العمال الكردستاني (PKK) في سورية، من خلال انتشار قوات الحكومة الجديدة في تلك المناطق، وكانت تركيا تُهدد سابقًا بالقضاء على هذا الخطر الذي تعتبره تهديدًا لأمنها القومي عبر عملية عسكرية هناك، ومن ثم فإن الاتفاق يُسهم في الحد من مخاوفها الأمنية، خاصة إذا تم تطبيقه بشكل تام.
موقف الولايات المتحدة الأميركية كان إيجابيًا، حيث كانت أحد الوسطاء بين الطرفين، ولم يكن الاتفاق ليحصل لولا موافقة أميركية عليه، حيث يضمن الاتفاق الاستقرار في تلك المنطقة، واستمرار محاربة تنظيم (داعش)، وحل مسألة إدارة سجون التنظيم، فضلًا عن أن الحل يحمي حلفاءها الأكراد، ويوفر لها خيارًا للخروج المشرف، في حال قررت الانسحاب من سورية، والرئيس ترامب يريد الاستقرار في سورية ووضع حدًا للنفوذ الإيراني بها.
أما روسيا، فهي تتعامل ببراغماتية مع الملفّ السوري، وتركز على حفظ مصالحها الاستراتيجية، لا سيما الحفاظ على القواعد العسكرية الروسية في الساحل السوري، ومن غير المتوقع أن تعترض على الاتفاق، لكنها ستراقب تنفيذ بنوده، لضمان عدم المساس بمصالحها، فهناك ترحيب دولي عام بأي اتفاق يضمن وقف إطلاق النار، ويمنع حدوث أزمة لاجئين جديدة.
معظم الدول العربية رحّبت بالاتفاق، وخاصة السعودية التي ربما ساهمت فيه، من خلال علاقاتها بالطرفين، ويُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه خطوة نحو تحقيق الاستقرار، وهو ما يتماشى مع التوجهات العربية لاستقرار سورية.
وتُعدّ إيران الخاسر الأكبر من هذا الاتفاق، حيث بدا أن الاتفاق تم بتوافق أميركي-تركي، ويستهدف نفوذها في سورية بشكل أساسي، ويدعم موقف الحكومة السورية الجديدة، فهذا الاتفاق يحدّ من قدرتها على التأثير في شمال شرق سورية، والحكومة السورية الجديدة لن تسمح بوجود تشكيلات مسلحة موالية لطهران على أراضيها، بالفعل، تم شنّ حملة صارمة على الميليشيات العلوية الموالية للأسد في الساحل، مما يقطع أحد أذرع إيران العسكرية داخل سورية.
أما إسرائيل، فإنها لم تعلن موقفًا رسميًا من الاتفاق، لكنها تتابعه بحذر، وقد يكون موقفها إيجابيًا منه لأنه يحد من نفوذ إيران، لكن ستظلّ إسرائيل متخوفة من أي ترتيبات قد تقوي الحكومة السورية الجديدة، إذ تفضل بقاء سورية ضعيفة ومجزأة، لضمان عدم تشكل تهديد عسكري مستقبلي. لذلك، قد تعمل إسرائيل على مراقبة تطورات الاتفاق عن كثب، وربما تسعى إلى التأثير فيه بشكل غير مباشر عبر علاقاتها مع الفاعلين.
ثالثًا: انعكاسات الاتفاق على الوضع السوري
- كانت قيادة (قسد) تسعى للانضمام ككتلة واحدة أو فيلق خاص ضمن الجيش السوري الجديد، يحتفظ ببعض الاستقلالية، وفي حال تنفيذ الاتفاق يبدو أنها قبلت في النهاية بالاندماج الفردي تحت قيادة وزارة الدفاع السورية، كما يُفهم من نص الاتفاق، أما العناصر غير المرغوب في بقائهم، لأسباب أمنية أو سياسية، وخاصة المتهمين بالارتباط بحزب العمال الكردستاني (PKK)، فربما يُمنحون خيار مغادرة سورية أو اعتزال العمل العسكري، واستيعاب العناصر المقبولين بشكل طبيعي، ويُخصص عددٌ منهم لحفظ الأمن في المحافظات الشرقية تحت قيادة مركزية، وستنتقل كل المواقع العسكرية الحساسة، بما فيها المقار والقواعد والمطارات التي كانت تحت سيطرة (قسد) إلى إدارة الجيش السوري، كما ورد في نصوص الاتفاق، وسيتم تشكيل لجان تنفيذية مشتركة للإشراف على عملية الدمج، بما يشمل تسوية أوضاع المقاتلين وتحديد رتبهم وأدوارهم الجديدة، ومن المتوقع أن يحصل بعض قادة (قسد) البارزين على مناصب في المؤسسة العسكرية أو الأمنية السورية، لضمان استمرار التنسيق وطمأنة المقاتلين السابقين، وربما ينضم مظلوم عبدي إلى مجلس الدفاع أو يتولّى موقعًا استشاريًا.
- مسؤولية مكافحة تنظيم (داعش) يبدو أنها ستنتقل إلى مهمة وطنية مشتركة، في حال تنفيذ الاتفاق، حيث ستعمل (قسد) حتى اندماجها الكامل (بصفتها جزءًا من الجيش السوري) بالتنسيق مع أجهزة الاستخبارات السورية لتعقب خلايا (داعش)، وستتولى الدولة أو جيش سورية الحرة، كما تم التداول، إدارة سجون (داعش) الحساسة، مثل مخيمي الهول وروج، مما قد يسرّع معالجة ملف المحتجزين عبر المحاكمات أو تسليم الأجانب إلى دولهم.
- تُركز الحكومة الجديدة جهودها العسكرية، في حال تطبيق الاتفاق، على القضاء على الجيوب الموالية للنظام السابق في الساحل التي شنت تمردًا مسلحًا، ودخول (قسد) على خط دعم الحكومة ضدهم يمنحها دفعة كبيرة، وسيسمح الاتفاق بإعادة نشر القوات العسكرية بشكل أكثر فعالية؛ حيث يمكن تحويل القوات التي كانت متمركزة على خطوط التماس مع (قسد) إلى مهام أخرى، مثل حماية الحدود أو مكافحة (داعش).
- أما بالنسبة للتحالف الدولي، فقد تستمر الولايات المتحدة في تقديم دعم استخباري أو غطاء جوي عند الضرورة لملاحقة (داعش)، لكن هذه العمليات ستتم الآن بالتنسيق مع دمشق، وربما مع أنقرة، بدلًا من (قسد) بشكل مستقل.
- يمثل الاتفاق في حال تطبيقه نقلة مهمة ستنعكس على الاقتصاد السوري بما يتوفر في تلك المناطق من ثروات، وعودتها للدولة، وهذا سيدعم خزينة الدولة شبه الفارغة، أو على الأقل سد الاحتياج المحلي من المواد النفطية، وكذلك فتح تلك المناطق على المناطق السورية الأخرى سيُعزز الحركة التجارية ويخلق فرص عمل، ويساهم في تحسين الخدمات والمستوى المعيشي للسكان، وخاصة مشاريع الكهرباء والمياه، كذلك سينعكس على إعادة الاعمار، فوحدة سورية واستقرارها ستساهم في جذب رؤوس الأموال للاستثمارات، وستشجع الدول على البدء بمشاريع إعادة الاعمار، فوجود حكومة مركزية يعتبر عاملًا دافعًا للاستثمار وللدعم.
- سيؤدي الاتفاق في حال تطبيقه إلى عودة كثير من النازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية، وخاصة إلى منطقة عفرين والشيوخ وغيرها.
- يُعيد هذا الاتفاق في حال تطبيقه خلط الأوراق بالنسبة للقوات الأجنبية المنتشرة في سورية، حيث إن دمج (قسد) ضمن الجيش السوري يضع واشنطن أمام واقع جديد، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة رحبت بالاتفاق، لكونه يحافظ على استقرار الشمال الشرقي ويضمن استمرار مكافحة (داعش)، فإنها فقدت مبررات وجودها الميداني وخاصة في حال النجاح في محاربة تنظيم (داعش). ومن المتوقع أن تبدأ واشنطن سحبًا تدريجيًا لقواتها من سورية بالتنسيق مع الحكومة الجديدة، مع احتمال الإبقاء على وجود في قاعدة التنف لملاحقة فلول (داعش). وبالنسبة إلى تركيا كانت تُبرر تدخلها العسكري في شمال سورية بمحاربة (قسد)، لكن مع زوال كيان (قسد) المستقل وإخراج عناصر PKK، قد تُخفف تركيا من وجودها العسكري المباشر أو تعيد نشره. وتشير بعض التقارير إلى تفاهم غير مُعلن بين أنقرة وواشنطن، يقضي بتولّي تركيا مسؤولية تأمين الدعم الجوي في عموم الأجواء السورية، بالتنسيق مع الحكومة الجديدة، مما قد يكون امتدادًا لاتفاقية أضنة الأمنية بحلة جديدة. بشكل عام، يُؤدي هذا الاتفاق إلى تقليل الذرائع للوجود الأجنبي في سورية، وستجد القوى الخارجية مبررات أقل للبقاء عسكريًا، ومن المتوقع أن تبدأ تفاهمات دولية خلال الفترة المقبلة لإخراج جميع القوات الأجنبية تدريجيًا، باستثناء من سترحب بهم دمشق ضمن اتفاقات ثنائية جديدة.
- هناك حديث عن تشكيل لجان مشتركة للإشراف على تطبيق الاتفاق، ما يمنحه صفة الخطوة الملموسة نحو سلام مستدام، ويحمل الاتفاق بوادر تغيير جوهري في شكل الدولة السورية المقبلة، إذ يتضمن اعترافًا رسميًا بحقوق الأكراد في الدستور الجديد، وإقرارًا بخصوصية مجتمعهم ضمن الدولة السورية، وهذا يعكس توجهًا لبناء نظام حكم أكثر شمولًا وتعددية، ومن المتوقع أن ينخرط ممثلو (قسد) في عملية صياغة أو تعديل الدستور، لضمان تضمين بنود تعزز التنوع القومي والثقافي، وتعزز اللامركزية الإدارية.
- يضمن الاتفاق أيضًا تمثيل جميع السوريين في العملية السياسية ومؤسسات الدولة على أساس الكفاءة، دون تمييز قومي أو ديني.
- يعزز الاتفاق شرعية الحكومة الجديدة، خاصة إذا دعت إلى مؤتمر حوار وطني شامل جديد، يضم جميع الأطياف السورية، لضمان شراكة حقيقية في بناء مستقبل البلاد، والاتفاق يُوجه رسالة إلى المجتمع الدولي بأن سورية الجديدة تتبنى نهج المصالحة والشراكة الوطنية.
رابعًا: التحديات التي تواجه تطبيق الاتفاق
يواجه الاتفاق مجموعة من التحديات التي قد تعوق تنفيذه أو تؤثر في استقراره على المدى الطويل، حيث إنه لا تزال العديد من التفاصيل المتعلقة بالاتفاق وآليات تطبيقه والإشراف عليه غير واضحة، وسط تضارب في تفسير بنوده بين الأطراف المختلفة، لا سيّما ما يخص الحقوق الكردية، والإعلان الدستوري المؤقت الصادر في 13 آذار/ مارس 2025 أثار انتقادات من مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، مما يطرح تساؤلات حول مدى توافق الاتفاق مع تطلعات المكون الكردي ودوره المستقبلي في سورية.
والاندماج الكامل لعناصر (قسد) ضمن الهيكل العسكري الجديد يمثل تحديًا رئيسيًا، إذ إن بعض الفصائل قد ترفض تسليم سلاحها، ما قد يؤدي إلى توترات داخل (قسد) نفسها أو مع فصائل المعارضة الأخرى. وفيما يتعلق بإدارة سجون تنظيم (داعش)، فإن الغموض حول خطط نقل المعتقلين أو تحديد الجهة المسؤولة عن احتجازهم قد يخلق مشكلات أمنية، خاصة إذا لم تكن هناك آليات واضحة وفعالة لتنفيذ هذه العملية.
ويبقى مصير المقاتلين الأجانب داخل (قسد) غير محسوم حتى الآن، حيث يضمّ التنظيم متطوعين غربيين يساريين، قاتلوا ضد (داعش)، إضافة إلى عناصر من حزب العمال الكردستاني (PKK) وأكراد إيرانيين من حزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK)، فضلًا عن مقاتلين عراقيين وعناصر أخرى. قد يُسمح لبعض هؤلاء بالمغادرة، بينما قد يواجه آخرون الاعتقال أو الترحيل، لا سيّما الأتراك الذين تعتبرهم أنقرة تهديدًا أمنيًا.
ومصير القواعد العسكرية الأجنبية، وخاصة الأميركية، في المنطقة يظل موضع تساؤل، فهل سيتم تقليص وجودها أم ستظل قائمة لضمان الاستقرار؟ في هذا السياق، يبدو أن إسرائيل، التي لطالما دعمت (قسد)، قد تستمر في موقفها وحثّ الولايات المتحدة على عدم الانسحاب.
من جهة أخرى، يعكس الاختلاف العقائدي والأيديولوجي بين مقاتلي (قسد) ومقاتلي الفصائل التي تشكل الكتلة الصلبة لوزارة الدفاع المستقبلية أحد أبرز التحديات، إذ قد يؤثر هذا التباين في تماسك الهيكل العسكري الجديد، وآلية استيعاب قوات (قسد) عمليًا تبقى مسألة غامضة، حيث لم تُحدَّد بعد كيفية التعامل مع جميع العناصر، وبطء عملية سحب الامتيازات من الإدارة الذاتية، أو تردد بعض عناصر (قسد) في تسليم السلاح، قد يؤدي إلى خلق توترات محلية. وفي حال لاحظت تركيا أي مماطلة في إبعاد عناصر PKK، فقد تزيد من ضغوطها، وربما تشن ضربات جوية محدودة على مواقع تراها تهديدًا لأمنها.
في ظل هذه الظروف، قد يستغل تنظيم (داعش) مرحلة الانتقال لتنفيذ هجمات تستهدف زعزعة الأمن في المنطقة، وقد تسعى إيران إلى التنسيق مع بعض الرافضين للاتفاق داخل (قسد) لعرقلته، وعلى المستوى السياسي، تبرز إشكالية قبول بقية الأطراف الكردية بتمثيل (قسد) للمكون الكردي، وأخذ حصتهم في المؤسسات المركزية، وهو الأمر الذي ينطبق كذلك على بقية المكونات في الجزيرة السورية.
مع ذلك، فإن نجاح هذا الاتفاق يعتمد على عوامل رئيسية عدة منها:
- التزام الطرفين بتنفيذ البنود المتفق عليها، خصوصًا ما يتعلق بدمج (قسد) وإدارة الموارد الاقتصادية.
- تجنب محاولات إفساد الاتفاق من قبل الميليشيات الإيرانية أو بقايا النظام السابق وبعض الأطراف الكردية ضمن (قسد) أو خارجها وغيرهم.
- تحقيق توازن بين سلطة الحكومة المركزية والحقوق المحلية للأكراد، بحيث لا يشعر أي طرف بأنه خسر مكتسباته.
- قدرة الحكومة السورية الجديدة على توفير الضمانات الكافية لطمأنة جميع المكونات بأن هذا الاتفاق لن يكون مجرد أداة مرحلية بل قاعدة دائمة للسلام والاستقرار.
- تطوير آليات لضمان اندماج القادة العسكريين السابقين لـ (قسد) ضمن المنظومة القيادية للجيش السوري دون حساسيات، واستمرار التعاون بين دمشق و(قسد) يتطلب تعزيز الثقة، من خلال خطوات ملموسة، مثل إدماج شخصيات كردية في مواقع قيادية داخل وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية، أو تطوير نظام لامركزي أمني يسمح للإدارات المحلية في المناطق الكردية بإدارة شؤون الأمن الداخلي بالتنسيق مع وزارة الداخلية.
خامسًا: السيناريوهات المحتملة لمستقبل الاتفاق
السيناريو الأول: تطبيق الاتفاق
يتمثل في تطبيق الاتفاق ونجاحه وتحوّله إلى جزءٍ من بنية الدولة، بحيث تُدمج كوادر (قسد) في الجيش والإدارة بسلاسة، ويشارك القادة الأكراد في المؤسسات الدستورية والمجالس المحلية، مما يُرسّخ نموذج تعايش جديد بين مختلف المكونات السورية، بالمقابل تعود سيطرة الحكومة على كل منطقة الجزيرة السورية، وتبدأ عملية إعادة إعمار وتنمية، ويتم الاتفاق على مصير سجون (داعش) والمقاتلين الأجانب، إذا تحقق هذا السيناريو، فقد يصبح تجربة ناجحة لحل المسائل القومية عبر الحوار، بدلًا من الصراعات المسلحة.
السيناريو الثاني: انهيار الاتفاق
وهو السيناريو الأسوأ، أي انهيار الاتفاق نتيجة تدخلات خارجية أو عدم التزام أحد الطرفين بتعهداته، وهنا تعود المواجهات العسكرية، وتستمر تركيا في التهديد بالعملية العسكرية أو تقوم بها، ويعود التدخل الإقليمي بالشأن السوري ودعم أحد الطرفين، وخاصة من قِبل إيران. والموقف الأميركي هو الحاسم في حال حدوث هذا السيناريو.
السيناريو الثالث: تنفيذ جزئي مع توترات
وفيه يتم تنفيذ الاتفاق ببطء، مع استمرار الخلافات حول بعض القضايا، ومنها المناصب وتوزيع السلطات ودمج القوات، وتبقى مناطق الجزيرة جزئيًا أو كليًا تحت هيمنة (قسد)، وتعلق بعض المسائل لحين الوصول لاتفاق، وتلعب تركيا وأميركا دورًا كبيرًا في هذه الحالة.
سادسًا: خاتمة
الاتفاق هو إطار عام ومبادئ، وربما يتم تطبيقه على مراحل (خطوة بخطوة)، ولن يتم تسليم الإدارة بشكل مباشر في المناطق التي تسيطر عليها (قسد) للحكومة السورية، لكنه يُمثل خطوة مهمّة نحو توحيد سورية مجددًا، ونجاح الاتفاق سيحدد شكل سورية المستقبلية كدولة موحدة، متعددة المكونات، وقادرة على تجاوز الصراع والانقسامات، وقد ينجح هذا الاتفاق في تجاوز عقبات كبرى، وإتاحة فرصة لإعادة توحيد البلاد سياسيًا وعسكريًا. ومع ذلك، فإن استمراره مرهون بمدى التزام الطرفين بتنفيذ بنوده بحسن نية، وتجنب الضغوط الخارجية التي قد تحاول إفشاله.
إذا تم تعزيز الاتفاق بإجراءات بناء ثقة مستمرة، فقد يتحول هذا الاتفاق إلى نموذج استقرار طويل الأمد. أما إذا حدث تراجع في التنفيذ، أو تكررت الأخطاء السابقة في إدارة العلاقة بين المكونات السورية، فقد يواجه تحديات كبيرة تهدد استمراريته، أما إذا تعثر، فقد يكون حلقة جديدة في سلسلة المحاولات الفاشلة التي لم تحقق سوى مزيد من الفوضى والانقسامات.