ندوة حوارية حول مستقبل سورية في ذكرى الثورة السورية

نظّم مركز حرمون للدراسات المعاصرة، الثلاثاء 18 آذار/ مارس 2025، فعالية خاصة بمناسبة الذكرى السنوية لانطلاق الثورة السورية.
بدأت الفعالية بندوة حوارية بعنوان “سيناريوهات مستقبل سورية الجديدة”، شارك فيها كلّ من سمير سعيفان، مدير مركز حرمون للدراسات المعاصرة؛ وسمير التقي، باحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، وتناولت الواقع السوري الراهن والتحديات التي تواجه البلاد بعد سقوط النظام، مع عرض السيناريوهات المحتملة.
افتتح سعيفان الحوار بالترحيب بالحضور، مشيرًا إلى أن الندوة تهدف إلى تقديم رؤية شاملة حول الوضع السوري الراهن، وأكد أن سورية تشهد “فجرًا جديدًا” بعد سنوات من القمع والدمار، لكنه حذر من أن الواقع الحالي يحمل تحديات ضخمة قد تقود البلاد إلى “جنة الخبراء أو صحراء التحدّيات”.
وأوضح سعيفان أن الواقع السوري يتميّز بدمار شامل ليس ماديًا فقط، بل اجتماعيًا وإداريًا وثقافيًا، نتيجة 11 عامًا من الحرب التي تفاقمت في السنوات الثلاث الأخيرة، بسبب إدارة “ضعيفة الكفاءة وفاسدة” لإمكانيات البلاد. وقال: “خرجنا من سجن مظلم إلى واقع صعب، يتطلب جهودًا جبارة لإعادة البناء”.
وفي تحليله للوضع الأمني، أشار إلى أن الجزء الأكبر من سورية تحت سيطرة القوات المركزية في دمشق، لكن تلك القوات لم تُبنَ بعد كجيش منظم، ما يؤدي إلى انفلات أمني وميل للانتقام في بعض المناطق. وأضاف: “بناء جيش من فصائل أمرٌ في غاية الصعوبة، وبدون جيش وشرطة لن يتحقق الاستقرار”، ولفت النظر إلى وجود مناطق سيطرة متباينة، مثل شرق الفرات الذي شهد ملفه تقدّمًا، لكنه واجه شرخًا جديدًا بعد الإعلان الدستوري، والجنوب الذي لا يخضع لسيطرة دمشق الكاملة، بسبب تدخلات إسرائيلية.


وحذّر سعيفان من تحديات أخرى، مثل منطقة الساحل التي تعاني حالة فوضى، بسبب بقايا ضباط يسعون لخلق اضطرابات، قد تكون مدفوعة من إيران أو جهات أخرى. وانتقد تصنيف السلطة الحالية دوليًا كـ “قوة إرهابية”، مشيرًا إلى أن ذلك يعوق المساعدات الدولية، رغم الوعود التي لم تتحقق بسبب الموقف الأميركي، وقال: “شرعية السلطة تتوقف على تحقيق الاستقرار وتوفير فرص العمل والسكن، لكن هذا يحتاج إلى إمكانيات ضخمة لا نملكها بدون دعم خارجي”.
وختم سعيفان حديثه بالتأكيد أن إعادة البناء تحتاج إلى ما بين 100 إلى 150 مليار دولار، إلى جانب إعادة بناء مجتمعي وإداري وثقافي، مع الحاجة إلى عدالة انتقالية لمعالجة الصراعات الاجتماعية.
بدأ سمير التقي حديثه بشكر مركز حرمون، لدوره في تشكيل الوعي خلال سنوات الاضطهاد، مهنئًا الشعب السوري بانتصار الثورة الذي وصفه بـ”الإنجاز العظيم” الذي تحقق بتضامن الجميع، ومنهم من عملوا داخل النظام على تفكيكه، وقال: “لم يكن انهيار النظام معجزةً تاريخيةً فقط، بل جهودًا من أناس بقوا في قلب السلطة يفككون براغيها”.
وأوضح التقي أن ما سقط هو “الأسد، البعث، والسلطة وبناها”، لكن التشرذم والفساد والبنية المجتمعية المتفككة لم تسقط، وأشار إلى أن الفضاء السياسي السوري كان تحت سيطرة قوى قومية وإسلامية ركّزت على مشاريع فوق وطنية، بدلًا من بناء وطنية سورية، مستذكرًا نقاشًا مع بشار الأسد، حيث قال التقي: “سورية أولًا”، فتلقى تنبيهًا من وزارة الخارجية آنذاك.
واستند التقي إلى دراسة أجراها مركز الشرق للبحوث حول 36 حربًا، بعد الحرب العالمية الثانية، ليحدد ثلاثة سيناريوهات لمستقبل سورية:
الوحدة الوطنية: حيث أكد أن القضية ليست صراعًا بين مكونات، بل تحقيق توافق يضمن السلم الأهلي.
إعادة إنتاج الفساد: قد تتحول سورية إلى رأسمالية دولة احتكارية فاسدة، كما في روسيا بعد الاتحاد السوفياتي، أو إلى رأسمالية منتجة تطلق طاقات القطاع الخاص والطبقة الوسطى، وحذر من أن الرأسمالية الطفيلية ستعيق الإنتاج وتعتمد على ميزانية الدولة.
استمرار العقوبات: حيث أعرب عن توقعاته بأن لا يتم رفع العقوبات لسنوات طويلة، لأن شروط الغرب مرتبطة بمصالحهم، وليس بحب الشعب السوري، ما يعقد إعادة البناء.


وحذّر التقي من أن أكبر خطر هو تحوّل سورية إلى “ساحة صراع إقليمي”، مشيرًا إلى مصالح إسرائيل وإيران ودول أخرى في استمرار الفوضى، وقال: “سورية القوية هي سورية الموحدة التي يرضى أبناؤها بمستقبل مشترك، وبدون ذلك سيصبح البلد مكسر عصا للخارج”، وأضاف أن إعادة تشكيل نموذج شمولي غير ممكن حاليًا، بسبب انهيار الاقتصاد، وغياب “نافورة الذهب” التي كان يعتمد عليها النظام سابقًا.
واختتمت الندوة بفتح المجال للأسئلة، حيث أكّدَ المتحدثان أهمية الوعي المجتمعي والعدالة الانتقالية لتجاوز التحديات، إذ شدّد سعيفان على ضرورة إعادة بناء مجتمعي وإداري، في حين دعا التقي السوريين إلى التفكير في قدرتهم على العيش معًا، قائلًا: “إما أن نبني مستقبلًا مشتركًا، أو نترك المجال للتفرق والتدخل الخارجي”.


وشكر الحضور مركز حرمون على تنظيم الفعالية، التي أتاحت منصّة للحوار حول مستقبل سورية في ظل واقع معقد يجمع بين الآمال والتحديات.