السويداء بعد سقوط الأسد: قراءة في تحولات القوى العسكرية والمطالب السياسية

مقدمة
عند سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024؛ كانت السويداء تحمل خصوصية بين المدن السورية، لأنها كانت تستمرّ في حراكها الثوري الذي بدأ في آب/ أغسطس 2023 ضدّ نظام الأسد، والذي حمل مطالب سياسية، واستطاع أن يُفرز تجمّعات وتيارات سياسية بعضها متباين في مطالبه حول شكل المحافظة إداريًا، وتموضع الفصائل ضمن الجيش السوري القادم، وذلك في ظلّ واقع عسكري معقد في المدينة، بسبب تنوع تبعية المجموعات المسلحة في المدينة، بين ميليشيات زعزعة أمنية وتجارة مخدرات لها امتدادات غير سورية[1]، وفصائل محلّية مقرّبة من المرجعيات الدينية والمجتمع المدني الثوري. وبعد سقوط نظام الأسد وانهيار جيشه وأفرعه الأمنية، تغيَّر دور الفصائل العسكرية في السويداء، من مجموعات محلية مهمّتها حماية التظاهرات والضبط الأمني للمدينة، إلى مجموعات تريد صياغة مكانتها في التركيبة العسكرية للجيش الذي يجري تأسيسه، وذلك مع المطالب السياسية التي تطرحها تلك المجموعات عن شكل علاقتها بالحكومة الجديدة، مع استمرار وجود ميليشيات زعزعة أمنية في المدينة[2].
تقدّم هذه الورقة قراءةً للواقع العسكري في السويداء، في أثناء معركة ردع العدوان وبعد سقوط نظام الأسد، وتبيّن ماهية شكل التحالفات العسكرية التي نشأت في المدينة عبر رسم خارطة مطالبها، وخلفية نشوء المجموعات المسلّحة فيها، وتفنيد التيارات السياسية الأساسية في المدينة ورؤيتها لشكل علاقتها مع السلطة في دمشق، والشكل الحوكمي للسويداء في الدولة السورية، ورسم السيناريوهات المتوقعة بناء على شكل العلاقة بين المجموعات المسلحة والدولة السورية. واعتمدت منهجية الورقة على الرصد التراكمي الذي أجراه الباحث بين عامي 2019 -2025، إضافة إلى مقابلة معمقة مع مسؤول المكتب السياسي لأحد التيارات السياسية، والمصادر المفتوحة.
أولًا: السويداء قبل سقوط الأسد
1- قبل انطلاق معركة “ردع العدوان”
كان هجوم مقاتلي تنظيم (داعش) على ريف السويداء، في منتصف 2018، نقطة تحول في المدينة على صعيد العمل المسلح، إذ بدأ بعدها تنامي ظهور المجموعات المسلحة التي تختلف في أهدافها وارتباطاتها وقدرتها العسكرية، إذ كانت الفصائل في المدينة قبل هجوم التنظيم غيرَ منظمة، وتعتمد على العمليات المتفرقة سواء بمواجهة عناصر النظام أو تشجيع شباب المدينة على عدم الالتحاق بجيش الأسد، وكانت كبرى الفصائل “حركة رجال الكرامة”، وحركتي ” أحرار جبل العرب” و”قوات شيخ الكرامة”، المنشقتين عن رجال الكرامة.
ويشير الشكل (1) إلى أهم الأحداث الأمنية في المدينة والتي بلورت شكل المجموعات المسلحة في المدينة:
تسلسل الأحداث الأمنية في السويداء قبل سقوط الأسد


ويمكن تقسيم المجموعات المسلحة في المدينة قبل سقوط الأسد إلى ثلاثة تصنيفات، بحسب أدوارها:
- ميليشيات تنشط في تجارة المخدرات وتهريبها، وبعضها مرتبط بحزب الله وإيران بشكل مباشر أو عن طريق الأمن العسكري.
- ميليشيات تنشط في عمليات الاغتيال والخطف، وغالبًا ما يكون ارتباطها بالأمن العسكري أو شعبة المخابرات العسكرية في دمشق.
- مجموعات محلية مقربة من المجتمع المحلي، ولم تتورط في زعزعة الأمن.
ومع انتفاضة آب 2023؛ أصبح المجتمع المدني في السويداء أكثر نشاطًا سياسيًا، وذلك في ظل تشكل أجسام سياسية عديدة تعكس مطالب التجمعات النقابية أو المهنية أو متظاهري الساحات، مثل التجمع المهني في السويداء، وتيار الحرية والسلام، ومنظمة لقاء جبل الريان، إضافة إلى أجسام تشكّلت بعد انطلاق الثورة عام 2011 مثل تيار سوريا الفيدرالي، وحزب اللواء السوري، وكان هناك محددات مشتركة بين الأجسام السياسية، مثل وجوب الانتقال السياسي حسب القرار 2254، وكان الخلاف الأساسي في الشكل الإداري للسويداء، إذ يرى كل من حزب اللواء وتيار سوريا الفدرالي أنه يجب أن تُطبق الفدراليات في سورية، على عكس موقف الحركة الشبابية السياسية والكتلة الوطنية الرافض لفكرة الفدرلة[3].
ويمكن القول إن العلاقات العسكرية السياسية في السويداء متداخلة، ويظهر الأمر جليًا في بعض التيارات السياسية مثل حزب اللواء الذي شكل سابقًا قوة “مكافحة الإرهاب”، بهدف ضبط المدينة أمنيًا بقيادة سامر الحكيم الذي قُتِل لاحقًا على يد قوات النظام[4]، وهذا التداخل يؤدي إلى امتلاك الأحزاب السياسية لأدوات قسرية لفرض توجهاتها على المجتمع، وأصبح بشكل أوضح بعد سقوط النظام عبر ثنائية المجلس العسكري وتيار سوريا الفيدرالي، على سبيل المثال.
2- أثناء معركة “ردع العدوان”
قبل بدء عملية “ردع العدوان”، كان فرعا الأمن السياسي والأمن العسكري في السويداء، إضافة إلى قيادة الشرطة، مراكز تمركز لقوات نظام الأسد، وشكَّل الأمن العسكري مركز تنسيق لعمل الميليشيات المسلحة المتورطة في تجارة المخدرات داخل المحافظة، مما جعلهم هدفًا مع بداية العمل العسكري في المحافظة، بالتزامن مع استمرار معركة ردع العدوان التي بدأت في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، إذ بدأت المجموعات المسلحة في المدينة عملياتها ضد نظام الأسد في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، عبر استهداف كلّ من فرع المخابرات الجوية ومبنى قيادة الشرطة، ثم تطورت الأحداث العسكرية، وفق 4 محاور:
- استهدافات مستمرة لمقرات نظام الأسد وحزب البعث
- انشقاقات في صفوف جيش الأسد في المدينة
- انسحابات من قبل عناصر الأسد من المدينة
- تنسيق عسكري بين مجموعات محلية عبر تشكيل غرفتي عمليات: غرفة العمليات المشتركة وغرفة عمليات الحسم.
ويشير الشكل (2) إلى تسلسل الأحداث التي بدأت في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر حتى 7 كانون الأول/ ديسمبر 2024، عشية سقوط نظام الأسد.
التطورات العسكرية في السويداء أثناء معركة “ردع العدوان”


وفي 8 كانون الأول/ ديسمبر، بسطت الفصائل المحلية سيطرتها على محافظة السويداء، وتولت مهمة الضبط الأمني للمحافظة لحظة السقوط، مع دخول بعض فصائل السويداء إلى مدينة دمشق، ولكن لم تشارك في أي عمليات عسكرية داخلها أو خارج الإطار الإداري لمحافظة السويداء.
ثانيًا: السويداء ما بعد سقوط نظام الأسد
1- المجموعات العسكرية
بعد سقوط نظام الأسد، تراجع ظهور ميليشيات الزعزعة الأمنية وتجارة المخدرات في المدينة، على الرغم من محاولات فصائل محلية الهجوم على تلك الميليشيات مباشرة، بعد 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، مثل هجوم فصيل قوات شيخ الكرامة، في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2024، على منزل ناصر السعدي زعيم إحدى الميليشيات في مدينة صلخد[5]، وذلك عقب التأكد من استشهاد 3 أشخاص من فصيل قوات شيخ الكرامة في سجن صيدنايا، كان ناصر السعدي متهمًا بتسليمهم إلى شعبة المخابرات العسكرية عام 2020[6].
وبالتزامن مع ذلك التراجع في الظهور لتلك الجماعات، بدأت التحالفات العسكرية تتبلور بشكل أكبر ضمن المحافظة، حيث كانت أكبر التحالفات، بحسب الشكل التفاعلي (1)، هي: المجلس العسكري، غرفة العمليات المشتركة وغرفة عمليات الحسم. ويحوي الشكل التفاعلي على البطاقات التعريفية لكل مجموعة عسكرية.
شكل تفاعلي عن الخارطة العسكرية في السويداء بعد سقوط الأسد
ويُلاحظ انقسام موقف التحالفات العسكرية من الحكومة في دمشق إلى ثلاثة محاور أساسية:
1- رفض الحكومة الحالية بالمطلق، وتتبلور أسباب الرفض حول شكل المحافظة الإداري الحالي، وذلك بهدف تحويل نظام الحكم الإداري في سورية إلى فدراليات، وهو ما يريده المجلس العسكري، وأيّدته بذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) فور الإعلان عن تأسيس المجلس[7].
2- القبول بالحكومة الحالية، على أن يكون الملف الأمني والعسكري هو تحت مظلة وزارتي الدفاع والداخلية، على أن يكون العناصر في السويداء من أبناء السويداء، مثل موقف رجال الكرامة وأحرار جبل العرب.
3- القبول بالحكومة على أن لا يتم تسليم السلاح أبدًا إلا بعد اتضاح هيكلية وزارة الدفاع، واستبعاد العناصر الأجنبية من الوزارة، مثل موقف لواء الجبل[8].
لم تكن هذه المواقف هي فقط مطالبات تنتظر هذه التحالفات العسكرية الردّ عليها من قِبل حكومة دمشق، بل تصادمت ضمن المدينة، حيث لَقي تأسيس المجلس العسكري بدايةً ردة فعل رافضة، من قبل فصائل محلية أخرى رأت أنه لا يمثّل توجهات أهل السويداء، لكون قائده “طارق الشوفي” هو نفسه رئيس تيار سوريا الفيدرالي المطالب بفدرلة السويداء، ولظهور العميد في صفوف جيش الأسد “سامر الشعراني”، في فيديو الإعلان عن تأسيس المجلس، وكان الشعراني مديرًا لمنطقة القطيفة في ريف دمشق وبقي في منصبه حتى سقوط نظام الأسد، وهذا ما فتح الباب لتساؤلات حول دور ضباط الأسد المتوارين عن الأنظار في التشكيل العسكري الجديد، ولاحقًا تم الاتفاق بين غرفة العمليات المشتركة في المحافظة وحكومة دمشق، على أن يتولى أبناء المحافظة مهمّة الانضمام إلى قوى الأمن الداخلي لضبط الأمن في المحافظة، بشرط أن لا يكون أي منهم محكومًا بأحكام جنائية. وبناء على ذلك، أرسلت وزارة الداخلية 9 سيارات شرطة من دمشق إلى السويداء، ليتم استخدامها في المحافظة في 6 آذار/ مارس 2025، ولكن فصائل المجلس العسكري منعتهم من الدخول[9]، وذلك بالتزامن مع تظاهراتٍ دعا إليها تيار سورية الفدرالي طالبت بإسقاط النظام الحالي، وحيَّت كُلًا من الشيخ حكمت الهجري والشيخ موفق طريف.
2- العمل السياسي:
نشط العمل السياسي في السويداء مع بداية الثورة السورية، ولكن مع مرور الوقت تقلّصت مساحات تأثير الفعل السياسي في ظل الحالة العسكرية في البلاد، مما أدى إلى تراجع هذا النشاط في السويداء وعودته إلى الواجهة من جديد مع انتفاضتي 2022 و2023، حيث ساهمت التجمعات السياسية الموجودة، ولا سيما الناشئة حديثًا منها، في تنظيم الحراك ومحاولة عكس مطالبه، والتأكيد على اتساق هذا الحراك مع الثورة السورية ككل، حيث كانت كلّ الأحزاب والتيارات السياسية المشاركة في حراك السويداء متفقةً على وجوب الانتقال السياسي في سورية وفق 2254، وكانت مساحة الفعل السياسي المتاحة أثناء الحراك هي تنظيم مطالبه، في ظل استمرار نظام الأسد في تقديم الخدمات في المدينة، وإدارة المرافق بالحد الأدنى من الكوادر مثل مؤسسات المياه والكهرباء ومديرية التربية، ولكن الخلاف بين التيارات السياسية كان على شكل المحافظة إداريًا ضمن الخارطة السورية، وهذا الخلاف استمر إلى ما بعد سقوط الأسد، ولكن بشكل أكثر اتساعًا لاتساع مساحات العمل السياسي لتشمل الأطر الخدمية، وذلك في ظل حالة فراغ أمني وعسكري بسبب استمرار المفاوضات بين وزارة الدفاع في الحكومة السورية الجديدة وفصائل المدينة التي تختلف مطالبها من الحكومة.
ومع سقوط النظام، حاولت اللجنة السياسية في السويداء أن تُعيِّن أعضاء المكتب التنفيذي في المحافظة، فلقي ذلك رفضًا من تيارات سياسية أخرى، ومع تصاعد الخلاف عينت الحكومة السورية مصطفى بكور محافظًا على السويداء، ولم تستطع التيارات السياسية في السويداء أن تُنشئ حراكًا فاعلًا في المدينة، بعد 8 كانون الأول /ديسمبر 2025، بسبب تصدر الجانب الأمني والعسكري المشهد في المحافظة، في ظل خلاف بين الفصائل وامتلاك بعض تلك التيارات لقوى عسكرية مثل تيار سورية الفدرالي، وارتباطه بالمجلس العسكري.
وانكفأ عدد من التيارات والفصائل عن اللقاء بالحكومة، بسبب مطالب مسبقة لها من الدولة، في حين كانت اللقاءات تتم بشكل دوري مع شخصيات من الحكومة وشخصيات من غرفة العمليات المشتركة وغرفة عمليات الحسم، ومنها اللقاء الذي جمع الرئيس أحمد الشرع مع كل من : سليمان عبد الباقي قائد حركة أحرار جبل العرب، ليث البلعوس قائد حركة شيوخ الكرامة، وشخصيات أخرى من المحافظة، في 24 شباط/ فبراير 2025[10].
وبحسب الجدول (1) يمكن تصنيف مواقف أبرز التيارات السياسية من قضيتي الفدرالية والتدخل الخارجي:
مواقف أبرز التيارات السياسية من فكرة الفيدرالية والتدخل الخارجي
اسم الجهة | فكرة الفدرالية | التدخل الخارجي | عام التأسيس |
الحركة السياسية الشبابية | ضد | ضد | 2022 |
الكتلة الوطنية | ضد | ضد | 2023 |
التيار السوري العلماني | مع | لا موقف | 2025 |
حزب اللواء السوري | مع | مع | 2021 |
تيار سوريا الفدرالي | مع | مع | 2023 |
الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني | ضد | ضد | 2012 |
اللجنة السياسية | ضد | ضد | 2024 |
ويلاحظ أنه لم يطرأ تغير على مواقف تلك التيارات من شكل المحافظة إداريًا[11]، ولكن كان التغير بسلوك التيارات المؤيدة لفكرة الفدرالية في آلية فرض توجهاتها، إذ شهدت المحافظة تظاهرات في 6 آذار/ مارس 2025 بتنظيم من حزب اللواء السوري وتيار سورية الفدرالي والمجلس العسكري، هتفت ضد حكومة دمشق، مع إنزال العلم السوري من على مبنى المحافظة ومبنى قيادة الشرطة، في حين كانت تظاهرات 7 آذار/ مارس 2025 مؤكدة على أهمية الوحدة الوطنية، ورفض أي مشاريع انفصالية سواء كانت سياسية أو عسكرية، دون أن يكون تدخل عسكري من فصائل المدينة في التظاهرة.
وفي 12 آذار/ مارس 2025، حققت المحادثات بين الحكومة والشيخ حكمت الهجري تقدّمًا على صعيد الملفين الأمني والخدمي في المحافظة[12]، حيث جرى اجتماع بين ممثلي محافظة السويداء في مؤتمر الحوار مع محافظ السويداء مصطفى البكور، وتم الاتفاق بشكل أولي على الملفات التالية:
- ملف الأمن والدفاع: وشمل تفعيل ملف الشرطة والملف الأمني في المحافظة وتنظيم الضباط والأفراد المنشقين ضمن وزارة الدفاع.
- ملف المؤسسات الخدمية: وشمل من الأولوية لتوظيف الموظفين المفصولين تعسفيًا في ظل نظام الأسد، ومراجعة ملفات الموظفين المفصولين تعسفيًا بعد 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، والعمل على الإسراع في تعيين أعضاء المكتب التنفيذي المؤقت من قبل الحكومة، وفتح مقر جامعي في مبنى حزب البعث سابقًا في المحافظة، وصرف الرواتب المتأخرة للموظفين.
3- المرجعيات الدينية:
كانت مواقف المرجعيات الدينية الثلاثة في السويداء، وهم: (حكمت الهجري، حمود الحناوي، يوسف الجربوع) متباينة بعد عام 2022 من نظام الأسد، حيث كان موقف الهجري أكثر موقف مواجه للأسد ومؤيدًا للحراك الثوري في المدينة، وخاصة بعد حراك آب/ أغسطس 2023، على الرغم من تأييده السابق للنظام قبل عام 2020، وحثه أبناء المحافظة على الالتحاق بالخدمة الإلزامية في جيش الأسد بعد عام 2013[13]. أما موقف الشيخ حمود الحناوي فقد كان مؤيدًا للحراك، وخاصة في شق المطالب الاقتصادية، في حين كان موقف الشيح يوسف الجربوع أقرب إلى سردية النظام، حيث بقي هو ممثل الطائفة الدرزية في مناسبات نظام الأسد الرسمية حتى سقوط الأسد.
بعد سقوط الأسد، تغيّرت التحالفات في المدينة بين المرجعيات الدينية والتيارات السياسية، حيث برز تحالف حزب اللواء السوري والشيخ حكمت الهجري في تصريحات الحزب، إذ أعلن الحزب في بيان له النفير العام، إضافة إلى التنسيق التام بين الحزب والشيخ حكمت في “رفضهم لسياسات أحمد الشرع”[14]، وجاء هذا التغير في التحالفات في ظل خلاف ظهر جليًا بين الشيخ حكمت الهجري وقائد حركة رجال الكرامة يحيى الحجار، بسبب موقف كليهما من حكومة دمشق في الجانب العسكري والأمني، إذ استطاعت حركة رجال الكرامة التوصل إلى اتفاق مع حكومة دمشق بأن تكون قوى الأمن الداخلي في المدينة من أبناء المحافظة.
وكان الشيخ حكمت الهجري أكثر المرجعيات نشاطًا، من حيث التصريحات السياسية المواكبة الأحداث بعد سقوط الأسد، إذ اعتبر أن تسليم حل الفصائل وتسليم سلاحها مرتبط بإنشاء جيش سوري[15]، وأن البلاد تحتاج إلى التدخل الدولي، لضمان أن تسفر العملية السياسية عن دولة مدنية[16]،في حين كانت مواقف كلّ من يوسف وحمود تتركز على رفض أي مشاريع انفصالية في المحافظة. وأبدى الشيخ حمود الحناوي معارضة كاملة لكل التشكيلات العسكرية والسياسية الداعية للانفصال في السويداء[17].
4- التصريحات الإسرائيلية
بعد سقوط الأسد؛ سارعت إسرائيل إلى الهجوم على مواقع الجيش السوري والمرفقات التابعة له، في ظل تقدم عسكري في القنيطرة وريف درعا والسيطرة على مرتفعات جبل الشيخ، وانتقل السلوك الإسرائيلي مع بداية شباط إلى التعبير عن توجهاتها السياسية تجاه الحكومة السورية الناشئة، ومواكبة التطورات الداخلية، حيث صرح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال حفل لتخريج الطلاب في تل أبيب في23 شباط/ فبراير 2025 أنه ينوي أن تكون المنطقة الجنوبية من دمشق منزوعة السلاح وأنه لن يقبل بأي تهديد قد ينال الطائفة الدرزية في جنوب سورية[18]، واستمرت التصريحات الاسرائيلية عبر وزير الدفاع الإسرائيلي بالتزامن مع التوتر الذي حصل في مدينة جرمانا، في 24 شباط/ فبراير 2025، أنه من الممكن أن تتدخل إسرائيل عسكريًا في سورية، في حال تعرّض الدروز لأي تهديد من قبل حكومة دمشق. وعلى الرغم من التصريحات الإسرائيلية، كان موقف الحراك الثوري والمرجعيات الدينية في السويداء إيجابيًا، حيث أعلنت المرجعيات الدينية الثلاث في المدينة رفضها لأي تدخل خارجي إسرائيلي، مؤكدين وحدة الدولة السورية، وهو الموقف نفسه الذي تبناه سليمان عبد الباقي قائد حركة أحرار جبل العرب[19].
ثالثًا: السيناريوهات المحتملة: بين التسوية والاستمرار في الاضطراب
الاتفاق الكامل بين المجموعات المسلحة والدولة
يتضمّن هذ السيناريو حدوث اتفاق على مستويين متتاليين: الأول بين فصائل المدينة على المطالب المحلية، والآخر مع الدولة. وسيكون هذا السيناريو هو الأنجع، في حال حدوثه، على صعيد السلم الأهلي الداخلي ضمن المحافظة. ومن الممكن أن تنص المطالب المتفق عليها بين الفصائل وبين الدولة على أن يكون عناصر الأمن والشرطة من أبناء المحافظة ضمن المحافظة نفسها، وكذلك الأمن العام، ولكن يبرز هنا عائق وهو أن الميليشيات المتورطة في تجارة المخدرات قد تعرقل مثل تلك التفاهم، لأنه سيجعلها مجردة من مبررها لحمل السلاح، وبالتالي قد تكون الخطوة الثانية بعد هذا الاتفاق حملة على تلك الميليشيات، ومن المهم بمكان في حال حدوث مثل هذا الاتفاق أن تتمسك الدولة بمطالبها التي اتفقت عليه مسبقًا مع حركة رجال الكرامة، بأن يكون سلامة السجل الجنائي شرطًا للالتحاق بالقوى الأمنية أو العسكرية، وإلا فقد يتم تعويم ميليشيات الزعزعة الأمنية تحت غطاء الدولة، ويُرجح هذا السيناريو بعد الاتفاق الأولي الذي عُقد في دار الرئاسة الروحية لمشيخة العقل، في 12 آذار/ مارس 2025، بين ممثلي السويداء في مؤتمر الحوار الوطني، ومحافظ السويداء مصطفى بكور.
الاتفاق الجزئي بين بعض الفصائل والدولة
يمثل هذا السيناريو استمرارًا للوضع الحالي، وذلك عبر تبلور تحالف جزء من الفصائل المحلية مع الحكومة، وبذلك تكون المجموعات المسلحة على موقفين: موقف مع الحكومة وموقف ضدها. وهنا يبرز دور المرجعيات الدينية، وأولهم الشيخ حكمت الهجري، فإما أن يكون للمرجعيات دور في إيصال المجموعات المسلحة إلى اتفاق داخلي، وإما أن تزيد التمترس في الخلافات التي قد تؤدي إلى تهديد السلم الأهلي في المحافظة عبر مواجهة مباشرة، يكون لميليشيات تهريب المخدرات دور بارز فيها ضد الفصائل المحلية المتفقة مع الحكومة، وذلك لسببين أولها تاريخ تلك الميليشيات ضد الفصائل المحلية، حيث قامت الفصائل المحلية مثل حركة رجال الكرامة بحملات ضد تلك الميليشيات مثل الحملة ضد ميليشيات راجي فلحوط أكبر ميليشيات السويداء سابقًا وأنهت الحركة وجود تلك الميليشيا بشكل كامل، وثانيهما إعادة تنشيط تجارة المخدرات في المحافظة باتجاه الحدود الأردنية استغلالًا للأوضاع الأمنية المتزعزعة.
غياب الاتفاق بشكل كامل بين المجموعات المسلحة والدولة
يتمثل هذا السيناريو بقدرة المجموعات المسلحة المحلية على تقديم البُعد العشائري على الهوية الوطنية وخلافاتهم المسبقة، كما حدث أثناء هجوم تنظيم (داعش) على المحافظة، تحت مبدأ “الأرض والعرض”، وهذه السيناريو هو الأكثر سلبية على المشهد الوطني السوري، وسينعكس على شكل تدخل دولي يدعم السويداء، وقد يكون التدخّل إسرائيليًا، وذلك استكمالًا لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول حماية الطائفة الدرزية[20]، وهذا التدخل سيُثبت الوضع في شمال شرق سورية، ويفتح الباب لتمردات في الساحل، ومن ثم تُحوّل سورية إلى عدة اقليم تحمل امتدادات خارجية ودولة سورية هشة فاقدة للسيطرة على كامل الأراضي السورية.
تتشابك العوامل المحلية في السويداء في صياغة ملامح مستقبلها بعد سقوط نظام الأسد. ومع تفكك بنية السلطة القديمة في المدينة، برزت قوى جديدة تسعى لإعادة تعريف دورها في المشهد السياسي والعسكري، وهو ما خلق حالة من عدم الاستقرار، نتيجة تباين الرؤى بين الفصائل المحلية والتيارات السياسية، ولا سيما في ما يتعلق بعلاقتها بالحكومة الجديدة في دمشق. هذا الواقع يضع السويداء أمام تحديات كبرى، فبينما تطرح بعض القوى خيارات التفاوض والتسوية، كمسار للحفاظ على الأمن المحلي وضمان تمثيلها السياسي، ترفض أطراف أخرى أي شكل من أشكال الارتباط بالحكومة، وهو ما يهدد بانقسام داخلي قد يؤدي إلى اضطرابات طويلة الأمد.
في ظلّ هذه التعقيدات، تبرز احتمالات متعددة لمستقبل السويداء، إذ يمكن أن يشكل التوافق بين الفصائل المحلية والحكومة السورية خطوةً نحو استقرار تدريجي، شريطة أن تُحترم الخصوصية السياسية والإدارية للمحافظة، وألّا تُفرض تسويات لا تلقى قبولًا شعبيًا، أما في حال استمرار الانقسام السياسي والفصائلي، فقد تنزلق السويداء إلى حالة من التوترات الأمنية المستمرة، ولا سيما مع سعي بعض الأطراف إلى توظيف الواقع الحالي لتحقيق مكاسب خاصة، سواء عبر فرض مشاريع سياسية مغايرة لما يطالب به الحراك المدي في المحافظة، أو من خلال نشاطات الزعزعة الأمنية، مثل تهريب المخدرات والاغتيالات، لذلك فإن المرحلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير السويداء، من حيث التمكّن من تجاوز تحدياتها عبر حلول سياسية توافقية أو البقاء ساحة صراع مفتوح بين الفصائل المختلفة، بما يضعها أمام مخاطر جديدة قد تعيد إنتاج الفوضى بدلًا من إعادة البناء.
المراجع:
- رياض الزين، قوات النظام السوري تدخل معقل «مكافحة الإرهاب» في السويداء، صحيفة الشرق الأوسط
- يمان زباد، المجموعة المسلحة في السويداء … ثنائية الأمن والمخدرات، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
- يمان زباد، حراك السويداء … تحديات أمنية ومظاهرات مستمرة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
- يمان زباد، ” انتفاضة السويداء في آب 2023: تحديات أمنية وسيناريوهات مفتوحة”، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
[1] يمان زباد، المجموعة المسلحة في السويداء … ثنائية الأمن والمخدرات، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، شوهد في 10 آذار/ مارس 2025 https://bit.ly/4hfyGIB
[2] المقصود بـ “الميليشيات” المجموعات المسلّحة التي تقوم بأدوار زعزعة أمنية مستمرة وتجارة المخدرات، ولها تبعية للأفرع الأمنية أو لروسيا أو إيران سابقًا، والمقصود بـ “الفصائل” المجموعات المسلحة المرتبطة بالحراك ضمن المحافظة ولا تتبع لجهات أخرى.
[3] يمان زباد، حراك السويداء … تحديات أمنية ومظاهرات مستمرة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية 08 أيار/ مايو 2024، شوهد في 3 آذار/ مارس 2025 https://bit.ly/3FhGZX1
[4] رياض الزين، قوات النظام السوري تدخل معقل «مكافحة الإرهاب» في السويداء، صحيفة الشرق الأوسط، 9 حزيران/ يونيو 2022، شوهد في 3 آذار/ مارس 2025https://bit.ly/3VRdSAo.
[5] يتزعم ناصر السعدي ميليشيا لتجارة المخدرات في منطقة صلخد، وحاولت القوات الأردنية اغتياله عبر استهداف منزله في كانون الأول/ ديسمبر 2023.
[6] السويداء 24، تشهد مدينة صلخد توترات أمنية إثر هجوم فصيل قوات شيخ الكرامة على منزل عائلة ناصر السعدي، 10 كانون الأول/ ديسمبر 2024، شوهد في 06 آذار/ مارس 2025، https://bit.ly/4ksakyc
[7] تشكيل مجلس عسكري جديد في السويداء، 23 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 06 آذار/ مارس 2025، https://archive.md/ByK9e
[8] لقاء تلفزيوني مع نجيب أبو فخر، المتحدث باسم لواء الجبل، 2 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 07 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/4ivJ0xa
[9] مقابلة أجريت بتاريخ 8 آذار/ مارس 2025 مع مسؤول المكتب السياسي لأحد التيارات السياسية، وهو من منظمي حراك آب 2023.
[10] ضياء عودة، البلعوس يكشف لـ “الحرة” مستجدات العلاقة مع دمشق والموقف من إسرائيل، موقع الحرة، 26 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 12 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3XLPjEV
[11] مرجع سابق، يمان زباد، حراك السويداء … تحديات أمنية ومظاهرات مستمرة.
[12] دارة قنوات تحتضن اتفاق وثيقة تفاهم مع الإدارة السورية الجديدة، مركز إعلام السويداء، 12 آذار/ مارس 2025، شوهد في 12 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3XJ5V02
[13] يمان زباد: “انتفاضة السويداء في آب 2023: تحديات أمنية وسيناريوهات مفتوحة”، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 31 آب/ أغسطس 2023، شوهد في 10 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3Ufnwub
[14] الصفحة الرسمية لحزب اللواء السوري على الفيسبوك، 09 آذار/ مارس 2025، شوهد في 10 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3XF8ccy
[15] الهجري لتلفزيون سوريا: تسليم السلاح وحلّ الفصائل مرتبط بوجود جيش سوري، موقع تلفزيون سوريا، 04 كانون الثاني/ يناير 2025، شوهد في 10 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3DhGs79
[16] الشيخ حكمت الهجري يطالب بتدخل دولي لضمان دولة مدنية وفصل للسلطات، موقع تلفزيون سوريا، 25 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 10 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/4kD02LJ
[17] مقابلة مع الشيخ حمود الحناوي، نون بوست، 28 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 10 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3XE5Avs
[18] نوايا إسرائيلية مضمرة.. سيناريو “الكانتون الدرزي” إلى الواجهة مجدّدًا، تلفزيون العربي، 5 آذار/ مارس 2025، شوهد في 12 آذار/ مارس 2024، في https://bit.ly/41KR7iE
[19] ضياء صحناوي، الجنوب السوري… صدمة إملاءات نتنياهو، العربي الجديد، 25 شباط/ فبراير 2025، شوهد في 12 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3XJ4iiW
[20] مليار دولار من إسرائيل لتأليب دروز سوريا على دمشق، صحيفة الشرق الأوسط، 5 آذار/ مارس 2025، شوهد في 10 آذار/ مارس 2025، في https://bit.ly/3XC4VL2