المقالات

المرحلة الانتقالية في دول ما بعد النزاع.. مقاربات لفهم الحالة السورية

Reading Time: 1 minute

تمثل المرحلة الانتقالية في دول ما بعد النزاع نقطة مفصلية في تاريخ الشعوب، حيث تتقاطع عندها التطلعات نحو العدالة والحرية مع إرث طويل من الانقسامات والعنف. فهذه المرحلة ليست مجرد عملية سياسية مؤقتة بل فرصة ذهبية لإعادة بناء الدولة والمجتمع على أسس من التفاهم المتبادل والعدالة. وفي مثل هذه اللحظات التاريخية، لا تقتصر المهمة على إسقاط النظام القديم فحسب بل تمتد إلى عملية معقدة من إعادة تشكيل النظام السياسي والاجتماعي برمته. وتشتمل هذه العملية على تأسيس عقد اجتماعي جديد قادر على إدارة التنوع الاجتماعي والسياسي، وضمان الحقوق للجميع، بما في ذلك الفئات المهمشة والضعيفة.

أولاً: المرحلة الانتقالية؛ المفهوم والمكونات الأساسية

تُعرّف المرحلة الانتقالية بأنها المدة الزمنية التي تفصل بين انهيار النظام السياسي القديم وبناء نظام جديد، عندما تكون الدولة في حال من عدم الاستقرار المؤسساتي والسياسي. وعلى الرغم من أن هذه المرحلة تتسم بالهشاشة والضبابية، فإنها تحمل إمكانات ضخمة للتحول والتغيير الجذري نحو الأفضل. ولا يوجد قالب واحد لهذه المرحلة، فهي تتعدد بحسب أحوال كل دولة وطبيعة النزاع الذي شهدته، وتشمل عادة مسارات عدة متداخلة ومتوازية:

  1. انتقال السلطة؛ إعادة توزيع السلطة وبناء الهياكل الانتقالية: تبدأ هذه المرحلة بتشكيل هيئات انتقالية مثل المجالس السيادية أو الحكومات المؤقتة التي تضطلع بإدارة شؤون الدولة بشكل مؤقت. تسعى هذه الهيئات إلى تمهيد الطريق لتشكيل حكومة دائمة وقادرة على استعادة الثقة الشعبية.
  2. الانتقال الدستور والقضائي: يتضمن ذلك مراجعة الدستور القديم، أو صياغة دستور جديد يعكس تطلعات المجتمع، ويراعي التنوع الثقافي والسياسي. ويشمل تنظيم الحياة السياسية والحزبية، ما يسمح بتأسيس بيئة قانونية تحترم حقوق الإنسان، وتضمن حريات الأفراد.
  3. العدالة الانتقالية: تعد العدالة الانتقالية إحدى الركائز الأساس في هذه المرحلة، وتهدف إلى محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات السابقة، وتعويض الضحايا، وحفظ الذاكرة الجماعية. وتُرسي ضمانات بعدم تكرار الانتهاكات من خلال إصلاحات عميقة في المؤسسات الأمنية والقضائية.
  4. الانتقال المؤسساتي: إعادة هيكلة المؤسسات، أو إعادة بنائها، ولا سيما المؤسسات التي تعرضت للتدمير أو التفكك خلال النزاع، خصوصًا المؤسسات الأمنية والقضائية. ومن المهم أن تتم هذه العملية بشكل يضمن استقلالية هذه المؤسسات، ويعيد إليها المهنية والقدرة على تطبيق القانون بحياد.
  5. الانتقال الديمقراطي: ويتضمن التحضير لانتخابات حرة ونزيهة، لما تشكله الانتخابات من خطوة محورية في المرحلة الانتقالية، خطوة تمنح المجتمع فرصة لاختيار ممثليه بطريقة ديمقراطية وشفافة. وتبرز في هذا السياق أهمية تشكيل مفوضية انتخابات مستقلة ونزيهة تضمن قبول المتنافسين نتائجَ الانتخابات، وعدم انزلاق البلاد في دوامة من العنف والتشكيك في شرعية السلطة.

وتختلف مدة المراحل الانتقالية من دولة إلى أخرى بحسب الأوضاع المحلية، وطبيعة الصراع الذي عاشته تلك الدول. وقد تمتد المراحل الانتقالية -في بعض الحالات- من بضع سنوات إلى عقد من الزمن أو أكثر، خاصة إذا كان النزاع طويلًا ومعقدًا، وكان له تأثيرات واسعة في النظامين السياسي والاجتماعي. ففي الدول التي عانت حروبًا أهلية طويلة أو صراعات إقليمية معقدة -على سبيل المثال- قد تأخذ المراحل الانتقالية وقتًا أطول لتأسيس نظام ديمقراطي مستدام، فهذا يتطلب إعادة بناء المؤسسات من الصفر، وبناء الثقة بين الأطراف المتنازعة.

وبناءً على ذلك، تعد المراحل الانتقالية عملية غير قابلة للتعميم، تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الوضع المحلي، والفاعلين السياسيين، ونوعية النزاع، والموارد المتاحة لإعادة الإعمار وإجراء الإصلاحات اللازمة.

ثانيًا: أهمية المرحلة الانتقالية وخطر فشلها

يعتمد نجاح المراحل الانتقالية  كبير على عوامل عدة:

  1. إرادة سياسية جامعة: يجب أن تكون ثمة إرادة حقيقية من الأطراف السياسية والمجتمعية جميعها لتحقيق التغيير الجذري، والالتزام بمبادئ الانتقال الديمقراطي.
  2. إشراك المكونات الاجتماعية جميعها في العملية السياسية: من الضروري أن تشمل العملية السياسية الأطراف والمكونات المجتمعية جميعها، بما في ذلك الأقليات والفئات المهمشة، لضمان توافق اجتماعي واسع، ودعم شعبي للانتقال.
  3. حياد المؤسسات السيادية: يشترط أن تكون المؤسسات السيادية، من مثل الجيش والقضاء، محايدة ومستقلة عن التدخلات السياسية، لكي تسهم في ضمان نزاهة العملية الانتقالية، وتحقيق العدالة.
  4. وجود دعم دولي للانتقال الديمقراطي: من الضروري أن تحظى المرحلة الانتقالية بدعم دولي يشمل مساعدات اقتصادية وفنية، مع التأكيد أن هذا الدعم يجب أن يكون غير منحاز وغير تدخلي، ويهدف إلى تعزيز الاستقرار، وتنفيذ الإصلاحات.

في المقابل، فإن إخفاق المرحلة الانتقالية يؤدي غالبًا إلى نتائج كارثية، من مثل عودة الاستبداد، ولكن بصيغة جديدة، أو قد يؤدي إلى تفكك الدولة إلى كيانات متناحرة، أو الانزلاق في دوامة جديدة من العنف والصراعات المستمرة. لذلك، تعد المرحلة الانتقالية لحظة حاسمة يجب التعامل معها بحذر وحكمة لضمان نجاح التحول الديمقراطي، والاستقرار المستدام.

ثالثًا: تجارب مقارنة من المنطقة

إن دراسة تجارب الدول التي مرّت بمرحلة انتقالية تعد أداة أساسية لفهم التحديات التي قد تواجه أي دولة تسعى للانتقال نحو الديمقراطية. ومن خلال النظر في هذه التجارب، يمكننا استكشاف الدروس المستفادة من النجاحات والإخفاقات التي شهدتها دول أخرى في عملياتها الانتقالية، ولا سيما في السياقات التي تتسم بتعددية اجتماعية وسياسية وتعقيدات مؤسساتية.  وخاصة تجارب تونس وليبيا وقبرص والعراق وجنوب أفريقيا والجزائر وإيطاليا ودول أخرى عاشت هذه التجربة. وفي حالة سورية التي واجهت صراعًا معقدًا أدى إلى انهيار مؤسساتها، وتفاقم الانقسامات بين مكوناتها المجتمعية، تصبح دراسة هذه التجارب أكثر أهمية، خاصة في ظل الظروف المحلية، والاحتياجات الخاصة للمرحلة الانتقالية. فالتجارب المقارنة توفر إطارًا غنيًا لفهم العوامل التي قد تؤثر في سير العملية الانتقالية، مع الإشارة إلى أهمية تكامل الإصلاحات السياسية والاقتصادية لضمان الانتقال السلس إلى نظام ديمقراطي مستدام.

رابعًا: المرحلة الانتقالية في السياق السوري

تتسم الحالة السورية بتعقيد بالغ، إذ تواجه البلاد جملة من التحديات المركّبة، تتداخل فيها عوامل الصراع المزمن، والتعقيدات الإقليمية والدولية، مع تطلعات السوريين نحو العدالة والحرية والكرامة، الأمر الذي يجعلها واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخ سورية المعاصر.

فليس المطلوب في الحالة السورية بناء مؤسسات جديدة فقط، بل إعادة بناء الثقة الوطنية، وتجاوز إرث العنف والانقسام، وهذا ما يزيد من أهمية التأسيس السليم للمرحلة الانتقالية، بما يضمن عدم إعادة إنتاج الاستبداد أو الانهيار.

وعليه، يهدف ملف العدد الرابع والثلاثين من مجلة قلمون إلى تعميق الفهم النظري والتطبيقي للمرحلة الانتقالية، وإبراز موقعها المحوري في مسار التحول الديمقراطي في الدول الخارجة من النزاعات، لذا، من الضروري أن تتركز الأبحاث المقدّمة ضمن محاور تتيح معالجة متوازنة ومعمّقة للأبعاد المختلفة لهذا التحول. ويُستحسن أن تنطلق الدراسات من تحليل نظري للمرحلة الانتقالية، مع الانفتاح على دراسات مقارنة لتجارب الانتقال الديمقراطي في بيئات مشابهة، واستخلاص الدروس والإخفاقات منها بما يخدم الحالة السورية.  ويمكن أن تركز الأبحاث المقدمة على المحاور الآتية:

  1. تحليل نظري لمفهوم المرحلة الانتقالية في سياق الدول الخارجة من النزاعات.
  2. دراسات مقارنة لتجارب الانتقال الديمقراطي.
  3. العدالة الانتقالية وعلاقتها بالمرحلة الانتقالية.
  4. استراتيجيات إعادة بناء المؤسسات الأمنية والقضائية وفق معايير النزاهة والاستقلال.
  5. دور المجتمع المدني في دعم التحول الديمقراطي ومرافقة المرحلة الانتقالية.
  6. التدخلات الدولية والإقليمية، وتأثيرها في مآلات الانتقال في سورية.
  7. نماذج الحوكمة الممكنة: مركزية أم لامركزية في الإدارة والسيادة.
  8. إعادة الإعمار في سياق سياسي هش: المخاطر، والأولويات، والحوكمة الرشيدة.
  9. إعادة تأسيس الحياة السياسية، وبناء بيئة تضمن التعددية والديمقراطية.
  10. السياسات التعليمية في  المرحلة الانتقالية.

تقبل المقترحات البحثية (ملخص 500 كلمة) حتى موعد أقصاه (01 تشرين الأول/ أكتوبر 2025)، على أن تستكمل البحوث في موعد أقصاه (20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025).

تخضع البحوث جميعها للتحكيم العلمي.

ترسل المقترحات مرفقة بالسيرة العلمية للباحثة أو الباحث إلى إيميل رئيس التحرير:

 [email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى