المقالات

تقرير رصد مركز حرمون لشهر أيار/ مايو 2025

Reading Time: 2 minutes

المحتويات

2- الجانب الإداري والحوكمي

4- الجانب السياسي والاجتماعي

5- الجانب الأمني والعسكري

15- الجانب الاقتصادي والخدمي

تقرير يرصد التحولات السياسية والاجتماعية والإدارية والتطورات الأمنية في المحافظات السورية خلال شهر أيار/ مايو 2025

يتناول هذا التقرير خلاصة الرصد الشهري للتحولات السياسية والاجتماعية والإدارية والتطورات العسكرية في المحافظات السورية، خلال شهر أيار/ مايو 2025، وهو جزء من سلسلة تقارير شهرية دورية ترصد مؤشرات التغيير بعد سقوط النظام السابق، ويعتمد التقرير على راصدين ميدانيين في كل المحافظات السورية، وعلى مصادر رسمية وغير رسمية، ويهدف إلى تحليل مدى تقدّم عمليات الحوكمة، واستعادة الأمن، وانفتاح الفضاء المدني، وتحولات المشهد الاقتصادي والخدمي.

الجانب الإداري والحوكمي

1. القرارات الوزارية والتنظيمية

الواقع الإداري والحوكمي في تحسّن مستمر، حيث شهد شهر أيار/ مايو استحداث لجنة العدالة الانتقالية، التي كُلّفت بإعداد النظام الداخلي والسياسات العامة للعمل، وبالكشف عن حقيقية الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها نظام الأسد. واستمرّت التعيينات على المستوى الوزاري داخل القطاعات الوزارية عبر تعيين معاونين للوزراء، بقرار من رئيس الجمهورية الانتقالي، أو تعيين ناطق رسمي باسم وزارة الداخلية.

استمرت الوزارات في حوكمة عملها على المستوى الإداري، حيث أصدرت وزارة التعليم عدة قرارات متعلقة بالجامعات المعترف بها في سورية، وبتجريم خطاب الكراهية داخل الجامعات تحت طائلة المسؤولية، إلا أن تجاهل الوزارة للطلبة السوريين في تركيا والمغترب، وهم يشكّلون عددًا كبيرًا من مجمل عدد الطلبة السوريين، أدّى إلى حالة سخط عام، ولا سيّما في ظلّ عدم الاعتراف بشهادة التعليم المفتوح الصادرة من تركيا. وأعادت وزارة الطاقة الموظفين المفصولين بسبب الثورة، العاملين في قطاع النفط.

2. التعيينات المركزية والقطاعية

صدر عدد من التعيينات على مستوى الحكومة المركزية والوزارات، شملت:

3. دور النقابات والمجتمع المحلي

على المستوى المدني والتقاطع مع الإدارة العامة، تعمل النقابات الفرعية على إعادة تأهيل نفسها من جديد، واستحداث فروع لها في محافظات مختلفة من أجل توسيع سياق عملها، كما في نموذج نقابة الصيادلة في حماة، حيث شكلت النقابة المركزية مجلس إدارتها الجديد كفرع لها. واللافت على المستوى المدني التعاون المشترك بين إدارة المحافظات والمنظمات والتجمعات الأهلية في تأهيل الطرقات والحدائق العام وإنارة الشوارع في محافظات عديدة، على رأسها حلب واللاذقية ودمشق، مع وجود بعض التحفظات، وإعلان الرغبة في أن يكون هذا الدور من مهام الدولة وحدها، وأن يكون سياق عمل المجتمع المحلي والمدني في جوانب أخرى.

شكل يوضح نتائج الحوكمة للشهر

تشير هذه المعطيات إلى كثرة القرارات الحوكمية على مستوى المركز، من دون أن تعكس أثرًا حوكميًا واضحًا على مستوى الجدوى والتنسيق، لكن من الواضح أن هناك مستوى أوسع من آليات صنع القرار لتكون مركّزة أكثر ومنظمة بشكل أفضل، وما زالت سمة التعيينات الأساسية هي الدمج بين الولاء والكفاءة، مع تفضيل الولاء في مناسبات عديدة، وهناك شبه غياب للشفافية في التعيينات، في حين ارتفع مستوى الشفافية والتفاعل مع الحاضنة الاجتماعية، واللافت هو وجود تباين في عمل الوزارات، الأمر الذي يحمل مؤشرات إيجابية وسلبية في الوقت ذاته.

الجانب السياسي والاجتماعي

1. الفاعلية السياسية والمدنية في الجنوب السوري

كان لهدوء الوضع الأمني في شهر أيار/ مايو، في جنوب سورية وأطراف دمشق، انعكاسه على الحراك المجتمعي والسياسي، إذ أعادت المنظمات والمؤسسات تفعيل نفسها، خصوصًا في درعا والسويداء، بعد عدم قدرتهم على العمل في شهر نيسان/ أبريل، مثل “ميثاق الشرف الإعلامي لمنصات الجنوب السوري”، الذي وقّعته عدة منصات إعلامية في درعا والسويداء، وذلك بهدف صياغة خطاب وطني موحد بعد أحداث السويداء وجرمانا وأشرفية صحنايا، وكانت هناك ندوة استمرت 5 أيام في محافظة درعا، بعنوان “رأب الفجوة في مديرية صحة درعا”، بالتعاون بين منظمة محلية ومديرية صحة المحافظة.

على صعيد الحريات العامة والنشاط السياسي، لم يُرصد سلوك عام مغاير لما التزمت به الدولة بعد سقوط نظام الأسد، إذ استمرت الندوات والمحاضرات السياسية والاجتماعية في الانعقاد، سواء من قِبل التيارات السياسية أو التجمعات الفكرية، ومنها الندوة التي أقامها أقام مركز حرمون للدراسات المعاصرة في حمص، في سياق تسليط الضوء على سُبل التحقق من المعلومات وأدوات التمييز بين الحقيقة والإشاعة.

2. عودة النازحين والمهجرين

شهد شهر أيار/ مايو عودة واسعة للمهجرين والنازحين، مقارنة بشهر نيسان/ أبريل، وقد يُعزى ارتفاع العائدين إلى تحسن واقع الكهرباء جزئيًا في بعض المناطق، بالتزامن مع الانفتاح السياسي الخارجي، ولا سيما على صعيد العقوبات الأميركية، مما أعطى الناس مؤشرًا عن إمكانية تحسّن الأوضاع المعيشية مستقبلًا، ويعزى ذلك أيضًا إلى انتهاء الفصل الثاني من مدارس التعليم ما قبل الجامعي في سورية وفي دول الجوار، وكانت تلك العوامل سببًا لعودة المهجرين والنازحين داخليًا، مثل عودة عائلات من ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشرقي، إلى سراقب وكفرنبل، بحسب مديرية الخدمات الفنية في إدلب، وأسهمت المنظمات في زيادة أعداد العائدين، حيث عاد ضمن مشروع “العودة الكريمة”، الذي أطلقه عدد من المنظمات المدنية في حمص، ما يقارب من 60 عائلة من أهالي المدينة كانوا في الشمال السوري قبل سقوط الأسد، وعاد أيضًا ما يقارب من 70 شخصًا من المهجرين خارج سورية إلى حمص، والأمر نفسه ينطبق على الجنوب السوري، عبر عودة مهجرين من الأردن إلى مدينة درعا، واقتصر رصد المهجرين والنازحين على الجهات المدنية، حيث لا تصدر أرقام رسمية شهرية عن العائدين.

خِتامًا، تشير استعادة المنظمات والمؤسسات لنشاطها في جنوب سورية في شهر أيار إلى مرونتها بالتعامل مع التغيرات الأمنية، والحفاظ على مساحتها في العمل، والأمر نفسه ينطبق على النشاط السياسي والفكري، في حين استمرار عودة النازحين والمهجرين، وكانت قد انخفضت في شهري نيسان وآذار، خاصة بعد التحذيرات الأمنية الأميركية والأوروبية وأحداث الساحل، ويشير ذلك إلى أهمية المسار السياسي الخارجي، وخاصة بما يخص الوضع الاقتصادي المرتبط برفع العقوبات أو بقائها، وأهمية تحسن الواقع الخدمي، ومن ثم ترتبط عودة المهجّرين والنازحين في المستقبل القريب بثلاثية: التطورات السياسية الخارجية المتعلقة بالجانب الاقتصادي، الجانب الأمني، الواقع الخدمي.

الجانب الأمني والعسكري

  1. دمشق وريفها

شهدت محافظة دمشق وريفها، خلال شهر أيار/ مايو 2025، تطورات أمنية وعسكرية، عكست استمرار حالة عدم الاستقرار الأمني، رغم محاولات السلطات ضبطه.

تركز النشاط الأمني في ريف دمشق، لا سيما في بلدات الهامة وقدسيا وجرمانا، حيث نفذت قوى الأمن العام عمليات استهدفت شبكات لترويج المخدرات وتخزين الأسلحة، في فترات متقطعة من شهر أيار/ مايو، وأسفرت العمليات عن اعتقالات ومصادرة مواد ممنوعة. وفي إحدى أبرز العمليات، واجهت قوى الأمن مقاومة مسلحة باستخدام قنابل يدوية وRPG، من قبل خلية في جرمانا، ما أدى إلى مقتل عنصر أمن وإصابة آخرين، وهو ما يعكس تصعيدًا في طبيعة التهديدات الأمنية. في الغوطة الغربية، وفي الأسبوع الثاني من شهر أيار/ مايو، فكك فرع مكافحة الإرهاب خلية تابعة لتنظيم (داعش)، ضُبطت بحوزتها أسلحة متوسطة وسترات انتحارية وصواريخ موجهة، ما يدلّ على استمرار وجود جيوب خطرة قادرة على التسلح قرب العاصمة.

وشهدت منطقة مساكن الديماس هجومًا استهدف دورية أمنية بواسطة قنبلة يدوية، دون إصابات، ما يعكس هشاشة الأمن في أطراف العاصمة. وتكررت عمليات استهداف رموز النظام السابق، ومن أبرزها اعتقال الطبيب غسان يوسف علي، المتهم بجرائم قتل وسرقة أعضاء في مشفى تشرين، والضابط منذر كرم المرتبط بملفات انتهاكات، في مؤشر على بداية فتح ملفات الانتهاكات القديمة، ضمن مسار عدالة انتقالية رمزي. وفي المقابل، أظهرت مناطق صحنايا وأشرفية صحنايا مؤشرات تهدئة نسبية، بعد تسليم وجهاء محليين كميات من السلاح، تلاها إفراج عن موقوفين ثبتت براءتهم، إلا أن تواصل عمليات المداهمة لاحقًا يشير إلى بقاء الوضع غير مستقر.

في مدينة دمشق، رُصدت مؤشرات توتر محلي، تمثلت في اشتباك بسوق البزورية بين البلدية وأصحاب محال، ومداهمات في حي ركن الدين مرتبطة بتجارة المخدرات. وكانت هناك مظاهرتان: الأولى في حي القابون ضد الاعتداءات الإسرائيلية، والثانية احتجاجًا على مشروع استملاك خان أسعد باشا، مما يعكس استمرار نشاط مدني محدود في قضايا سيادية واقتصادية.

وسجلت دمشق وريفها جريمتين بارزتين: اغتيال المحامي خلدون المحيثاوي عند حاجز في عقربا، وجريمة قتل داخل ملهى ليلي في الحجاز. ويعكس هذان الحدثان تصاعد التفكك الاجتماعي وغياب الردع في بعض الشرائح.

بالمجمل، يعكس المشهد الأمني في دمشق وريفها، خلال أيار/ مايو 2025، حالة عدم استقرار كامنة، رغم انخفاض وتيرة العنف المباشر. وبينما تسعى السلطات لضبط السلاح وتحسين العلاقة مع السكان، يكشف استمرار نشاط خلايا (داعش) وامتلاكها لأسلحة متطورة، إلى جانب تنامي الجرائم الجنائية، عن تحديات هيكلية لم تُعالج بعد. أما الحراك الوزاري فلا يزال -على زخمه- يفتقر إلى خطوات تنفيذية واضحة تتجاوز الطابع الإعلامي والمؤتمرات الشكلية.

شهدت محافظة درعا، خلال شهر أيار/ مايو 2025، تصعيدًا أمنيًا ملحوظًا اتّسم بتنوع في مصادر التهديد، ما بين عمليات أمنية، اغتيالات، ضبط عصابات، تهريب، وتصفية حسابات. ويعكس هذا التعدد في الأحداث استمرار الهشاشة الأمنية.

برزت عمليات تفكيك العصابات كأحد المحاور الرئيسة، حيث تمكّنت قوى الأمن من إحباط نشاطات مجموعات سطو مسلّح، بين خربة غزالة وصيدا، ما أسفر عن اعتقالات وهروب عناصر أخرى، أعقبتها خطة انتشار أمني جديدة، تعتمد على التحليل الجنائي والدوريات المتحركة، بدلًا من النقاط الثابتة. وصعّدت القوى الأمنية من حملات المداهمة في مناطق مثل معربا، جاسم، إبطع، والشيخ مسكين، استهدفت مطلوبين بتهم عديدة، شملت القتل وتجارة السلاح والانتماء إلى تشكيلات مسلحة. وفي منطقة اللجاة، فككت القوى الأمنية عصابة متورطة بسرقة سيارات، وسط استمرار اعتبار المنطقة نقطة ساخنة للفلتان الأمني.

في شمالي المحافظة، تصاعدت الاغتيالات التي تستهدف شخصيات محسوبة على النظام السابق، منها مقتل العقيد خالد الغزالي، المرتبط بعائلة رستم الغزالي، ووقعت عمليات مشابهة في غباغب، جباب، ومحجة، ما يشير إلى حملة ممنهجة تستهدف رموزًا محددة، لأسباب انتقامية أو سياسية.

وفي سياق التوترات الداخلية، سُجلت محاولة اغتيال فاشلة لأنس الصلخدي، أحد القادة الرافضين لاتفاق تسوية 2018، إضافة إلى حوادث جنائية متفرقة، شملت جرائم قتل فردية واعتداءات بقنابل، وتُظهر هذه الأحداث ضعف الردع الاجتماعي، وغياب الأمن الوقائي.

في ملف تهريب المخدرات، أحبطت قوى الأمن عمليتين في معبر نصيب ومنطقة درعا البلد، وضبطت شحنة تتجاوز 800 ألف حبة مخدرة. وتؤكد هذه الأرقام درعا ما تزال نقطة عبور أساسية لشبكات التهريب باتجاه الأردن والخليج، رغم الإجراءات المشددة.

من جانب آخر، نفذت القوات الإسرائيلية غارات جوية استهدفت مواقع عسكرية في الفوج 175 بإزرع، وكتيبة صواريخ قرب موثبين، مع رصد تحركات برية وطيران استطلاع قرب حوض اليرموك، ضمن سياسة إسرائيلية مستمرة لمراقبة ما تعتبره نشاطًا مرتبطًا بحزب الله أو الميليشيات الإيرانية.

داخليًا، أطلقت قوى الأمن حملات لجمع السلاح العشوائي، شملت اعتقالات ومصادرة عبوات وأسلحة متنوعة، بالتوازي مع تفكيك مخازن في مدينة نوى. وصدرت توجيهات للجامعات الخاصة بتركيب أنظمة مراقبة وإزالة البسطات العشوائية على طريق دمشق–عمان، لضبط البيئة المحيطة بالمؤسسات التعليمية.

في سياق إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية، تسلّمت وزارة الدفاع مستودعات من بعض فصائل اللجنة المركزية، وبدأت ضم عناصرها للفرقة 40، لكن العملية واجهت اعتراضات، بعد رفض أكثر من 5000 طلب تطوع، معظمها لعناصر من المعارضة السابقة أو مصابي الحرب، وأثار ذلك الأمر تساؤلات حول عدالة معايير الفرز وآليات الانتقاء.

ختامًا، تبدو درعا عالقة بين التوتر وإعادة التشكل، حيث تتقاطع محاولات فرض الأمن وبناء المؤسسات مع تحديات داخلية وخارجية مستمرة، من الغارات الإسرائيلية إلى التصفيات الداخلية، واستياء السكان من التهميش الإداري. ويبقى مستقبل المحافظة مرهونًا بقدرة الحكومة الانتقالية على ترسيخ نموذج أمني عادل يتجاوز الانقسامات الموروثة والحسابات الفئوية.

شهدت محافظة السويداء، خلال أيار/ مايو 2025، تصعيدًا أمنيًا هو الأخطر منذ سنوات، عكس هشاشة السيطرة الرسمية وتعدد الفاعلين المسلحين، وسط انكفاء واضح لمؤسسات الدولة. وتنوعت التهديدات ما بين اشتباكات، وقصف بالأسلحة الثقيلة، واستهداف بالطائرات المسيّرة، وعمليات انتقام داخل الأحياء، وأسفرت تلك الأحداث عن قتلى وجرحى بين المدنيين، ونزوح عدد من العائلات.

بدأ التصعيد بهجوم بقذائف هاون على قرية كناكر، تلته ضربة من طائرة مسيرة على مزرعة غرب السويداء، أوقعت أربعة قتلى، وسط ترجيحات بأن الطيران الإسرائيلي قد يكون وراء الهجوم. وتزامن ذلك مع قصف مدفعي وصاروخي على قرى متعددة، بينها حرّان وعرى والمجيمر، أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين ونزوح مؤقت، وسط غياب تام لأي ردّ حكومي فعّال.

في مدينة السويداء، وقعت اشتباكات داخلية بين مجموعات محلية، أسفرت عن مقتل عنصر أمن ومدني واحتراق منازل، في مؤشر على تفكك المنظومة الأمنية حتى داخل النسيج الاجتماعي نفسه. واندلع اقتتال عشائري في حي المقوس خلّف ثلاثة قتلى، رغم تدخل لجنة النزاعات بقيادة شيخ العقل يوسف جربوع.

أمنيًا، انسحب الأمن العام من المحافظة باتفاق غير معلن مع المرجعيات الدينية والفصائل، وحلّت مكانه وحدات شرطية محلية، مع إعادة تفعيل أقسام الشرطة والأمن الجنائي والمرور، ضمن محاولة لفرض حضور رسمي جزئي، دون تغيير جذري في موازين القوة. في المقابل، استمرت حالات الفوضى الفردية، وكان منها اقتحام مسلحين مكتب المحافظ، للمطالبة بإطلاق سراح موقوفين، واعتداء على طاقم صحفي أثناء تغطية اتفاق محلّي. واستهدفت عبوة ناسفة سيارة إسعاف، ما أدى لإصابات بشرية، في تطور خطير يمسّ حتى المهام الإنسانية. ونتج عن عمليات تخريبية في درعا انقطاع الكهرباء عن السويداء لثلاثة أيام.

على المستوى العسكري، نُفّذت غارة جوية على منزل في قرية الشعاب، يُعتقد أن الطيران الأردني نفّذها ضمن سياق مكافحة تهريب المخدرات. وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة الداخلية خطة هيكلة جديدة، ضمّت 100 ضابط وأكثر من 2000 عنصر، لإعادة تنظيم جهاز الشرطة المحلي.

خلاصة المشهد في السويداء تُظهر واقعًا أمنيًا هشًا، تتداخل فيه تعددية الفاعلين مع ضعف الدولة وتفكك المرجعيات. ورغم محاولات الهيكلة والتنسيق مع الفصائل، لا تزال المحافظة مهددة بالانفجار في أي لحظة، سواء بسبب الصراعات العشائرية أو الهجمات الخارجية. وبين الجهود المحلية لاحتواء التوتر ومساعي الحكومة لإثبات حضورها، تبقى السويداء في موقع حرج يتطلب قرارات أكثر حسمًا لتثبيت الاستقرار.

شهدت محافظة حمص خلال أيار/ مايو 2025 تصاعدًا في العمليات الأمنية المرتبطة بمكافحة الفوضى المسلحة وبقايا النظام السابق، مع تسجيل تحركات تهدف لإعادة ضبط المنظومة الأمنية في مناطق مثل القصير والحولة وتدمر. وتنوّعت الأحداث بين مداهمات، حملات لمكافحة المخدرات، اعتقالات رموز سابقة، وضبط أسلحة وشبكات تهريب.

أبرز العمليات شملت حملة في قرية حديدة غرب حمص ضدّ أشخاص رفضوا التسويات، أسفرت عن اعتقالات وإفراجات لاحقة، في حين قبضت قوات الأمن على متورطين بمجزرة الحولة عام 2012، ما يُعد مؤشرًا على فتح بعض ملفات الانتهاكات القديمة. في حي الوعر، أُوقف تاجر مخدرات، وضُبطت كميات من الكبتاغون والحشيش والعملات المزورة، واكتشفت قوات الأمن مصنعًا للأسلحة في القصير ومستودعات صواريخ مضادة للدروع، ما يعكس عمق شبكة التهريب السابقة المرتبطة بالنظام البائد. في السياق ذاته، أُوقف عدد من أبرز شخصيات الميليشيات السابقة، أبرزهم مازن حمود، مصطفى رمضان، وعفيف إدريس، ضمن ما يبدو أنه إعادة تصفية ملفات أمنية حساسة. وقُتِل قصي العلي خلال مواجهة مع دورية أمنية، وقُتل أيضًا الشبيح نادر خضور في تلكلخ، إضافة إلى مقتل أدهم رجوب، أحد قادة الدفاع الوطني، في ظروف غامضة.

شهدت المحافظة أيضًا محاولات خطف، بينها حادثة في حي العباسية انتهت بتحرير طفل مختطف، واعتقال عصابة نسائية في الحولة. وفي تدمر، ضبطت قوى الأمن صواريخ موجهة معدّة للتهريب.  واستعادت سيارة مسروقة في حي البياضة، في إطار مكافحة السرقات.

تشير المؤشرات الأمنية في حمص، خلال أيار/ مايو 2025، إلى تحوّل ملحوظ باتجاه ملاحقة رموز النظام السابق وتفكيك شبكات السلاح والمخدرات. ورغم التقدم في تنفيذ المداهمات وتعزيز العدالة، فإن حوادث التسلل، والغارات الجوية، والانفجارات المتكررة، تثير تساؤلات حول استقرار الوضع، ولا سيما في الريف الشرقي الذي لا يزال خارج السيطرة التامة للدولة.

سجلت محافظة حماة، خلال أيار/ مايو 2025، تصاعدًا في العمليات الأمنية المرتبطة بتفكيك ما تبقى من شبكات النظام السابق، تزامنًا مع توترات محلية وعودة بعض بؤر التوتر الأهلي، وسط نشاط ميداني ملحوظ لقوى الأمن الداخلي في الريف الشمالي والغربي للمحافظة.

وتركزت أبرز التحركات الأمنية في منطقة حلفايا، حيث اعتُقل عددٌ من الشبيحة السابقين، أبرزهم: عماد دعبول، طلال الدرويش، إبراهيم الدناور، عبد القهار، وغالب الجمال، في خطوة تستهدف تفكيك قواعد الدعم البشري لأجهزة القمع السابقة. وشهدت بلدة صبورة في ريف سلمية توقيف رجب فياض اليونس، وهو شقيق نائب سابق في البرلماني، بتهم تتعلق بإدارة مراكز تعذيب، في مؤشرٍ على وجود توجه حازم لملاحقة مسؤولي الانتهاكات الرمزية خلال الحقبة السابقة. وفي صوران، اندلع اشتباك بين الأهالي وعناصر فارّين من النظام السابق حاولوا العودة إلى البلدة، ما تطلب تدخل الأمن الداخلي لاحتواء التوتر، في مشهد يعكس استمرار رفض البيئة المحلية لعودة رموز القمع.

على الصعيد العسكري، نفّذ الطيران الإسرائيلي غارة استهدفت موقعًا تدريبيًا قرب بلدة شطحة في سهل الغاب، يُرجح أنه تابع لقوات عسكرية قيد التشكيل، ضمن سياسة الاستهداف المتكرر لمواقع التمركز الجديدة في غرب حماة.

وشهدت مدينة مصياف ومحيطها موجة اغتيالات، كان أبرزها مقتل العميد الطيار عبد الكريم حسن عبدو. ووفق مصادر محلية، تجاوز عدد عمليات الاغتيال 15 حالة، استهدفت مخبرين وشخصيات أمنية سابقة، بما يشير إلى تصفيات انتقامية ضد شخصيات ارتبطت بملفات القمع والتعذيب.

شكّل أيار/ مايو 2025، نقطة تحوّل في محافظة حماة، مع تصعيد استهداف رموز النظام السابق ورفض شعبي لعودتهم، بالتوازي مع عمليات أمنية تهدف لضبط الفلتان المتراكم. لكن وتيرة التصفيات غير الرسمية تشير إلى وجود فاعلين خارج الإطار القضائي، ما يهدد بإعادة إنتاج التوتر في حال غياب مسار وطني واضح لتحقيق العدالة.

رغم الاستقرار النسبي الذي تشهده محافظة إدلب مقارنة بمناطق النزاع الأخرى، برز خلال أيار/ مايو 2025 تطور أمني نوعي تمثّل في اشتباك مباشر بين قوى الأمن المحلي وخلايا تابعة لتنظيم (داعش)، بما يعيد تسليط الضوء على استمرار التهديد الجهادي، رغم حالة السكون التي طغت في الأشهر الماضية.

في 23 أيار/ مايو، نُفذ هجوم استهدف عنصرًا من وزارة الدفاع قرب مدينة خان شيخون، وتبين لاحقًا أن المنفذين منتمون إلى خلية تابعة للتنظيم. تبع ذلك عملية أمنية دقيقة في معرة حرمة، أسفرت عن مقتل أحد أفراد الخلية وإصابة آخر، في مؤشر على قدرة الخلايا النائمة على تنفيذ عمليات محدودة، مقابل فعالية نسبية للأجهزة الأمنية في الرد السريع.

في سياق متصل، شددت مديرية الأمن الداخلي انتشارها في مدينة أريحا، في 28 أيار/ مايو، تزامنًا مع الذكرى الرمزية لتحرير المدينة، وتمركزت في مداخل المدينة وساحاتها الحيوية ضمن إجراءات احترازية، ترافقت مع تنسيق واضح مع الفعاليات المدنية، في دلالة على تحسّن العلاقة بين المجتمع المحلي والمؤسسة الأمنية. وبصورة عامة، يبرز هذا الشهر استمرار التحدي الأمني المتمثل في الخلايا الجهادية، بالتوازي مع جهود تعزيز الاستقرار في المدن الرئيسية، لا سيما من خلال الإجراءات الوقائية والتنسيق المحلي.

شهدت محافظة حلب وريفها، خلال أيار/ مايو 2025، تصاعدًا لافتًا في النشاطات الأمنية والعمليات النوعية، في سياق مرحلة إعادة ترتيب مؤسساتي لمواجهة التحديات المتبقية من الحقبة السابقة. أبرز التطورات تمثلت في عملية أمنية بحي الحيدرية يوم 17 أيار/ مايو، استهدفت خلية تابعة لتنظيم (داعش)، وأسفرت عن مقتل ثلاثة من عناصرها واعتقال أربعة آخرين. ترافقت هذه العملية مع ضبط أكثر من 9 ملايين حبة كبتاغون، ما يعكس تنامي التعاون مع الجانب التركي في مكافحة التهريب.

وفي سياق ملاحقة رموز النظام البائد، اعتُقل مدير سجن حلب المركزي جمال البكري، وسُجّلت عمليات اغتيال استهدفت شخصيات مرتبطة بميليشيات الدفاع الوطني، من بينهم فادي عقيلي، حمزة عبد السلام، وأسامة درويش، ضمن موجة تصفيات يبدو أنها مرتبطة بانتهاكات سابقة.

وفي مدينة إعزاز، وقعت عملية اغتيال بتاريخ 7 أيار/ مايو، أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص، وسُجّل في ريف جرابلس إصابة امرأة بنيران قناصة من مناطق (قسد) في 9 أيار/ مايو، في استمرار للخروقات على خطوط التماس.

من جهة أخرى، شهدت المحافظة تعيينات أمنية جديدة شملت حسين سلامة رئيسًا للاستخبارات العامة، ومحمد جمعة عبد الغني قائدًا للأمن الداخلي في حلب، ما يعكس سياسة دمج القيادات الميدانية ضمن البنى الأمنية الرسمية. وزار وفد من وزارة الداخلية مدينة الباب لمتابعة مشروع دمج المؤسسات الأمنية تحت مظلة الوزارة، وتقييم العناصر العاملة.

أما في القرى الشمالية، فقد وردت شكاوى من أهالي زويان بشأن ضحايا الألغام المزروعة منذ انسحاب قوات (قسد)، في ظل اتهامات لفرقة الحمزة بالتقاعس عن حماية المدنيين. واكتشفت فرق الهندسة شبكة ألغام معقدة قرب تل رفعت، ما يؤكد استمرار الخطر في المناطق المحررة.

في السياق ذاته، تم ضبط خلية تهريب مخدرات في مدينة السفيرة بتاريخ 30 أيار/ مايو، في إطار الحملة المتواصلة لضبط الحدود الشرقية ومكافحة المخدرات.

بالمجمل، تكشف هذه الوقائع عن مرحلة متقدمة من إعادة الهيكلة الأمنية في محافظة حلب، لكن التحديات تبقى حاضرة، لا سيما مع استمرار خطر التفجيرات والألغام وبقاء بؤر الجريمة والتهريب، ما يتطلب استجابة أكثر تنسيقًا وفعالية لضمان الاستقرار المستدام.

في مجال التعيينات العسكرية والأمنية، شهدت سورية تعيينات متعددة ضمن مساعي إعادة هيكلة مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، في مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق، حيث أُجريت سلسلة تعيينات نوعية شملت مستويات القيادة في وزارتي الدفاع والداخلية، بما يعكس توجّهًا نحو بناء مؤسسة أمنية وعسكرية احترافية، أكثر انضباطًا وتماسكًا.

فعلى المستوى العسكري، تم تعيين الرائد سهيل الحمود (أبو التاو) في مكتب التدريب في الأكاديمية العسكرية، مستفيدًا من خبرته في مجال الأسلحة المضادة للدروع. وتم تكليف العميد الطيار خالد يوسف الحمود بقيادة سرب النقل العسكري في مطار دمشق الدولي، في خطوةٍ تعزز القدرات اللوجستية للقوات المسلحة. وفي السياق ذاته، تم تعيين العميد حسين الطالب (أبو الدحداح) نائبًا لوزير الدفاع للشؤون الإدارية، والعقيد زكريا الشريدة (أبو عمر) مسؤولًا عن التعيينات في وزارة الدفاع. وتم تكليف مهران حسون (أبو صهيب) بقيادة اللواء الخامس في الفرقة 72، وتعيين المهندس عبد الله الشيخ مهندسًا مقيمًا في الأكاديمية العسكرية، في إطار دمج الكفاءات الفنية ضمن البنية المؤسسية للوزارة. كما تم تعيين قادة جدد للأمن الداخلي في المحافظات، ضمن إطار إعادة انتشار وزارة الداخلية وتفعيل مراكز القرار المحلي، وهم:

وصدرت قرارات بتعيين مجموعة من معاوني وزير الداخلية، لضمان التكامل الإداري والفني في عمل الوزارة، وهم:

وتعكس هذه التعيينات توجهًا مؤسساتيًا نحو تأمين الاستقرار الإداري والعسكري، عبر الدفع بكفاءات ذات سجل ميداني وتنظيمي، مع التأكيد على أهمية دور هذه القيادات في بناء مرحلة جديدة من الأمن والحوكمة، بعد سنوات من الفوضى والصراع.

الجانب الاقتصادي والخدمي

أ-الإجراءات والسياسات الاقتصادية الجديدة

شهد أيار/ مايو 2025 أحداثًا مهمة انعكست على الجانب الاقتصادي في سورية، مع إصدار الحكومة الانتقالية الجديدة حزمة واسعة من القرارات والإجراءات، ورافقها الحديث عن اتفاقيات استثمارية وانفتاح دولي وإقليمي على الاستثمار في سورية، وتجلى ذلك في عدد من الجوانب:

  1. دعم الرواتب العامة

على الرغم من أن إعلان زيادة الرواتب كان قبل 6 أشهر، فقد شكّل هذا الشهر نقطة مهمة لإمكانية تطبيقه، وذلك بعد التزام قطر بتمويل 29 مليون دولار شهريًا، لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، لدعم رواتب القطاع العام، وتبعه إعلان سعودي – قطري مشترك بدعم مستدام للرواتب، وذلك خلال زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق.

  • رفع العقوبات الغربية

في تحول مفصلي ومهم، أعلن الرئيس الأميركي من الرياض رفع العقوبات الاقتصادية على سورية، وتبعه الاتحاد الأوروبي بإجراء مماثل شمل المصرف المركزي السوري و24 كيانًا آخر. ثم أصدرت وزارة الخزانة الأميركية إعفاءات من “قانون قيصر” لمدة 6 أشهر، ما أعاد فتح الباب أمام التعامل المالي مع سورية، ورفع القيود عن التحويلات المالية إليها، ودمجها في النظام المالي العالمي، بعد أكثر من عقد من العزلة.

  • اتفاقيات استثمارية

في 1 أيار/ مايو، وقعت الحكومة السورية عقدًا مع شركة CMA CGM الفرنسية لتوسعة وتشغيل مرفأ اللاذقية لمدة 30 عامًا، بقيمة 230 مليون يورو.

في 16 أيار/ مايو، وقعت مذكرة تفاهم مع موانئ دبي العالمية (DP World) لتطوير مرفأ طرطوس بقيمة 800 مليون دولار، تشمل محطة متعددة الأغراض ومناطق صناعية.

وفي نهاية هذا الشهر، أعلن تحالف بقيادة شركة قطرية (UCC) استثمارًا ضخمًا بقيمة 7 مليارات دولار لبناء أربع محطات كهرباء عاملة بالدورة المركبة ومحطة طاقة شمسية، ويتضمّن إعادة تأهيل شبكات الكهرباء.

  • تحرير التجارة وتحفيز السوق الداخلي

أطلقت الحكومة مجموعة إجراءات لتحرير السوق:

  • إلغاء أكثر من 10 رسوم على الواردات، وخفض الرسوم الجمركية بنسبة تصل إلى 60%.
  • فتح المعابر مع تركيا من دون ضرائب تُذكر، ما زاد من تدفق السلع بأسعار منافسة.
  • منح مهلة سنة لتسوية أوضاع الشركات غير المستوفية لرأس المال.
  • إعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية بعد توقفه ستة أشهر.

قد تهدف هذه الإجراءات إلى كسر الاحتكار، وخلق بيئة أعمال مرنة، وتشجيع الصناعة والتجارة عبر تخفيض التكاليف وتبسيط المعاملات الرسمية، لكن بعض الصناعيين الذين ينتجون سلعًا مرتفعة الكلفة محليًا وجدوا أنفسهم خارج السوق بعد انخفاض الأسعار، وفي الوقت نفسه يخشى مزارعون من كساد محاصيلهم، في حال استمرار فتح الحدود من دون ضوابط، وهذا يفرض على الحكومة اتخاذ سياسات حماية أكثر ذكاء لدعم المنتجين المحليين حتى يتمكنوا من التكيف مع اقتصاد السوق.

ب: الوضع المعيشي

على الرغم من إطلاق حزمة اقتصادية واسعة، في أيار/ مايو 2025، فإن آثارها على المستوى المعيشي للسكان ما تزال محدودة. فقد أسهم تحرير التجارة وتخفيف الرسوم الجمركية في تحسين تدفق السلع، ولا سيما في الشمال السوري. ومع ذلك، لم تُترجم هذه المؤشرات إلى تحسن فعلي في مستوى المعيشة، نتيجة استمرار الفجوة بين الدخل والإنفاق.

على المستوى النقدي، تراجع سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى 9,500 ليرة، مدفوعًا بوصول دفعات أولى من الدعم الخليجي والطلب المتزايد على الليرة السورية من العائدين إلى سورية، لكن هذا التحسّن ما يزال هشًا وقابلًا للتفاوت، لأنه يعتمد على تدفقات التمويل الخارجي أكثر من استقرار البنية الاقتصادية الداخلية.

الخدمات العامة لم تشهد تحسنًا ملموسًا؛ فالكهرباء ما يزال وصولها ضعيفًا في معظم المناطق، إذ لا تتجاوز ساعات التغذية 4–7 ساعات يوميًا، نتيجة تهالك البنية التحتية واستمرار السرقات. وعلى الرغم من تمويل مشاريع قطرية جديدة في قطاع الكهرباء، فإن نتائجها لن تظهر قبل عامين.

وفي قطاعات الصحة والتعليم والمياه، سُجّل تحسّن طفيف في بعض المناطق بفضل دعم خارجي، دون أن يرتقي إلى مستوى يُحدث أثرًا واضحًا في الحياة اليومية.

يمكن توصيف هذا الشهر بأنه بداية استقرار نسبي، لا بداية تعافٍ فعلي؛ فقد شهد السوق نوعًا من عودة الثقة لدى الفاعلين الاقتصاديين، لكن بقاء الرواتب متدنية وغياب التحسن الخدمي يجعل تحسين المعيشة مشروطًا بتحول هذا الاستقرار المؤقت إلى نمو مستدام ومدعوم بتدخل حكومي فعلي.

جهود استقرار الاقتصاد في سورية

ت: الفئات المستفيدة والمتضررة من السياسات الاقتصادية الجديدة

  1. المستفيدون:

أفرزت الحزمة الاقتصادية التي أُطلقت في أيار/ مايو 2025 إعادة توزيع ملحوظة لمراكز الربح والخسارة داخل الاقتصاد السوري، عاكسة تحولًا في بنية المصالح الاقتصادية بعد الانتقال السياسي. ويمكن تصنيف الفئات المتأثرة إلى مستفيدين ومتضررين، وفق أربع فئات رئيسية:

  • أصحاب الدخل المحدود: استفادوا جزئيًا من انخفاض أسعار بعض السلع الأساسية بنسبة 50–80%، مقارنة ببداية العام، نتيجة تحرير التجارة، وشكلت وعود رفع الرواتب بنسبة 400% بارقة أمل، رغم تأخر تنفيذها وعدم انعكاسها المباشر على نوعية الحياة.
  • القطاع الخاص المحلي: حقق مكاسب كبيرة نتيجة إزالة القيود الجمركية، وإعادة فتح البورصة، ورفع العقوبات عن المصرف المركزي، ما أتاح للشركات فرص توسع واستيراد لم تكن ممكنة من قبل.
  • الحكومة الانتقالية وحلفاؤها: نجحت الحكومة في تعزيز شرعيتها عبر شراكات خليجية، ولا سيما مع قطر والسعودية، وفتحت المجال أمام ربط الاقتصاد السوري بالأسواق التركية، وعزز ذلك حضور هذه الأطراف في عملية إعادة الإعمار.
  • الشركات الأجنبية والمؤسسات الدولية: شهدت عودة قوية إلى السوق السورية، عبر عقود استراتيجية في قطاعات الموانئ والطاقة، واستُأنفت مشاركة مؤسسات مثل البنك الدولي في تمويل مشاريع تنموية.

في المقابل، برزت فئات خاسرة نتيجة هذا التحول:

  • النخب المرتبطة بالنظام السابق: حيث فقدت امتيازاتها الريعية، وأُقصيت من المشهد الاقتصادي الجديد.
  • إيران وروسيا: تراجعتا اقتصاديًا لصالح الفاعلين الخليجيين والغربيين، مع مراجعة عقود سابقة.
  • أمراء الحرب والتنظيمات المسلحة: خسروا مصادر تمويلهم غير الرسمية نتيجة ضبط الحدود وتوحيد السلطة.
  • منتجون محليون ومزارعون: تضرروا من المنافسة مع البضائع المستوردة، مما يبرز الحاجة إلى سياسات حماية انتقالية.

تعكس السياسات الاقتصادية الأخيرة تحوّلًا عميقًا في خريطة المصالح داخل سورية، وانتقال مركز الثقل من النظام الريعي المغلق إلى اقتصاد أكثر انفتاحًا وتعددًا، غير أن هذا التحول يظل محفوفًا بتحديات تتعلق بتحقيق التوازن بين الانفتاح وحماية الفئات الأضعف، ما يجعل العدالة الاقتصادية رهينة بقدرة الحكومة الجديدة على الإدارة الفعالة لهذا الانتقال.

جدول أسعار المواد الغذائية في المحافظات بما يعادله بالدولار

المقارنات السعرية الشهرية

في المقارنة بين شهري نيسان/ أبريل، وأيار/ مايو 2025، نجد أن أسعار المواد الغذائية أظهرت تفاوتًا في نسب التغير بين أسعار السلع في المحافظات؛ فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر البندورة في دمشق بنسبة 122%، بينما انخفض في حماة بنسبة 41.7%، وفي السويداء انخفض بنسبة 44%. أما سعر البصل، فقد سجل ارتفاعًا بنسبة 66.7% في دمشق، مقابل انخفاضات حادة في إدلب بنسبة 61.4%، وفي السويداء انخفض بنسبة 66.2%. وارتفع سعر البطاطا في دمشق بنسبة 27.5%، لكنها انخفضت بنسبة 40.5% في السويداء. أما البيض، فقد ارتفع سعره في دمشق بنسبة 24.4%، وفي حماة بنسبة 35.6%، وتراجع في إدلب بنسبة 10%، وسجل ارتفاعًا كبيرًا في درعا بنسبة 87.5%. أما الخبز، فارتفع في دمشق بنسبة 46.7% وفي درعا بنسبة 10%، لكنه انخفض في حلب بنسبة 16.7%، واستقرّ نسبيًا في بقية المناطق.

توضّح هذه النسب أن بعض المناطق، مثل دمشق، شهدت تضخمًا كبيرًا في أسعار السلع الأساسية، في حين استفادت مناطق أخرى، مثل إدلب والسويداء، من الانخفاضات، ما يعكس تفاوتًا في أثر السياسات الاقتصادية والتحرير التجاري، ويؤكد أن بعض المحافظات لا تزال تواجه اختلالًا في التوزيع والتموين، على الرغم من السياسات الإصلاحية المعلنة.

جدول أسعار المحروقات ومواد البناء بما يعادله بالدولار

أظهرت المقارنة بين شهري نيسان/ أبريل، وأيار/ مايو 2025 ارتفاعًا واضحًا في أسعار المحروقات ومواد البناء، في معظم المحافظات السورية، ففي قطاع المحروقات، ارتفع سعر البنزين بنسبة 20.5% في دمشق و14.5% في حلب، في حين سجلت إدلب وحماة زيادات بنسب 14.1% و15.7% على التوالي. أما المازوت، فقد ارتفع بنسبة 13.4% في دمشق و10.4% في حلب، في حين كان الارتفاع محدودًا في إدلب (3.8%)، وانخفض قليلًا في السويداء بنسبة 2.4%. أما الغاز المنزلي، فقد زاد بنسبة 13.4% في دمشق، و10.3% في حلب، مقابل استقرار نسبي في إدلب ودرعا، وانخفاض طفيف في السويداء. هذه التغيرات تؤشر إلى اضطرابات في التوريد أو ارتفاع في كلفة النقل والضرائب المفروضة على المشتقات النفطية، خصوصًا في المدن الكبرى.

أما في قطاع مواد البناء، فقد شهد سعر الإسمنت ارتفاعًا بنسبة 9.1% في دمشق و6.7% في حلب، مع زيادات أخف في إدلب (2.6%) والسويداء (4.2%). وارتفع سعر الحديد، الذي يشكل أساس البناء الهيكلي، بنسبة 5% في دمشق، و5.1% في حلب، و1.9% فقط في إدلب ودرعا.

توضح هذه النسب أن السياسات الحكومية والانفتاح التجاري لم تنجح بعد في كبح جماح أسعار الطاقة والبناء، بل على العكس، ارتفعت الأسعار في ظل غياب دعم حقيقي للقطاعات الإنتاجية أو التنظيم الفعّال للأسواق، ما يزيد من التحديات أمام إعادة الإعمار وتحسين المستوى المعيشي.

جدول أسعار الذهب والعملات الأجنبية

شهد أيار/ مايو 2025 تحسّنًا نسبيًا في سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، حيث انخفض سعر الدولار في السوق الموازية من نحو 11,000 ليرة في نيسان، إلى 9,500 ليرة في أيار، أي بتراجع تقريبي نسبته 13.6%. وهذا التحسن قد يعزى إلى تدفق دفعات الدعم الخليجي وزيادة الإقبال على الليرة من العائدين إلى البلاد، ما عزز المعروض من العملات الأجنبية. وعلى الرغم من أن هذا التراجع في سعر الدولار يُعدّ مؤشرًا إيجابيًا، فإنه ما يزال هشًا نظرًا لاعتماده على مصادر تمويل خارجية أكثر من كونه ناتجًا عن تحسن داخلي في الإنتاج أو التصدير.

الاستنتاجات:

  • رغم وجود مؤشرات على نية للإصلاح الإداري عبر التعيينات الجديدة وتفعيل آليات الشفافية، فإن التنفيذ لا يزال جزئيًا وانتقائيًا، ويُظهر تفاوتًا كبيرًا بين الوزارات من حيث الفعالية، مع استمرار هيمنة معيار الولاء على الكفاءة في بعض المواقع، وغياب للشفافية.
  • يشهد الاقتصاد السوري بداية انفتاح ملموس مع رفع العقوبات وتدفق الاستثمارات، مما يفتح المجال أمام مرحلة إعادة الإعمار، لكن هذا التحول يخلق أيضًا فوارق بين الفئات الاجتماعية، ويهدد المنتجين المحليين الذين يواجهون منافسة غير عادلة من السوق المفتوح، ما يتطلب تدخلات تصحيحية لحماية الفئات الأضعف.
  • رغم انخفاض أسعار بعض المواد الغذائية وتحسّن سعر الصرف، لم ينعكس ذلك بعد على مستوى معيشة المواطنين، مع استمرار تدهور الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة، وفجوة الدخل التي لا تزال كبيرة.
  • لا تزال معظم المحافظات تعاني اضطرابات أمنية متفاوتة، تراوح بين الجريمة المنظمة، ونشاط خلايا (داعش)، والتوترات العشائرية، وتصفيات حسابات وانتقام، وعلى الرغم من بعض النجاحات في إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، فإن الأمن لا يزال ضعيفًا، ويهدد الاستقرار المستدام.
  • استعاد المجتمع المدني والأطر السياسية نشاطهما في بعض المناطق، في ظل انفتاح نسبي في الحريات العامة، لكن هذا الحراك ما زال هشًا ويرتبط باستقرار البيئة الأمنية ووضوح مسار العدالة الانتقالية.
  • سجل أيار/ مايو عودة ملحوظة للمهجرين داخليًا وخارجيًا، مدفوعة بتحسن نسبي في الأوضاع العامة والانفتاح السياسي، إلا أن استدامة هذه العودة مرتبطة بوضوح مستقبل العقوبات، وتحسن البنية التحتية، واستقرار الأوضاع الأمنية.
  • بدأت بعض الخطوات الرمزية في محاسبة رموز النظام السابق، لكن هذه الخطوات لا تزال محدودة في مداها، وتحتاج إلى مسار قانوني شفاف ومؤسسي، لكيلا تتحول إلى أدوات انتقام سياسي أو تصفية غير قضائية.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى