المقالات

ندوة حوارية تناقش خارطة طريق لإعادة بناء الأمن في سورية

Reading Time: 2 minutes

عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، يوم السبت 3 أيار/ مايو 2025، ندوة نقاشية بعنوان “إعادة بناء الأمن في سورية: تحديات واستراتيجيات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني (DDR/SSR)”، شارك فيها مُعدّا الورقة، الدكتور سمير العبد الله، مدير قسم تحليل السياسات في المركز، ونوار شعبان، باحث مساعد، إلى جانب عمار فرهود، باحث متخصص في الشأن العسكري والفواعل ما دون الدولة.

هدفت الندوة إلى مناقشة تحديات إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية في سورية، بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، مع تقديم توصيات عملية لتجاوز الفوضى الأمنية وتحقيق الاستقرار.

افتتح سمير العبد الله الندوة بالترحيب بالحضور والمتابعين عبر منصات التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن سورية تقف اليوم على أعتاب حلم طال انتظاره “بناء وطن ينعم بالحرية والأمان بعد عقود من الحرب والتهجير والدمار”، وأوضَح أن الحرب في سورية لم تكن مجرد صراع عسكري، بل كانت معركة عميقة حول هوية الوطن ومفهوم الدولة، وفي هذا السياق، تأتي الورقة البحثية، لتقديم إطار شامل لتطبيق برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج DDR، وإصلاح القطاع الأمني SSR، بهدف الانتقال من حالة النزاع إلى السلام المستدام.

وأشار إلى أن الورقة تسعى إلى الإجابة عن أسئلة حيوية: كيف يمكن بناء مؤسسة أمنية تحمي المواطنين بدلًا من إخافتهم؟ وكيف يمكن دمج المقاتلين السابقين في المجتمع كأفراد منتجين، مع منع عودتهم إلى حمل السلاح؟ كما تهدف إلى صياغة عقيدة عسكرية جديدة قائمة على العدالة والمساواة، بعيدًا عن الطائفية والعرقية.

واستعرض العبد الله تجارب دول عدة عاشت نزاعات مشابهة، موضحًا أن برامج DDR وSSR ليست وصفات جاهزة، بل تتطلب تصميمًا يراعي الخصوصية الوطنية، ففي موزمبيق وأنغولا، نجحت هذه البرامج في تحويل الفصائل المسلحة إلى أحزاب سياسية، بينما شهد العراق بعد 2003 فشلًا كارثيًا، حيث أدى قرار حل الجيش إلى تشريد 500 ألف مقاتل، مما غذى التطرف والطائفية، وفي لبنان، أعاق احتكار حزب الله للسلاح دمج الفصائل بعد اتفاق الطائف، وفي رواندا ساهمت العدالة الانتقالية في إعادة بناء الثقة بين المكونات، محققة نجاحًا جزئيًا.

وأكد العبد الله أن سورية تواجه تحديات معقدة، أبرزها وجود 200 ألف عنصر من جيش النظام السابق، يشكلون خطر الفوضى إذا لم يتم احتواؤهم، إلى جانب انتشار الفصائل المسلحة والسلاح بشكل عشوائي، وشدد على أهمية العدالة الانتقالية لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب بشكل فردي، مع توفير دعم اقتصادي وتدريب للمقاتلين المسرّحين لمنع تحولهم إلى الجريمة.

ودعا العبد الله إلى إجراء توافق وطني ودولي لتجاوز التدخلات الخارجية، وإلى دور حاسم للحكومة الانتقالية في صياغة استراتيجية قانونية وتأمين الموارد عبر دعم دولي. وأشار إلى أن الورقة قدّمت خارطة انتقالية عملية، تتناول الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية والمجتمعية، لتمكين سورية من تجاوز هذه المرحلة الحرجة.

من جانبه، أكد نوار شعبان أن إصلاح القطاع الأمني والعسكري يمثّل أولوية ملحّة لتحقيق الاستقرار، لا سيما في ظل الإرث الأمني الضخم الذي خلفه نظام الأسد، والذي يتطلب بناء مؤسسات من الصفر في بعض الحالات. وأوضح أن الورقة تهدف إلى تقديم خارطة طريق لإعادة تشكيل المؤسسات الأمنية والعسكرية، عبر تحليل دقيق للواقع السوري بعد سقوط النظام. ركّز شعبان على تصنيف الكتل المسلحة في مناطق مختلفة، مثل شمال غرب سورية والجنوب وشمال شرقها، بناءً على معايير الانضباط العسكري، الانتشار، والخبرة القتالية.

وأشار إلى أن التسريح لا يعني تهميش المقاتلين، بل يتطلب تهيئة بيئة اجتماعية واقتصادية تمكّنهم من أن يصبحوا أفرادًا فعالين في المجتمع، مع إمكانية دمج الكتل ذات الخبرة العالية في مؤسسات أمنية وعسكرية وطنية.

وتطرّق شعبان إلى قضية المقاتلين الأجانب، مقترحًا برامج خاصة تراعي المصلحة الوطنية، دون تطبيق برامج DDR أو SSR مباشرة، محذرًا من استخدام هذا الملف كأداة ضغط على الحكومة. وشدّد على الترابط بين برامج DDR وSSR، موضحًا أن تفكيك الفصائل دون بناء جهاز أمني وطني سيؤدي إلى فراغ أمني خطير.

ودعا إلى تنفيذ هذه البرامج تحت رقابة مدنية أو قضائية، مع ضمان الشفافية ورفض أي احتكار طائفي. وأشار إلى وجود عقبات تقنية تتعلق بخبرات الضباط المنشقين، لكنه دعا إلى مناقشة دورهم دون استبعادهم. وحدد شعبان عدة تحديات رئيسية، منها غياب الإجماع الوطني بين المكونات السياسية والعسكرية، وتعدد التدخلات الدولية، وصعوبة تسريح المقاتلين دون توفير بدائل اقتصادية ووظيفية.

بدوره، قدّم عمار فرهود قراءة معمّقة للورقة، مشيدًا بجرأة مركز حرمون في طرح قضية محورية لصياغة الهوية الوطنية والمستقبل السياسي لسورية، وأكّد أن التغيير في سورية تحقق عبر أدوات عسكرية، وليس سياسية أو مجتمعية، مما يجعل إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية ضرورة ملحة. وحذّر من خطر ثورة مضادة قد يقودها أتباع النظام السابق أو فصائل أخرى، مشيرًا إلى أن هذا الخطر قد يدفع السلطة الحاكمة إلى اتخاذ إجراءات تخالف المنطق الوطني.

وأوضح فرهود أن الحرب في سورية لم تنته، بل تحوّلت إلى مواجهة فصائل ما دون الدولة، مثل تنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية، مما يتطلب معالجة أمنية أولية قبل عسكرية، ويؤثر في تطبيق برامج DDR وSSR. واقترح الاعتماد على فصائل محلية لمواجهة تهديدات مثل (داعش)، بدلًا من الاعتماد الكلي على جيش رسمي، لأن الفصائل غير التقليدية هي التي أسقطت النظام.

ودعا إلى إعادة النظر في نزع السلاح من المواطنين، مشيرًا إلى أن السلاح الأهلي كان فعالًا في طرد (داعش) من مناطق مثل إدلب، واقترح تثقيف الشعب لاستخدام السلاح ضمن أطر وطنية، مستشهدًا بنماذج مثل سويسرا. واعتبر أن قضية المقاتلين الأجانب تُستخدَم كأداة ضغط سياسي، واقترح تأطيرها ضمن المشروع الوطني، بحيث يعتمد الانتماء على خدمة سورية وليس امتلاك الجنسية.

وتناول فرهود قضية الضباط المنشقين، مشيرًا إلى أن عقيدتهم الشرقية التقليدية تتعارض مع أساليب الفصائل غير التقليدية التي أسقطت النظام، داعيًا إلى جسر الهوّة بين المدرستين، مع مراعاة غياب قواعد بشرية داعمة لهم. وحذّر من الشروخ المجتمعية بين المجتمع الثوري ومن كان تحت سيطرة النظام، وبين التيارات الدينية، داعيًا إلى معالجتها لضمان الانسجام، وأعرب عن قلقه من دمج عناصر المخابرات السابقين، نظرًا لنهجهم المغاير للثورة، مما قد يشكّل ثغرة في المؤسسات الأمنية. وأكد أن طبيعة الحرب الحالية، مع انتشار تقنيات مثل المسيرات، تتطلب برامج DDR وSSR تراعي هذه التغيرات، مع إعادة بناء الثقة بين الشعب والمؤسسات الأمنية لتكون خادمة للمشروع الوطني، وليس أداة قمع.

أجمعت المداخلات على ضرورة صياغة استراتيجية وطنية مدعومة بإطار قانوني لتفكيك الفصائل المسلحة وإعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية، حيث شدّد المتحدثون على أهمية العدالة الانتقالية لمحاسبة مرتكبي الجرائم بشكل فردي، مع توفير بدائل اقتصادية وتدريب للمقاتلين المسرحين لمنع تحولهم إلى الجريمة.

كما دعوا إلى التعامل الحذر مع المقاتلين الأجانب عبر برامج خاصة تراعي المصلحة الوطنية، ومعالجة الشروخ المجتمعية لتعزيز الإجماع الوطني. وأكدوا ضرورة تطوير برامج DDR وSSR تناسب الواقع السوري، مستفيدة من التجارب الدولية الناجحة، مع ضمان أن تكون سورية المنشأ لتعكس خصوصية البلاد.

واختتمت الندوة بالتأكيد أن إعادة بناء الأمن في سورية ليست مجرد مهمة تقنية، بل مشروع وطني يتطلب إرادة شعبية ودعم دولي. وأشار الباحث سمير العبد الله في ختام الندوة إلى أن الورقة متاحة على موقعه الإلكتروني، مع الترحيب بملاحظات الحضور لتطويرها وتقديمها للجهات الحكومية المختصة.

وتأتي هذه الندوة في وقتٍ تواجه فيه سورية تحديات أمنية وسياسية معقدة، مما يجعل مثل هذه النقاشات خطوة أساسية نحو بناء دولة مستقرة وعادلة.

لمتابعة الندوة كاملة من خلال الرابط:
فيسبوك: https://www.facebook.com/share/v/18ZX7S9AC9/

يوتيوب: https://www.youtube.com/watch?v=Dz3EjHB7gQs

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى