الأخبار المحلية

كاتب أميركي زار حمص بعد 13 عاما فماذا وجد؟ | سياسة

Reading Time: 1 minute

قالت صحيفة لوفيغارو إن الكاتب الأميركي جوناثان ليتيل الذي سافر إلى سوريا عام 2012 أثناء الحرب الدموية عاد للقاء من كانوا يقاتلون آنذاك النظام الاستبدادي، وهم يعتقدون اليوم أن الطريق نحو الوحدة والديمقراطية أصبح ممكنا.

وأوضحت الصحيفة -في تقرير مطول بقلم جوناثان ليتيل نفسه- أن أول ما يخطر ببال الداخل إلى سوريا، بعد مرور 100 يوم على سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد المكروه، هو الفرح الأقرب إلى الدهشة بالتخلص فجأة من ثقل تنوء به منذ أكثر من 50 عاما.

ووصل الكاتب الذي يحمل جوازي سفر فرنسيا وأميركيا في مارس/آذار الماضي في الذكرى السنوية لبدء الثورة، إلى حمص التي قضى فيها بضعة أسابيع في يناير/كانون الثاني 2012، في اللحظة المحورية عندما تحولت الثورة التي واجهت قمع النظام القاسي إلى انتفاضة مسلحة، في وقت بدأت فيه البلاد تهوي في أتون حرب أهلية دامية.

فرح ورقص

التقى ليتيل عمر التلاوي، وهو من بين الناشطين القلائل الناجين ممن عرفهم، وحدثه عن هروبه وتجواله 5 سنوات، من مخبأ إلى مخبأ مع عائلته الجديدة، وقراره أخيرا بحمل السلاح والقتال، ثم وصوله إلى إدلب حيث أنشأ محلا لإصلاح الأجهزة المنزلية.

في ساحة الساعة الرمزية، حيث اندلعت أولى المظاهرات الحاشدة عام 2011 قبل أن يفتح النظام النار على المتظاهرين، كانت الفرحة هذه المرة تحمل سعادة النصر الحاسمة، والرجال يرقصون في دائرة، والنساء خلف طوق من الجنود المسلحين، يصرخن سعيدات ومتحمسات مثل الرجال.

يصعد على المسرح عبيدة أرناؤوط، رئيس القيادة السياسية في المحافظة والمتحدث السابق باسم هيئة تحرير الشام، الفصيل الذي قاد الهجوم الأخير على نظام الأسد، ليقرأ خطابا للرئيس أحمد الشرع يحيّي فيه شهداء حمص الذين لا يحصى عددهم، “يا حمص. سنتذكر دائما كيف صرخت من أجل حريتك وكرامتك”.

تجول جوناثان ليتيل في الأحياء الثورية في حمص، بابا عمرو والخالدية والبياضة، حيث التقى عام 2012 ناشطين مدنيين ومقاتلين من الجيش السوري الحر، وهم يواجهون نيران القناصة وقذائف الهاون بشكل مستمر، فوجد أن هذه الأحياء الشاسعة لم تعد سوى أنقاض، دمرها النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون.

مشهد الدمار ذاته يلقاك في كل سوريا -كما يقول الكاتب- في ضواحي دمشق الشاسعة، وفي مدينة حلب القديمة، وفي عشرات البلدات بين حماة وإدلب، “مدن ميتة” وكيلومترات من المباني المدمرة، والجدران الخرسانية العارية والمتشققة ونصف المنهارة.

حمام دم مفاجئ

بعد أن تعرضت هذه الأحياء لقصف مكثف بالصواريخ والقنابل والبراميل المتفجرة أفرغت من السكان بعد استسلام آخر مقاتلي المقاومة وإجلائهم إلى إدلب، ليبدأ النهب من قبل شبكات مرتبطة بالفرقة الرابعة الشهيرة بقيادة ماهر الأسد، شقيق بشار، فنهبت المدارس والمستشفيات والمنازل الخاصة، وسرق الأثاث والأجهزة ثم الأبواب والنوافذ وكل شيء.

في أنقاض البياضة، “تحدثت -كما يقول الكاتب- مع صبي يبلغ من العمر 11 عاما كان يلوح بعصا وعيناه تلمعان، ويشير إلى أنه يحمل بندقية كلاشينكوف، وهو يقول: لا يزال العلويون يحاولون الدخول إلى أحيائنا”.

وفي حماة، شرحت فداء الحوراني للكاتب، وهي معارضة أمضت 3 سنوات في السجن قبل أن تذهب إلى فرنسا عام 2013، أن “القنبلة الموقوتة في سوريا هي كل هؤلاء الأشخاص الذين عذبهم النظام طوال 50 عاما”، وقد تم احتواؤها خلال الأشهر القليلة الأولى بعد سقوط النظام، ولكنها انفجرت أخيرا قبل 10 أيام من ذكرى الثورة.

وعلى أمل أن تقبل أغلبية العلويين التي ساندت بشار الأسد الوضع الجديد، سارعت السلطات الجديدة، بعد بضع حملات تمشيط إلى تقليص وجودها الأمني ​​على معقل العلويين في الساحل السوري.

وقد استفاد من هذا التقليص من يسميهم السوريون الآن “فلول النظام“، وفي السادس من مارس/آذار الماضي شنت وحدات منهم مدججة بالسلاح هجوما عاما على مواقع حكومية على طول الساحل، ولكن قوات السلطة تغلبت عليها بسرعة، وأصدرت الحكومة نداء للتعبئة العامة، استجابت له قوات من جميع أنحاء البلاد، ومن خارج هيئة تحرير الشام وحلفائها المقربين.

حمص تقدم لمحة عن وضع البلاد

وبعد أن انتشرت مقاطع فيديو تظهر الإذلال والقتل الوحشي، وتورطت الحكومة في قتال عنيف مع الفلول، خرج الرئيس أحمد الشرع وأمر قواته باسم “سوريا الجديدة” بحماية العائلات العلوية ومعاملة الفلول المأسورين معاملة حسنة، وقال “أعلم أننا نستطيع أن نعيش معا في سلام اجتماعي. هناك تحديات كبيرة، ولكننا قادرون على التغلب عليها”.

وذكر الكاتب أنه قبل أيام قليلة من وصوله إلى سوريا، ذهب إلى برلين للقاء عروة نيربية، وهو مخرج سينمائي وناشط سوري في المنفى، فحدثه عن السلطة الجديدة قائلا إن “هؤلاء الرجال أقوى بكثير من المعارضة السورية التقليدية. نختلف معهم في أمور كثيرة، لكننا ندعو لهم بالتوفيق”.

وأضاف أن حمص تقدم لمحة عن الوضع الراهن، “فالتوترات هناك شديدة للغاية، والوضع متقلب. حمص أحد الاختبارات الرئيسية لمستقبل البلاد”.

أراد عمر التلاوي أن نلتقي بمختار الزهراء، وقد عثرنا عليه في أحد شوارع مسقط رأسه في حي باب السباع، أمام المتجر الذي نجا فيه بأعجوبة من هجوم شنه الشبيحة وأسفر عن مقتل اثنين من أصدقائه في نوفمبر/تشرين الثاني 2011.

وفي دوار الزهراء، حيث وزع الشبيحة الأسلحة عام 2011 لمهاجمة المتظاهرين وحيث عرضوا الأشخاص الذين أسروهم قبل اقتيادهم للتعذيب والاغتصاب أو القتل، يقف 4 جنود حراسة أمام المحلات التجارية، وعندما لاحظ أحدهم لحية عمر سأله: ماذا تفعل هنا؟ فقال “أنا أرافق صحفيا فرنسيا، فقال “لا يمكنك الدخول إذا كان لديك سلاح”.

فحص الرجال عمر بتجهيزاتهم، وقال أحدهم “ليس لديكم أي دفاع هنا. إذا هاجمكم الفلول فستقتلون جميعا بسهولة”، ولكن قائدهم هز كتفيه قائلا “أردنا إقامة نقطة إطلاق نار في الطابق العلوي، لكن قادتنا رفضوا. علينا ألا نخيف السكان، لكن الأمر خطير”.

مبادرة لاستعادة الحقوق

هناك أيضا جيل كامل من المعارضين السوريين الذين لم أقابلهم قط -كما يقول الكاتب- سجنوا جميعهم تقريبا في عهد الرئيس حافظ الأسد أو ابنه بشار، من ضمنهم أبو علي صالح، وهو ناشط علوي سابق في حزب العمال، هادئ ومتزن، يدير الآن شركة لبيع الألواح الشمسية الصينية في حمص، وهو أيضا أحد مؤسسي مبادرة السلام المدني، وهي جمعية مجتمع مدني تعمل مع السلطات على الحد من التوترات المجتمعية وتوثيق العنف بدقة من أجل تصحيح الأخبار الكاذبة المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي.

وهذه الجمعية تتدخل في حالات مثل النزاع على الأراضي في حي الورود المختلط شمالي مدينة حمص القديمة حيث قامت مليشيات النظام، بعد النزوح القسري لسكان الحي السنّة إلى إدلب عام 2014، بتدمير منازل الفقراء الصغيرة لبناء كتل سكنية وبيع شققها بعد ذلك.

وعندما سقط النظام عاد الملاك الأصليون وأرادوا استعادة أراضيهم لإعادة بناء منازلهم، فقاموا بطرد أصحاب الشقق، ويعلق أبو علي قائلا “من خلال المبادرة، نقوم بالوساطة. ولكن الأمر سيستغرق سنوات”.

العدالة هي الأساس

يبقى السؤال المحوري لأبو علي وأصدقائه هو العدالة، ” لأنه من دون عدالة انتقالية، سنبقى على الوضع نفسه. الخسائر فادحة. إذا لم تكن هناك عدالة، فلن يكون هناك سلام. تطالب المجتمعات العلوية بالعفو غير المشروط، ونحاول أن نشرح لهم أن العفو من دون عدالة لا يؤدي إلى شيء”.

وأضاف “لا يمكننا أن ننسى حقوق المطالبين بالعدالة. بعد عملية عدالة انتقالية، يمكننا النظر في العفو. لكن علينا أن نعرف من ارتكب الجرائم”.

وقال المحامي العلوي معن صالح، وهو أحد مؤسسي مركز السلام الدولي، إن “القيادة السياسية غير مهتمة بالعدالة الانتقالية. لا توجد قائمة بأسماء مجرمي الحرب المعتقلين أو المطلوبين. لذا بدلا من العدالة لدينا الانتقام. وهذا يزيد من الخوف. من دون عدالة انتقالية، لن تكون هناك مصالحة بين الطوائف”.

ومع ذلك، يبدو أن السلطات أصبحت تدرك هذه الحقيقة ببطء -كما يقول الكاتب- “وفي يومي الأخير في حمص تمكنت من لقاء عبيدة أرناؤوط الذي قرأ كلمة الشرع مساء المهرجان. استقبلني في مكاتب حزب البعث السابقة، وقال: لدينا أوامر صارمة من الرئيس. لقد حررنا البلاد لتحرير الشعب لا للانتقام. الشعب ليس متعطشا للدماء، لكنه لا يستطيع نسيان المجازر والفظائع. مسألة العدالة هي الأساس”.

وقد تؤدي مسألة العدالة هذه إلى طرح مسألة بناء الدولة، كما يقول أمجد كلاس، وهو صديق قديم معارض لأبو علي، متحدثا عن الحكومة “إذا تمسكوا بمبادئهم ونسوا الفكر الذي ينتمون إليه، فهذه علامة جيدة للمستقبل، لكن التحديات لا تحصى”.

وأثناء مروري في إدلب -كما يقول جوناثان ليتيل- دعيت لتناول إفطار مع أسامة الحسين، الرئيس السابق للمجلس المحلي لمدينة سراقب الذي اضطر إلى الفرار إلى تركيا بعد أن رفض العمل مع جبهة النصرة عندما استولوا على المدينة عام 2017، وقد قال هذا الرجل الذي تابع عن كثب تطور المجموعة منذ إنشائها “لقد تغيروا حقا منذ عام 2020”.

ولا يزال الناشطون على استعداد لمنح الشرع وزملائه فرصة، قال عروة نيربية “إذا انتهى بنا المطاف بعد 53 عاما إلى استبداد ناعم، فسيكون ذلك تحسنا هائلا. ربما لا يمكننا توقع ما هو أفضل من ذلك”، وقال أبو علي “أثق بالشعب السوري. لن يدع شيئا يمر دون أن يرحم. لكن علينا أن نعمل. فالثمار لا تأتي مصادفة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى