الأخبار السياسية

مسارات تفاوض بين سوريا وإسرائيل.. التطبيع مؤجّل

Reading Time: 1 minute

عنب بلدي – موفق الخوجة

أشارت تقارير إعلامية إلى أن الحكومة السورية بدأت بإجراء مباحثات مع إسرائيل عبر وسطاء أو بشكل مباشر، في حين يواصل الجيش الإسرائيلي شن ضربات على الأراضي السورية تحت ذرائع أمنية.

ورغم ما يوحي به هذا التحرك من احتمالات للتطبيع بين سوريا وإسرائيل، فإن عوائق داخلية في سوريا تشكل عامل كبح أمام أي خطوات نحو هذا الاتجاه، ما يرجح استمرار التريث في هذا المسار إلى مدى متوسط أو بعيد.

برعاية إماراتية

تقرير وكالة “رويترز” أول من سلط الضوء على تلك المباحثات، إذ قالت، في 7 من أيار الحالي، نقلًا عن مصادر لم تسمّها، إن الإمارات فتحت بابًا للمباحثات بين إسرائيل وسوريا.

وتركزت المحادثات، وفق “رويترز”، على “المسائل الفنية” والأمن والاستخبارات وبناء الثقة بين سوريا وإسرائيل اللتين لا تربطهما علاقات رسمية.

وأشار أحد المصادر للوكالة إلى أنه “لا حدود لما قد يناقش في نهاية المطاف”، وفي ذات الوقت، خرجت مناقشات الأمور العسكرية البحتة، وخاصة تلك المتعلقة بأنشطة الجيش الإسرائيلي في سوريا، عن نطاق القناة الحالية.

وجرت تلك المباحثات بعد زيارة للرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى الإمارات، في 13 من نيسان الماضي، برفقة وفد سوري تضمن وزير الخارجية، أسعد الشيباني.

الزيارة حينها حملت طابعًا تقليديًا في تصريحات الزعيمين، وتحدثت عن “سبل تعزيز التعاون المشترك بما فيه خير شعبي البلدين”، ولم يتطرقا إلى قضية المباحثات بين سوريا وإسرائيل، عدا إدانات القصف والتدخل الإسرائيلي.

ما تفاصيل المباحثات

عزز ما نشرته وكالة “رويترز” تقرير آخر لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، وذكرت تفاصيل عن المباحثات الإسرائيلية- السورية.

على طاولة واحدة، بأحد المقار التابعة لشخصية حكومية إماراتية، جرت ثلاثة لقاءات بين أكاديميين إسرائيليين اثنين من خلفية أمنية وثلاثة مساعدين للشرع.

ركّزت المباحثات على الجوانب الأمنية، إذ أعرب السوريون عن استيائهم من عمليات الجيش الإسرائيلي داخل سوريا، واحتلاله مواقع استراتيجية، طالبين “بحزم” إيقاف الضربات الجوية.

ونقل الجانب السوري عن الشرع قوله، إن سوريا لا مصلحة لها بالصراع مع أي من جيرانها، بما فيها إسرائيل.

الجانب الإسرائيلي، وصف تصريحات الشرع بأنها “إيجابية، لكن ليست كافية”.

بالمقابل، أعرب الإسرائيليون عن مخاوفهم إزاء هشاشة وضع الدروز في سوريا، مؤكدين أن إسرائيل لن تتسامح مع الهجمات على “إخواننا في الدم”، وفق تعبيرهم.

مسار مباشر

إلى جانب المفاوضات غير المباشرة، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسارات مباشرة تمثلت بدخول مسؤولين سوريين إلى داخل إسرائيل.

صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية نقلت عن مصادر سورية غير حكومية، أن إسرائيل على اتصال مباشر مع الحكومة السورية الجديدة، مضيفة أن وفدًا من المسؤولين السوريين، بينهم مسؤولان رفيعا المستوى زاروا إسرائيل مؤخرًا.

وقالت الصحيفة، إن الزيارة التي وصفتها بـ”السرية” جرت في نهاية نيسان الماضي، واستمرت عدة أيام التقى خلالها أعضاء الوفد بمسؤولين أمنيين إسرائيليين.

الحكومة السورية لم تعلق على ما أوردته وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية، إلا أن الشرع أشار إلى وجود مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لـ”تهدئة الأوضاع”.

 

هناك مفاوضات غير مباشرة تجري عبر وسطاء لتهدئة الأوضاع ومحاولة امتصاص الوضع، لكيلا تصل الأمور إلى حد يفقد السيطرة عليه كلا الطرفين.

التدخلات الإسرائيلية عشوائية، وكسرت قانون اتفاق 1974، ونحن منذ وصولنا إلى دمشق، صرحنا لكل الجهات المعنية بأن سوريا ملتزمة باتفاق 1974، وعلى قوات “أوندوف” أن تعود إلى الخط الفاصل (ما يسمى بالخط الأزرق).

وحصلت عدة زيارات إلى دمشق من قبل قوات “أوندوف”، ونحن نحاول أن نتكلم مع كل الدول التي لديها تواصل مع الجانب الإسرائيلي للضغط عليه للتوقف عن التدخل في الشأن السوري واختراق أجوائه وقصف بعض منشآته.

أحمد الشرع

الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية

 

مؤجّل لا مستبعد

الباحث السياسي السوري الدكتور نادر الخليل، قال إن سيناريو التطبيع المباشر بين السلطة السورية الجديدة وإسرائيل ما زال سابقًا لأوانه، ويظل مستبعدًا على المدى القريب، لكنه يظل واردًا على المدى المتوسط أو البعيد.

وأضاف لعنب بلدي، أن السياق الإقليمي وتعدد قنوات الوساطة يوحيان بوجود مسارات تفاوضية مرنة قد تنتج تفاهمات أمنية محلية محدودة على المدى المنظور.

وتتم المباحثات عبر قنوات غير مباشرة وتحت غطاء وساطة إماراتية، تُستخدم كأرضية مستقبلية للتقارب السياسي الشامل على المدى المتوسط والبعيد.

وتشمل هذه التفاهمات قضايا مثل ضبط الحدود، وتبادل المعلومات الأمنية، أو حتى تفاهمات ضمنية حول مناطق النفوذ وخفض التصعيد.

بالمقابل، تظل الوساطات الإقليمية، رغم تباين أجنداتها، أدوات لتشكيل بيئة سياسية تسمح مستقبلًا بتموضع جديد لسوريا في خارطة التحالفات الإقليمية والدولية.

ويعتقد الخليل أن مثل هذه الخطوات لا تُعد تطبيعًا بمعناه السياسي الكامل، لكنها تؤسس لأرضية تعاون تدريجي يمكن البناء عليها مستقبلًا.

ورقة تفاوضية.. “تأجيل ذكي”

الباحث السياسي نادر الخليل، يرى أن الشرع يراهن على استراتيجية “التأجيل الذكي”، مستخدمًا ملف التطبيع كأداة تفاوض لا كغاية نهائية.

الشرع، وإن كان لا يرفض مبدأ التفاهمات، يدرك أن التطبيع الكامل في هذه المرحلة قد يكون محفوفًا بالمخاطر، خاصة أن قاعدته الصلبة داخل الجيش الجديد والفصائل الداعمة له ذات توجهات دينية محافظة، مشيرًا إلى تبني بعضها خطابًا إسلاميًا واضحًا.

وتجعل هذه التركيبة من التطبيع خطوة حساسة، قد تزعزع التماسك الداخلي وتهدد سلطة الشرع إن لم يتم تأجيلها أو تغليفها بسياقات براغماتية واضحة، وفق الخليل.

ويرجّح الباحث السياسي أن يلجأ الشرع إلى توظيف ملف التطبيع كورقة تفاوضية لا كورقة تنفيذية، عبر إبداء الاستعداد له على المدى المتوسط مقابل ضمانات اقتصادية وأمنية، وربما دعم دولي لجهود إعادة الإعمار.

يمنح هذا التأجيل هامشًا زمنيًا لإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية وتثبيت سلطته، بما يسمح لاحقًا باتخاذ خطوات جريئة أو القيام بإجراء تحولات أكثر عمقًا في السياسة الخارجية.

ويعتقد الباحث أن الشرع سيستغل النقطة المتعلقة بقواعد سلطته ومناصريه، وسيراهن على استخدامها كورقة لإقناع إسرائيل وداعميها بتأجيل التطبيع لمدى متوسط أو أبعد في المستقبل.

وعلل ذلك بأن الشرع يحاول كسب الوقت ليتمكن خلال هذه المدة من تثبيت أركان حكمه وإعادة ترتيب قواته والقوة الضامنة لمصالحة داخل أجهزة الأمن والجيش التي يقوم بتشكيلها أو التي يعيد تشكيلها.

ووفق صحيفة “يديعوت أحرونوت”، طلب الجانب السوري، خلال جلسات المفاوضات التي تمت في الإمارات، أن تمنح إسرائيل الشرع “وقتًا للاستعداد وتثبيت نظام داخلي جديد داخل سوريا”.

وسلّط الجانب السوري الضوء، خلال جلساته مع الجانب الإسرائيلي، على الوضع الاقتصادي الصعب في سوريا، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.

وقالت إن الهدف هو مواصلة الحديث والانتقال إلى المسائل الاقتصادية، وخيارات إسرائيل لتوفير المعرفة الطبية ودعوة الطلاب السوريين للتخصص في إسرائيل، بالإضافة إلى أمور أخرى تهم القيادة السورية والشعب السوري.

 

هل يوافق السوريون

الحديث عن مفاوضات وتطبيع بين سوريا وإسرائيل ليس جديدًا، إذ بدأ منذ الأيام الأولى لسقوط النظام السوري السابق في 8 من كانون الأول 2024.

وأشار عدة مسؤولين أمريكيين إلى إمكانية أن تلحق سوريا بركب التطبيع مع إسرائيل، والانضمام إلى اتفاقات “أبراهام”.

اتفاقيات “أبراهام” سلسلة من اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية التي توسط فيها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خلال ولايته الأولى، والتي أسفرت عن تطبيع كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب مع إسرائيل برعاية أمريكية.

وأجرت عنب بلدي استطلاعًا على موقعها، شارك فيه نحو 100 شخص، حول مدى إمكانية وصول المفاوضات السورية- الإسرائيلية إلى اتفاق سلام.

وبحسب الاستطلاع، أجاب 55% من المشاركين بـ”نعم”، بينما يرى 45% من المشاركين بأن المفاوضات لا تفضي إلى سلام.

وكان المركز السوري لدراسات الرأي العام (مدى) أجرى استطلاعًا عن رؤية السوريين إلى العلاقة مع إسرائيل، شارك فيه حوالي 2550 سوريًا توزعوا على جميع المحافظات السورية.

وبحسب “مدى”، رفض 46% من السوريين توقيع اتفاقات مع إسرائيل بينما وافق 39.88% منهم، في حين كانت النسبة الباقية 13.76 غير مهتمة.

موقف السوريين من اتفاق سلام مع إسرائيلموقف السوريين من اتفاق سلام مع إسرائيل

جاري التحميل ...جاري التحميل ... جاري التحميل …

وبحسب التقرير، لا تزال إسرائيل هي التهديد الأكبر لأمن سوريا في المرحلة الراهنة، إذ أكد 76% من السوريين المشاركين في الاستطلاع هذا الموقف.

الجانب الإسرائيلي لا يزال يرى أن الحكومة السورية الجديدة تشكّل تهديدًا لها ولأمنها، تشير إلى ذلك تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين اتهموا في أكثر من موقف الشرع وحكومته بالتشدد بناء على خلفيته الجهادية السابقة.

وبالرغم من المفاوضات التي أشارت إليها وكالة “رويترز” والصحف الإسرائيلية، ما زالت إسرائيل في حالة تأهب على حدودها، ومستمرة بغاراتها داخل سوريا، طالت إحداها موقعًا بالقرب من القصر الجمهوري بدمشق.

قائد القيادة المركزية الإسرائيلية، آفي بلوط، أشار، خلال جولته على نقاط الجيش الإسرائيلي، في 8 من أيار الحالي، إلى تغيّر في التكتيكات العسكرية على الحدود مع سوريا، بسبب تغير العدو، وفق ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية.

 

نحن نقترب من تحول كبير في الساحة الشرقية، بالواقع، نحن نشهد بالفعل تغييرًا لأن العدو قد تغير، والتهديدات قد تغيرت، والتهديد القادم من سوريا قد تغير، لذلك يجب علينا أيضًا أن نتغير.

آفي بلوط

قائد القيادة المركزية الإسرائيلية

أذربيجان وتركيا.. مسار مختلف

على مستوى مختلف، تجري تركيا مفاوضات مع إسرائيل تستضيفها العاصمة الأذرية باكو، عبر عدة جولات، عقدت الجلسة الثالثة (الأحدث حتى لحظة تحرير التقرير)، في 8 من أيار الحالي.

وأفادت هيئة البث الإسرائيلية (مكان) أن الجولة الثالثة كانت أعلى مستوى من حيث التمثيل مقارنة بالجولات السابقة.

وتتركز المفاوضات حول التوتر المتزايد بشأن الدور التركي في سوريا، ووفقًا، لـ”مكان”، فإن إسرائيل ستطرح مطلبين رئيسين: الأول “عدم وجود قوة عسكرية تهدد إسرائيل قرب الحدود مع سوريا”، والثاني “عدم وجود أسلحة استراتيجية في سوريا قد تهدد الأمن الإسرائيلي”.

من جانبه، يرى الباحث السوري نادر الخليل أن خطي الوساطة الإماراتي- السوري من جهة، والأذربيجاني- التركي من جهة أخرى، لا يسيران في مسار تكاملي تام، بل يحملان بعضًا من مظاهر التنافس الإقليمي.

وأوضح أن الإمارات تسعى لتعزيز حضورها كوسيط في ملفات حساسة، بالمقابل، يرى أن تركيا، ومن باب التكتيك السياسي، تتيح مساحة للشرع للمناورة عبر القناة الإماراتية لتقديم نفسه كفاعل مستقل غير تابع بالكامل لأنقرة.

 

يجب التفريق بين موضوعات التفاوض في المسارين:

    • المحادثات التي تستضيفها أذربيجان تُركّز على ضبط التوازنات العسكرية في سوريا، وبشكل خاص على النفوذ التركي العسكري الذي تعتبره إسرائيل مصدر تهديد لأمنها القومي.
    • أما في الإمارات، فالمفاوضات تدور تحديدًا حول العلاقة بين النظام السوري الجديد وإسرائيل، وتتصل بترتيبات أمنية ثنائية تمهد لمرحلة لاحقة من التطبيع.

د. نادر الخليل

باحث سياسي سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى