ما قصة “التجمع الوطني” في السويداء؟ ولماذا يناوئ الشرع؟ | سياسة

السويداء- تستمر محافظة السويداء، ذات الغالبية السكانية الدرزية غربي سوريا، باستيلاد الأجسام السياسية والعسكرية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد، مثل التيار السوري العلماني، والمجلس العسكري في السويداء، والتجمع الوطني في السويداء الذي أُعلن عنه رسميا قبل أيام من قاعة مسرح المركز الثقافي بالمحافظة وسط حضور متنوع المنابت والولاءات.
ورغم أن الخط السياسي العام للتجمع جاء معارضا لتوجهات السلطة القائمة في البلاد، فإن رئيسه المؤقت عمر العيسمي يؤكد أنهم يمتلكون رؤية وطنية شاملة تنطلق من السويداء وتعتمد على التوفيق بين الآراء المختلفة.
كما يسعون -يضيف- إلى إيجاد التقارب بين المكونات الاجتماعية والسياسية في المحافظة لإنشاء هيكل سياسي منظم ذي قاعدة شعبية واسعة تستطيع دفع الناس للمشاركة في صناعة القرار، وتعيد السياسة إلى هذه القاعدة “بعيدا عن التنظير وحب الظهور الذي سيطر لفترات طويلة على المشهد في السويداء وسوريا بشكل عام”.
أهداف
وقال العيسمي للجزيرة نت “يهدف مشروعنا إلى إنشاء قاعدة شعبية سياسية تشاركية توافقية تعتمد وحدة التراب والوطن السوريين، وتسعى إلى مد جسور التواصل بين السوريين بكافة أطيافهم العرقية والإثنية والدينية والقومية والمذهبية، وهذا التنوع سيكون مصدر قوة وليس (مصدر) انقسام”.
وأوضح أنهم يعملون على توحيد الحالة الفصائلية ضمن تراتبية تسمح بالخلاص من شتات وفوضى السلاح، من خلال مكتب سياسي عسكري له صفة استشارية يعمل على تنظيم صف الضباط والمحترفين من أصحاب الكفاءة العسكرية الموجودين في السويداء كمتقاعدين ومسرّحين من جيش نظام الأسد ضمن وثيقة عمل مشترك، آملين تنظيمهم ودمجهم بإشراف قيادة عسكرية يتم تشكيلها حاليا بالمحافظة.
وبحسب العيسمي، فإن التجمع لم يقبل بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، ويرفض صيغة الإعلان الدستوري الذي “ركز السلطات بشكل فردي وأعطاها جميعها لشخص واحد أصبح رئيس المحكمة الدستورية، والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة وهو الذي يعين ثلث أعضاء مجلس الشعب، ولجنة تقوم بتعيين الثلثين الباقيين من أعضاء المجلس”.
وقال إن “هذا الشخص نصب نفسه بنفسه رئيسا لسوريا بواسطة مؤتمر من الفصائل المقاتلة التي كانت معه، وأعطى نفسه صفة رئيس الجمهورية، وليس رئيس حكم انتقالي للبلاد”.
من جهته، يوضح جمال درويش عضو مؤتمر الحوار الوطني أن هذا التجمع هو تيار سياسي عسكري معارض للحكومة في دمشق، وقد سبقته لقاءات جرت في مدينة صلخد بهدف التحضير لهذا اللقاء من خلال لجان منبثقة عنه ومنظمة له، وهو لم يظهر إلى الوجود برعاية الشيخ حكمت الهجري، أحد زعماء الدروز في السويداء، مثلما جرى الترويج له.
ويضيف للجزيرة نت “لا يمكن أن يتوافق تيار سياسي مع آخر عسكري ضمن عمل مشترك، لهذه الخطوة تداعيات في المرحلة المقبلة التي ستمر بها السويداء”.
التباس
ويبدو أن التباسا جليا ظهر حول موقف الهجري من التجمع، سواء من خلال زيارات سابقة قام بها ممثلون عن التجمع له في بلدته قنوات، أو عبر حضور رفعت زين الدين من مكتب الهجري فعالية إشهار إعلان التجمع رسميا في المركز الثقافي.
ويؤكد العيسمي حدوث مثل هذا الدعم من المرجعية الدينية الأقوى في المحافظة، حيث قال “لقد بارك الشيخ حكمت الهجري مشروعنا السياسي، وكان على علم بكل التنسيقات والمقررات التي تم القيام بها. ونحن جميعا على توافق مع رؤاه الوطنية”.
لكن بالمقابل، فإن أسامة الهجري، المستشار القانوني للشيخ حكمت يقول إنه “لا يتبنى هذا التجمع ولا غيره، أما المباركة فتنطبق على كل مكون سياسي جيد، وهذا لا يعني أن التجمع الجديد حظي بإشراف أو متابعة من قبل سماحة الشيخ”.
وأضاف للجزيرة نت “تعبنا من كثرة المؤتمرات والمقررات وتغيير المصطلحات، وما نريده هو التوجه العملي الفعلي، الذي بمقدوره تنفيذ هذه الطلبات والاعتراضات والمقترحات، لا أن تبقى مجرد كلام وخطابات وهتافات وتصفيق”.
ووفق ما ذكره مصدر مقرب من مشيخة العقل في السويداء، فضل عدم ذكر اسمه، فإن التجمع الوطني لا يمثل المحافظة سياسيا ولا عسكريا، وإن الشيخ الهجري لم يتبنَّه بنفسه وليس قائما عليه. وأضاف للجزيرة نت أن السويداء تضم تيارات سياسية ومدنية كثيرة، والكل معني بوضعها وقراراتها.
وقال “لا أعتقد أن الشيخ حكمت مساهم في هذا التجمع ولا صاحب رؤية فيه، كما أن هناك عددا كبيرا من الشخصيات التي حضرت المؤتمر هي من فلول النظام السابق، وهذا التجمع مثله مثل أية حالة سياسية أُطلقت في المحافظة تستخدم اسمه ومباركته لكسب الرأي العام، وإعطاء الزخم لتيارهم السياسي”.
تحديات
بدوره، يعتبر عدنان أبو عاصي من حزب الشعب الديمقراطي السوري أن ما طرحه هذا التجمع حول اللامركزية الإدارية هو توجّه غير مجدٍ الآن لأسباب تتعلق بالوضع الحالي، والزمن المديد الذي غابت فيه السياسة عن المجتمع السوري الذي “عاش حالة تشتت حتى وصلنا إلى لحظة سقوط النظام السابق، والتي أصبحت تحديا كبيرا لما ستكون عليه سوريا في المرحلة الانتقالية”.
وبرأيه، يمر واقع سوريا حاليا بحالة من التشظي والانقسام على كافة المستويات، بالإضافة إلى عدم وجود تيارات وأحزاب سياسية حاضرة تملأ الفراغ، وأي تيار يجب عليه أن يكون شاملا لتراب سوريا ككل كي لا يأخذ الطابع المحلي و”هذا غير متوفر حتى الآن”.
وأوضح للجزيرة نت أنهم لا يعارضون وجود نظام مركزي شرط أن يفسح المجال ويعطي مساحات لائقة من الحرية ومن القوانين التي تسمح بوجود أحزاب وجمعيات ونقابات ستكون العامل الرئيسي للمشروع الديمقراطي القائم، و”لعل الأزمات المختلفة التي أفرزها الواقع الموضوعي السوري تحتاج إلى نظام مركزي حازم يجمع سوريا المشتتة”.
وكشف أبو عاصي أنه اجتمع منذ حوالي شهر ونصف بالرئيس أحمد الشرع برفقة وفد من السويداء ضم 22 شخصية سياسية، واستمعوا لمبرراته المتصلة بضرورة وجود نظام مركزي قوي بسبب ما تعيشه البلاد من واقع اقتصادي وسياسي غير سليم وتدخلات دولية مؤثرة، ويعتبر المتحدث أنه “من حق التجمع تقديم مطالبه كغيره من المشروعات السياسية سواء كانت قابلة للتحقق أم لا”.
من جانبه، يرى خالد جمول الأمين العام للتحالف الوطني السوري لدعم الثورة أن تعدد الظواهر والتشكيلات والتجمعات والمكونات السياسية الجديدة هي ظاهرة صحية إن كانت تنادي بوجود مشروع وطني سياسي موحد.
وقال للجزيرة نت إن هناك بعض المكونات السياسية التي تأسست حديثا في ساحة السويداء، وبالرغم من احتوائها على النخب السياسية والمجتمعية، فإنها تذهب إلى تحدي الدولة والحكومة ورفض كل القوانين، والمبالغة في توجيه تهديدات لقيادات سياسية.
ووفقا له، فإن هذه التحديات الكثيرة التي تظهر، سيتم الوقوف في وجهها حتى تجاوزها ومعالجتها، وينادي بعدم اتخاذ قرارات قد تُدخل البلاد في مراهنات جديدة هي بغنى عنها في هذه المرحلة، لكنه يعتقد أن مستقبل سوريا هو اللامركزية الإدارية غير الموسعة في إطار مجموعة من القوانين والأنظمة التي تنادي بها العديد من الأجسام السياسية بشكل علني.